عربي ودولي

جدل مصري إسرائيلي حول الحشد العسكري: استعراض كلامي لإرضاء الجمهور
جدل مصري إسرائيلي حول الحشد العسكري: استعراض كلامي لإرضاء الجمهور
 تخلت مصر بشكل كبير عن حذرها في مواجهة تصريحات إسرائيلية متكررة تتحدث عن قوة جيشها، ووجهت أسئلة عكسية بشأن أهداف إسرائيل من تكثيف حشودها العسكرية في جنوب قطاع غزة القريب من مصر، في جدل يقول مراقبون إن الهدف منه استعراض موجه إلى الداخل لطمأنة الجمهور.

ولا يوجد مسوغ سياسي ولا أمني لأي تصعيد بين مصر وإسرائيل بعد أن أسست عملية السلام لعلاقة واضحة ومرسومة بدقة لا أحد تجاوزها إلى حد الآن، ما يجعل التراشق بالتصريحات بين الطرفين على علاقة بأوضاع داخلية تحرص فيها الحكومة اليمينية في إسرائيل على إظهار أنها في موقع قوة في ظل ضغوط تتعلق بإطلاق سراح الرهائن.

في المقابل يؤكد المصريون أنهم طرف فعال والجميع في حاجة إليه بمن في ذلك إسرائيل، وأن وقوفهم في وجه خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن التهجير أبلغ دليل، وأن الجدل، طالما أنه يقف عند حدود التصريحات والردود، فإنه يخدم صورة الرئيس عبدالفتاح السيسي وشعبيته في الداخل.

الرسائل المصرية من خلال تحريك بعض القوات تبرهن على الالتزام باتفاقية كامب ديفيد طالما التزمت بها إسرائيل

وقال ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، التابعة للرئاسة المصرية، إن حدود مصر الجنوبية والغربية والشرقية مشتعلة، ومن الطبيعي أن تكون القاهرة جاهزة للتعامل معها، مضيفا “آن الأوان لأن نسأل نحن، لا أن نُسأَل، لمَ كل هذا الحشد العسكري الإسرائيلي الإستراتيجي والتكتيكي.”

ولفت رشوان إلى أن تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أدلى به في الأمم المتحدة من قبل “الآن كل دول الشرق الأوسط تعلم أن أيادينا تستطيع الوصول إلى أي مكان في المنطقة،” يعني أننا إزاء دولة عدوان، وعلينا أن نسأل هل تم ضبط مصر منذ حرب 1973 متورطة في أي حرب مع أي جار، بمن فيهم إسرائيل؟

ويقول المراقبون إن التصريحات والتصريحات المضادة لها أهداف سياسية، وقد تصاعدت وتيرتها من قبَل إسرائيل منذ أن كشف ترامب عن مقترحه تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، وتصب في صالح المزيد من الضغط على القاهرة وحثها على قبول التوطين وتأييد مقترح ترامب.

وتأتي بعض الردود المصرية في سياق شعبوية تؤكد أن القاهرة لا تصمت على الانتقادات والاتهامات الإسرائيلية ولا تقبل أن تتلقى هجوما إعلاميا وتصمت عليه، وتبرهن على أن التصعيد الكلامي يمكن مقابلته بآخر يعزز معادلة توازن القوى التي تعمل مصر على عدم إحداث خلل كبير فيه من أجل تمكينها من القيام بدور رئيسي في الوساطة.

وبقيت المواقف المصرية من الاستفزازات الإسرائيلية محصورة في إطار موضوع غزة ورفض تهجير الفلسطينيين في سياق سعي القاهرة للحفاظ على صورتها والتزامها بالملف الفلسطيني، الذي يؤثر على الرأي العام، وتجنب إثارة الخلافات الثنائية مع تل أبيب، إلى حين ظهور الانتقادات الإسرائيلية الأخيرة لتسليح الجيش المصري والتساؤل حول الفائدة منه، ما جعل القاهرة تغير خطابها.

صرية يأتي في إطار أحاديث كلامية من الجانبين (مصر وإسرائيل) ولا ينطوي على أي تطور أكثر من ذلك.

