تفقد فرنسا جاذبيتها للطلاب الأجانب، إذ بات هؤلاء يميلون بشكل أكبر إلى اختيار الدول التي يعتمد التدريس فيها على اللغة الإنجليزية. لكن المشكلة لا تكمن فقط في تراجع اللغة الفرنسية، وإنما تعود أيضا إلى تزايد مشاكل فرنسا كقوة عالمية كبرى، خصوصا في العالم الفرانكوفوني.
لا يجد الطلبة الأفارقة الذين يبحثون عن مواصلة تعليمهم الجامعي في الخارج ما يشجعهم على الذهاب إلى فرنسا بالرغم من أن نظام التعليم في بلدانهم يعتمد اللغة الفرنسية. والسبب أن الخريجين الذين يدرسون بالفرنسية لا يجدون مواطن العمل لاحقا في بلدانهم أو في بلدان أخرى مجاورة لأن الحضور الاستثماري والاقتصادي الفرنسي في أفريقيا تراجع بشكل كبير.
ولم تعد الشركات الفرنسية قادرة على توظيف الكفاءات من الخريجين الأفارقة، على عكس شركات أخرى ذائعة الصيت تفتح أبوابها للخريجين من مختلف الجامعات إذا كانوا يتقنون الإنجليزية. وهكذا فإن تراجع فرنسا اقتصاديا يقف وراء خسارة الفرنسية لمنزلتها، وهو ما يفسر عمليا نهاية الفرانكوفونية رغم عدم اعتراف فرنسا بهذه الحقيقة.
فرنسا تراجعت كوجهة للطلاب من المركز الثاني عام 1980 إلى المركز الرابع عام 2017، إلى المركز السابع عام 2022
وفي نوفمبر 2022 اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش حضوره القمة الفرانكوفونية في تونس، بتراجع اللغة الفرنسية في المغرب العربي وتحدث عن ضرورة إعداد برنامج لاستعادة مكانة الفرنسية في المنطقة.
وقال “يجب أن يكون هناك برنامج استرداد لمكانة اللغة الفرنسية،” واقترح تعزيز برامج التعليم والثقافة والرياضة وشبكة تعليم الفرنسية في العالم. لكن إلى حد الآن بقي هذا الأمر مجرد رغبة رغم أنه صادر عن رئيس فرنسا.
واختارت دول مثل تونس والجزائر تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية إلى جانب العربية والفرنسية. وتتزايد الدعوات من رجال التعليم والمختصين والسياسيين إلى إعطاء الأولوية للإنجليزية وجعل الفرنسية لغة ثانوية.
وتهيمن اللغة الإنجليزية على خطوط التواصل الدولي من الإنترنت إلى ميادين العلاقات الدولية والعلوم الطبيعية والطب والهندسة، إلى جانب تفوقها كأداة تواصل في المؤتمرات العلمية الدولية والندوات والاجتماعات والحلقات الدراسية.
وقال تقرير نشره ديوان المحاسبة في فرنسا الاثنين إن عدد الطلاب المتجهين إلى فرنسا للدراسة هناك قد تراجع وإن هؤلاء باتوا يميلون إلى اختيار الدول الناطقة بالإنجليزية، وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا، وحتى روسيا.
ويشير التقرير إلى أن “حركة الطلاب الدولية تنمو بسرعة أكبر مقارنة بعدد الطلاب في العالم،” و”تشكل موضوع تنافس شديد على نحو متزايد بين مؤسسات التعليم العالي (…) والدول لجذب المواهب.”
وقد ارتفع عدد الطلاب الذين يدرسون خارج بلادهم من 600 ألف طالب عام 1975 إلى 6.4 مليون طالب عام 2021 في مختلف أنحاء العالم.
ولفت ديوان المحاسبة، المؤسسة العامة التي تراقب الإنفاق العام، إلى أن أعداد الطلبة الدوليين في فرنسا تتزايد بشكل مطرد منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن أقل من “بعض البلدان الناطقة بالإنجليزية أو (…) ألمانيا، وهو ما أدى إلى انخفاض تصنيفها.”
وذكر التقرير أن فرنسا كانت بذلك ثاني أكثر بلدان العالم استضافة للطلبة الأجانب في عام 1980 بعد الولايات المتحدة، قبل أن تتراجع إلى المركز الرابع في عام 2017 بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا. وسنة 2022 تراجعت فرنسا إلى المركز السابع “خلف كندا وألمانيا وروسيا.”
وقد حدث ذلك رغم إطلاق إستراتيجية “مرحبا بكم في فرنسا” التي تهدف إلى جذب “نصف مليون طالب أجنبي بحلول عام 2027.”
ويأتي 50 في المئة من الطلاب من بلدان المغرب العربي أو البلدان الأفريقية، و22 في المئة من آسيا، و19 في المئة من البلدان الأوروبية، وفق التقرير الذي يؤكد أن فرنسا تجتذب “الطلاب الناطقين بالفرنسية في المقام الأول.”
ويختار الطلاب من البلدان التي ترسل شبابها بشكل متزايد إلى الخارج، مثل الصين والهند ونيجيريا، في المقام الأول متابعة التحصيل العلمي “المقدّم بالإنجليزية”، في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو ألمانيا.
ولجذب المزيد من الطلاب من بلدان أخرى يوصي التقرير بزيادة عدد المنح الدراسية المتاحة (على صعيد العدد والمبالغ المالية والمدة)، ولكن أيضا برفع الحد الأدنى لسقف الموارد للطلاب الدوليين.