عربي ودولي

مجزرة العلويين تعقد جهود التقارب بين بغداد والسلطة السورية الجديدة
مجزرة العلويين تعقد جهود التقارب بين بغداد والسلطة السورية الجديدة
عقّدت عملية التقتيل الجماعي التي تعرّض عدد من أبناء الطائفة العلوية في سوريا من أيّ مساع للتقارب بين بغداد ودمشق تحت حكم السلطات الجديدة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وأضعفت إلى حدّ بعيد موقف الجهات العراقية المطالبة بالتواصل مع تلك السلطات وتوثيق العلاقة معها لملاءمة الموقف العراقي مع الموقف الإقليمي والدولي بشأن التغيير في سوريا ولتسهيل التنسيق بين البلدين في العديد من الملفات وعلى رأسها الملف الأمني.

وفي مقابل ذلك أسندت المجزرة التي أودت بالمئات من العلويين في منطقة الساحل السوري موقف القوى الشيعية العراقية من أحزاب وفصائل مسلّحة كانت قد رفضت من حيث المبدأ التسليم والاعتراف بالواقع الجديد الذي نجم في سوريا عن سقوط نظام بشار الأسد الحليف لإيران وبالنتيجة لتلك القوى ذاتها.

وتعالت أصوات تلك القوى مندّدة باستهداف العلويين ومصدرة تحذيرات ضمنية لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من أيّ تقارب مع الشرع وأركان حكومته.

وتجد الكثير من القوى الشيعية العراقية ومن ورائها حليفتها إيران مصلحة في عزل النظام السوري الجديد وتعقيد مهمته في تطبيع الأوضاع في سوريا ومنع بسط سلطته على كامل التراب السوري كونه بالنسبة إليها حليفا لمنافسي إيران على النفوذ في المنطقة وتحديدا لتركيا التي يعتبر سقوط نظام الأسد انتصارا كبيرا لها وهزيمة للإيرانيين.

ولم يخل العراق من أصوات براغماتية طالبت حكومة السوداني بالتحركّ صوب دمشق وإعادة توثيق العلاقة معها في ضوء التغيير الذي حدث في سوريا. وقال وزير الخارجية فؤاد حسين في وقت سابق إنّه لا يوجد أيّ تحفظ أو شروط من بغداد لتقبّل التعامل مع القيادة السورية الجديدة، مؤكّدا أن العراق سيدعو الشرع لحضور قمة بغداد العربية التي ستُعقد في مايو المقبل. كما كشف عن توجيهه دعوة رسمية لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لزيارة بغداد.

وبرّر الوزير موقفه الإيجابي من العلاقة مع السلطات السورية الجديدة بأسباب براغماتية عملية قائلا “نحن في حالة قلق من موضوع تنظيم داعش، ووجوده على الحدود العراقية – السورية نعتبره تهديدا، والإدارة السورية الجديدة لديها موقف من التنظيم، ونحتاج إلى تعاون وعمل مشترك مع سوريا في هذا الأمر لضرب داعش وعدم فسح المجال له مرة أخرى،” واصفا الموقف الرسمي العراقي من سوريا بـ”الإيجابي والمتفاعل.”

دعوة الشرع إلى القمة العربية موضع تساؤل بشأن قدرة حكومة السوداني على تحدي القوى الشيعية وبسط السجاد الأحمر له في بغداد

لكنّ المجزرة الطائفية ضدّ العلويين جاءت لتخفت تلك الأصوات الإيجابية حيث غابت أخبار زيارة الشيباني التي تحدّث عنها فؤاد حسين. وأصبحت دعوة الشرع للقمة العربية بحدّ ذاتها موضع تساؤل بشأن مدى قدرة حكومة السوداني على تخطّي القوى الشيعية المتنفذة في الدولة واستقبال الرجل في بغداد وبسط السجاد الأحمر له وهو المتهم من قبل تلك القوى ذاتها بالمسؤولية عن تقتيل أبناء الطائفة.

وحلت محلّ الأصوات البراغماتية المعتدلة الأصوات المتشدّدة في رفضها الاعتراف بالسلطة السورية الجديدة وإقامة علاقات طبيعية معها.

وهاجم قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحقّ ما سمّاها الجماعات ذات التاريخ الإرهابي المتنكرة حاليا تحت ستار القوات الأمنية السورية قائلا في بيان إنّ “الإعدامات التي تستهدف أبناء الطائفة العلوية تُثير فزعا عميقا وتستدعي تحركا عاجلا من المجتمع الدولي لحمايتهم”.

وقال حزب الدعوة الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي إنّ “التصفيات والقتل العشوائي الجماعي للأبرياء في مدن الساحل تهدد السلم الأهلي والاستقرار ووحدة الشعب السوري،” ورأى في بيان أنّ “تأجيج الطائفية والقتل على الهوية والتحريض على الانتقام لن يبني دولة ولن يؤسس نظاما عادلا.”

