بقلوب حزينة، تابع محبو الساحرة المستديرة الأنباء المنتشرة، خلال الأيام الأخيرة، حول اعتزال لاعب برشلونة، الأرجنتيني سيرجيو أغويرو كرة القدم؛ بسبب معاناته من أزمة صحية تتعلق بعدم انتظام ضربات القلب.
وظهر أغويرو للمرة الأخيرة داخل المستطيل الأخضر خلال اللقاء الذي جمع فريقه برشلونة وديبورتيفو ألافيس (30 أكتوبر الماضي)، وغادر الملعب في الدقيقة 42؛ بعدما شعر بألم في منطقة الصدر.
وبعث النجم الأرجنتيني رسالة طمأنة لكل محبيه، نشرتها صفحة برشلونة الرسمية، قال خلالها: "شكراً لكم على رسائل الدعم والتضامن. الآن يجب الانتظار لبعض الوقت لتلقي أنباء عن الوضع. تحية لكم جميعًا".
كما أعلن نادي برشلونة غياب أغويرو عن الفريق لمدة ثلاثة أشهر، حتى تستقر حالته الصحية، إلا أنه عقب ذلك بأيام، انتشرت أنباء حول قرار الأرجنتيني اعتزال كرة القدم بسبب الأزمة الصحية الأخيرة، وهذا ما أكده صديقه السابق، سمير نصري، عبر تصريحات إعلامية.
وأشار نصري إلى تلقيه رسالة من أغويرو، أكد خلالها ما جاء بالتقارير التي تحدثت عن إنهاء مسيرته.
الهارب من السجن
بمنطقة ريفية تُدعى "لوس يوكاليبتوس"، تقع بجنوب العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، وُلد أغويرو من عائلة فقيرة عام 1988، وكان والده سائق تاكسي، ووالدته ربة منزل، وترتيبه الثاني وسط 7 أبناء.
كان الفقر صديق عائلة أغويرو المقرب، وكان العشاء في كثير من الأحيان مجرد قطع من الخبز القديم وشاي عشبي.
ويعبر الأرجنتيني عن هذه الفترة قائلًا: "معظم أصدقائي حينها موجودون الآن في السجن، لولا كرة القدم لربما كنتُ معهم".
"كرة القدم تحيط بك في الأرجنتين"، هكذا عبر أغويرو عن علاقته باللعبة قبل رحلته الاحترافية، وتابع: "لطالما كانت الكرة عند قدمي، سنلعب في أي لحظة من اليوم، في الشمس أو بعد حلول الظلام، كنت أقضي ساعات وساعات هناك، وأحيانًا أعود إلى المنزل متأخرًا، لم يكن الوقت عاملاً فارقًا أبدًا".
كحال أغلب أبناء قارة أميركا الجنوبية، كان أغويرو يمارس كرة القدم رفقة أصدقائه بهدف التغلب على مصاعب الحياة، فهناك يمكن وصف الساحرة المستديرة بأنها أكثر من مجرد لعبة حقًا، وتنتج هذه الأجواء سنويًا عديد من اللاعبين المميزين، الذين يجيدون ممارسة "كرة الشوارع" فوق عشب الملاعب العالمية، مرتدين قمصان كبار فرق العالم.
بداية الرحلة
في سن التاسعة، بدأ أغويرو ممارسة كرة القدم بشكل احترافي، إذ انضم لفريق "إنديبندينتي" الأرجنتيني.
ويقول ريكاردو بوتشيني، مدرب الشباب بالنادي، وأحد أساطيره عبر التاريخ: "في ذلك العمر، كان أغويرو لا يزال صغيرًا جدًا، ولكن عندما أخذناه للعب كرة القدم داخل الصالات على أرضية أصغر، كان بإمكانك رؤية ما يمتلكه من قدرات طبيعية وفنية عظيمة.. كان مسددًا رائعًا".
في العام 2003، وبعمر 15 عامًا وشهرًا وثلاثة أيام، ظهر أغويرو للمرة الأولى رفقة الفريق الأول لـ"إنديبندينتي" أمام سان لورينزو، ليحل محل الأسطورة "مارادونا" باعتباره أصغر لاعب بتاريخ الدوري الأرجنتيني.
خلال هذه الفترة، بدأ أغويرو في الظهور مع النادي الأرجنتيني، على فترات متقاطعة، حتى حجز مكانًا أساسيًا بتشكيلة الفريق عام 2005، بالتزامن مع مشاركته مع منتخب بلاده في كأس العالم تحت 20 عامًا، والتي حصدها "أبناء التانغو" بقيادة ليونيل ميسي.