وأوضح غطاس أن مصر حريصة على ألا تكون ردودها رسمية، إلا في أضيق الحدود التي تتطلب ذلك، وغالبية الاستفزازات الإسرائيلية تأتي من اليمين المتطرف، وهو لا يعبر عن موقف حكومي رسمي.

ومعروف أن زعيم اليمين التاريخي في إسرائيل مناحيم بيغن هو من وقع اتفاق سلام مع مصر عام 1979 لإخراجها من دائرة الصراع مع إسرائيل، وهو أمر أكبر من أي مكاسب يمكن أن تبحث عنها إسرائيل في الوقت الحالي.

وأوضح سمير غطاس لـ”العرب” أن مصر دولة لديها بنية عسكرية جيدة، لكنها لا تهدد إسرائيل، والأخيرة تحتاج دائما إلى القاهرة كوسيط في الصراع الدائر مع حركة حماس. ورغم أن قطر زاحمت مصر على هذا الدور وأخذت حصة ليست قليلة، فإن إسرائيل تدرك أن الدوحة بعيدة جغرافيّا وليس لها مستقبل في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ما دفع زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد ليطالب مصر بتحمل مسؤولية القطاع كي تكون هناك جهة تستطيع إسرائيل الحديث معها، ما يبرهن على أن حاجة تل أبيب إلى القاهرة أكبر من الحديث عن صراع أو حرب.

وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إن إسرائيل لن تسمح لمصر بـ”انتهاك اتفاقية السلام، ولن نسمح بانتهاكات للبنية التحتية. نحن نتعامل مع ذلك، لكن الاتفاقية قائمة،” على خلفية تقارير تداولتها وسائل إعلام إسرائيلية الأيام الماضية حول تعزيزات عسكرية مصرية في سيناء.

وشدد كاتس على تمسك إسرائيل باتفاقية السلام الموقعة مع مصر، وهو أيضا ما ذهب إليه ضياء رشوان في تصريحاته، حيث أكد على أن “مصر في علاقة سلام مؤكدة مع إسرائيل وتحرص عليها للغاية،” مشيرًا إلى أن علاقة السلام المصرية – الإسرائيلية، الممتدة على مدار 46 سنة، أطول من حالة الحرب التي استغرقت نحو 30 عاما.

وذكر وكيل جهاز الاستخبارات المصري سابقا اللواء محمد رشاد أن إسرائيل تشن حملة إعلامية ضد مصر متهمة إياها بانتهاك اتفاقية كامب ديفيد عبْر وجود قوات في المنطقتين “ب” و”ج” غير المنصوص عليهما في اتفاق السلام، وأن الموقف المصري هو رد فعل على انتهاكات إسرائيلية مقابلة لملاحق وبروتوكولات الاتفاق منذ أن احتلت ممر فيلادلفيا في جنوب غزة، وحشدت قواتها بالقرب من معبر رفح.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الرسائل المصرية من خلال تحريك بعض القوات أو التصريحات الإعلامية تبرهن على الاستعداد الكامل للالتزام بالاتفاقية طالما التزمت بها إسرائيل، وما تُقدم عليه مصر من تحركات في سيناء أو بالقرب منها يهدف إلى الردع، لأن تواجد إسرائيل في جنوب غزة يهدد الاستقرار في تلك المنطقة التي هي جزء مباشر من الأمن القومي المصري.

ولفت إلى أن القاهرة في جميع المواقف حريصة على ألا تبدأ بالتصعيد وتتخذ إجراءات حمائية، وأن المشكلة تكمن في أن إسرائيل دولة “غير مؤتمنة” في ظل سعي حكومة نتنياهو إلى الإبقاء على عدة جبهات مشتعلة لتحقيق مصالح شخصية، ومصر تدرك أن قادة إسرائيل يجيدون توزيع الأدوار، وأن هناك تصريحات تخرج من أبواق مختلفة، من بينها وزيرا الدفاع والخارجية ورئيس الأركان السابق، ما يرشح استمرار التصعيد الإعلامي.

12 مارس 2025

هاشتاغ

التعليقات