ونسب النائب عن كتلة صادقون النيابية الممثلة للعصائب محمد البلداوي مجازر الساحل السوري مباشرة لـ”عناصر أبومحمد الجولاني” (أحمد الشرع) قائلا لوسائل إعلام محلية إنّها “فاقت في وحشيتها وبشاعتها ما ارتكبه المغول في بغداد.” وقال الخبير الأمني المقرّب من الحشد الشعبي هيثم الخزعلي إنّ “ما كان يحذّر منه العراق بخصوص عمليات القتل والنحر في سوريا قد تحقق” متهما الرئيس السوري المؤقت بأنه جاء إلى سوريا لتنفيذ مخطط للتقسيم العرقي والطائفي.

وتعتبر مثل تلك المواقف بمثابة إنذارات مبطنة لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من التحرّك باتجاه دمشق وتطبيع العلاقة مع نظامها الجديد، إذ لا يمكن للسوداني أن يخالف بشكل جذري مواقف القوى المشاركة بقوة في تشكيل حكومته والتي تمثل وعاءها السياسي متمثّلا في الإطار التنسيقي الشيعي.

الكثير من القوى الشيعية العراقية ومن ورائها حليفتها إيران تجد مصلحة في عزل النظام السوري الجديد وتعقيد مهمته في تطبيع الأوضاع في سوريا

وعلى عكس غالبية العواصم الإقليمية والدولية التي أظهرت انفتاحا سريعا وغير مشروط على دمشق ما بعد نظام الأسد، ما تزال بغداد على ترددها وحذرها، حيث أحجمت السلطات العراقية عن تهنئة أحمد الشرع بتوليه منصب الرئيس الانتقالي.

واكتفت حكومة السوداني إلى حدّ في تواصلها مع السلطات السورية الجديدة بعملية جس النبض التي بادرت إليها بعد أقل من أسبوعين على سقوط نظام الأسد من خلال إيفادها رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري إلى دمشق.

وأرجعت مصادر عراقية توقّف التواصل بين بغداد ودمشق عند تلك الزيارة التي طغى عليها الطابع الأمني إلى تأثير الأحزاب والفصائل الشيعية المتنفذة في الدولة العراقية وهي قوى حليفة لإيران غير المرتاحة لما حدث في سوريا من تغيير أفضى إلى إزاحة حليفها الأسد من السلطة التي آلت إلى حلفاء قطر وخصوصا تركيا منافستها الرئيسية على النفوذ في المنطقة.

وتحدّثت ذات المصادر عن ضغوط إيرانية على بغداد عن طريق تلك الأحزاب والفصائل نفسها بهدف منع إقامة علاقات جيدة بين حكومة السوداني والنظام الجديد في دمشق.

ويظهر ذلك من خلال الخطاب السياسي والإعلامي السلبي الذي ما تزال الأحزاب والفصائل الشيعية العراقية تستخدمه في الحديث عن التغيير الذي حدث في سوريا وفي توصيف قيادتها الجديدة التي ما تزال وفقا للخطاب ذاته مجرّد فرع لتنظيمات متشدّدة.

ويخالف ذلك الخطاب الأسلوب البراغماتي الذي رغبت الحكومة في التعامل به مع الوضع في سوريا عندما أعلنت إثر سقوط نظام الأسد عدم نيتها التدخل في الشأن السوري وقرّرت استئناف عمل البعثة الدبلوماسية العراقية في دمشق.

وقال مصدر نيابي عراقي إنّ تركيا الصديقة للقيادة السورية الجديدة لم تكن بعيدة عن الموقف الإيجابي الذي ظهر بداية في التعاطي الرسمي العراقي مع الوضع السوري الجديد، كاشفا عن مقترحات تقدمت بها الحكومة التركية لنظيرتها العراقية بشأن تعاون ثلاثي بين أنقرة ودمشق وبغداد مفيد في عدّة مجالات أكثرها استعجالا الملف الأمني الذي قفز إلى صدارة اهتمام السلطات العراقية بمجرّد سقوط نظام الأسد ورواج مخاوف بشأن انفلات تنظيم داعش من جديد وعودته لتهديد أمن العراق واستقراره.

وأوضح ذات المصدر أنّ الحكومة العراقية أبدت ترحيبا مبدئيا بالمقترح لكنّها لم تكن تستطيع التسرّع في تبنيه وإعلانه نظرا لصعوبة تجاوز مواقف حلفاء إيران ذوي السطوة على قرارها، ولذلك آثرت الحذر والتريث، ملخصا الموقف الحكومي بأنّه موزع بين الرغبة في الانحياز للبراغماتية التركية والتخوّف من ردة فعل إيران عن طريق حلفائها المحليين.

12 مارس 2025

هاشتاغ

التعليقات