ووصف مدرب " إنديبندينتي"، والفائز بكأس العالم 1978، سيزار لويس مينوتي، لاعبه أغويرو بأنه شبيه البرازيلي "روماريو"، قائلًا: "لديهم بنية متشابهة، مشية ذات أرجل مقوسة مماثلة، عادة مماثلة للضرب بإصبع القدم عبر الكرة أثناء التسديد، وحتى نفس طريقة الإنهاء".
في موسم 2005 – 2006، بدأت موهبة أغويرو في الانفجار، وأحرز 18 هدفًا في 36 مباراة بالدوري الأرجنتيني، وظهر على قائمة اهتمامات الأندية الأوروبية، وحصل أتلتيكو مدريد على خدمات "كون" في نهاية الموسم الكروي مقابل 23 مليون يورو.
ميلاد نجم
في عمر الـ18 عامًا، كان أغويرو بصدد خوض تحدٍ جديد بمسيرته، إما أن يكون صاحب ظهور طاغ بالقارة العجوز، أو يكون مصيره مثل كثير من المواهب الأرجنتينية التي احترفت بالأندية الأوروبية، ورحلت عنها دون أن يشعر بها أحد.
كان أغويرو أصغر أفراد كتيبة المدرب المكسيكي، خافيير أغيري، المدير الفني لنادي أتليتكو مدريد آنذاك، والصفقة الأغلى في التعاقدات الشتوية بالنسبة للفريق الإسباني بذلك الموسم.
خلال موسمه الأول مع "الأتليتيكو"، سجل أغويرو 6 أهداف فقط، وكان هذا الأداء المتوسط تمهيدًا لانفجار جديد في موهبة الأرجنتيني، وما حدث بموسم 2007 – 2008 يكفي لشرح الجملة السابقة.
في العام 2008، انتقل نجم أتليتكو مدريد الأول، فرناندو توريس، لصفوف نادي ليفربول الإنجليزي، وتعاقد النادي الإسباني مع دييغو فورلان، الذي شكل ثنائي هجومي مميز مع أغويرو.
خلال ذلك الموسم، قدم أغويرو نفسه لجماهير كرة القدم كأحد أفضل مواهبها الشابة على الإطلاق آنذاك، وكان أكثر لاعبي أتلتيكو مساهمة في الأهداف برصيد 38 هدفًا (سجل 27 وصنع 11)؛ ليفوز بجائزة أفضل لاعب صاعد في أوروبا.
ببساطة، خلع أغويرو ثوب "الناشئ المميز" وتحول إلى أحد نجوم الفريق الإسباني، وكان التحدي الذي يواجهه الأرجنتيني هو قدرته على تحمل تسليط الأضواء، والاستمرار في تقديم مستويات مميزة، وهذا ما حدث بالفعل.
استمر تألق أغويرو حتى آخر يوم في رحلته مع الفريق المدريدي، وساهم بما يقارب 150 هدفًا خلال 230 مباراة خاضها بقميص أتليتكو مدريد، وحقق معه لقبين قاريين: الدوري والسوبر الأوروبيين.
كان أغويرو قد حصل على مكانته الخاصة بالنادي الإسباني وقلوب محبيه، إلا أن سيرجيو كان يشعر أنه بحاجة لخوض تحدٍ جديد، وفي الوقت ذاته كان مشروع "مانشستر سيتي" يبحث عن النجوم ليحقق أهدافه على مستوى حصد الألقاب، وكان أغويرو أحد أفضل المُختارين.
وانتقل النجم الأرجنتيني لصفوف النادي عام 2011، في صفقة قدرت بـ38 مليون يورو.
لحظة لا تُنسى
خلال هذه الفترة، كان الصراع ناريًا بين تشلسي ومانشستر يونايتد على الألقاب المحلية، وبدأ مانشستر سيتي في الدخول تدريجيًا إلى سباق المنافسة على "البريميرليغ"، إذ احتل المركز العاشر عام 2009، ثم المركز الخامس عام 2010، وفي العام 2011، وصل إلى المركز الثالث.
كانت جماهير السيتي تبحث عن اللقب الأول منذ 44 عامًا، وهذا ما تحقق عام 2012، في الثواني الأخيرة من الموسم الكروي، من خلال لقطة تاريخية لا تُنسى، كان بطلها الأول، سيرخيو أغويرو.
استمر الصراع بين قطبي مدينة مانشستر "اليونايتد" و"السيتي" حتى الخطوات الأخيرة من سباق لقب "البريميرليغ"، وقبل الجولة الأخيرة، كان فريق الشياطين الحمر يتأهب لمواجهة سندرلاند وهو يملك في رصيده 86 نقطة، وهو نفس رصيد النقاط الذي كان يملكه "السيتي" قبل لقائه أمام كوينز بارك رينجرز.
نجح اليونايتد في تحقيق الفوز بهدف نظيف، بينما كان السيتي متأخرا بفارق هدف أمام كوينز بارك رينجرز، الذي كان فوزه يضمن بقاءه بـ"البريميرليغ".
وبينما كانت جماهير اليونايتد تتأهب للاحتفال باللقب، نجح السيتي في إحراز هدف التعادل عن طريق إيدين دزيكو في الدقيقة 92، والذي لم يكن كافيًا ليحصد الفريق السماوي اللقب.
وكان حكم اللقاء يستعد لإطلاق صافرة نهاية المباراة، إلا أن أغويرو رفض أن تغادر جماهير السيتي الملعب وهي حزينة، ونجح في تسجيل "هدف البطولة" في الدقيقة 95، بعدما استقبل تمريرة من الإيطالي ماريو بالوتيلي، نجح في تحويلها بشكل مميز إلى الشباك؛ ليحقق السيتي اللقب بفارق الأهداف عن اليونايتد.
خيم الصمت على لاعبي اليونايتد، ومدربهم الأسطوري السير أليكس فيرغسون، وجماهيرهم التي كانت قد استعدت للاحتفال، بينما انفجرت جماهير السيتي احتفالًا بلقبٍ غالٍ، كان بمثابة بداية حقيقية لمنافسة مانشستر سيتي بقوة على الألقاب المحلية.
ومن بين الصرخات التي أطلقها الجميع بهذه الليلة بملعب الاتحاد، كانت "صرخة أغويرو" هي الأقوى.. صرخة الطفل الأرجنتيني الذي قرر أن يهزم الظروف ويكون بطلًا.
وعن هذا الهدف التاريخي، يقول أغويرو: "أواصل مشاهدة هدفي في الفوز باللقب ضد كوينز بارك رينجرز وفي كل مرة أشعر بالحماس. خطتي هي البقاء هنا لأنني مقتنع بأن مانشستر سيتي سيكون يومًا ما بنفس مستوى ريال مدريد وبرشلونة".
مسيرة تاريخية
10 أعوام كاملة قضاها أغويرو داخل جدران مانشستر سيتي، أصبح خلالها الهداف التاريخي للنادي السماوي برصيد 260 هدفًا، وأكثر لاعب أجنبي تسجيلًا للأهداف بـ"البريميرليغ"، ورابع هدافيه بشكلٍ عام عبر تاريخه.
وحقق أغويرو مع السيتي 15 لقبًا محليًا، ولم يحالفه الحظ لقيادة الفريق لتحقيق أي لقب قاري.
ورغم الإصابات التي عرقلت مسيرة أغويرو بعض الشيء، بالإضافة إلى بعض الخلافات الفنية مع مدرب السيتي الإسباني بيب غوارديولا، لم تعكر هذه الأزمات صفو رحلة سيرجيو مع السيتي ومع كرة القدم بشكلٍ عام. ومع عدم تجديد عقد أغويرو مع السيتي، بدأ الأرجنتيني التفكير في خوض تحدٍ جديدٍ.
الفصل الأخير
بعيونٍ دامعة كشف غوارديولا عن وجهة أغويرو بعد الرحيل عن السيتي، وهي نادي برشلونة، وأشار حينها المدرب الإسباني إلى أن سيرجيو بالطبع سيتمتع بمزاملة اللاعب الأفضل على الإطلاق ليونيل ميسي بالفريق، إلا أن قواعد "سقف المرتبات" بالدوري الإسباني جعلت رحيل "البرغوث" عن النادي الكتالوني حتميًا، ليرحل ميسي ويبقى أغويرو.
وأكد غوارديولا أن أغويرو ما زال قادرًا على تقديم الكثير داخل الملاعب، "يمكنه الاستمرار بالملاعب حتى عامه الـ40".
لم يشارك أغويرو في عدد كبير من الدقائق مع "البلوغرانا" بسبب الإصابة، وسجل بقميص البرسا هدفًا وحيدًا كان في شباك ريال مدريد.
مع عودته تدريجيًا للمشاركة، ظهرت أزمة عدم انتظام ضربات قلبه، التي لوحت بنهاية مسيرته، محطمة آمال جمهور برشلونة في الاستمتاع بما تبقى من سحر النجم الأرجنتيني بالملاعب.
وفقا لموقع "ترانسفير ماركت"، أغويرو هو سادس هدافي القرن الـ21 على مستوى اللعبة برصيد 414 هدفًا.
سواء قرر أغويرو اعتزال كرة القدم، أو الاستمرار في الملاعب، يدين كل محب لكرة القدم بالكثير من الذكريات الرائعة للأرجنتيني أغويرو الذي حقق ما يكفي داخل الملاعب، وحقق الأهم خارجها، وهو كما قال سابقًا الفرار من السجن، وتجاوز كل العقبات من أجل أن يكون أحد أفضل مهاجمي اللعبة عبر تاريخها، وأكثرهم تنوعًا في إنهاء الهجمات.