حذرت وزارة الإعلام السورية من الحملات الإعلامية المضللة لإعادة تداول صور ومقاطع فيديو قديمة، بهدف التلاعب بالرأي العام وإثارة الفوضى ونشر التضليل في البلاد، وذلك بالتزامن مع توتر أمني خطير يستوجب حضورا فاعلا للإعلام الرسمي الذي لا يزال الغائب الأبرز عن المشهد.
ومع تصاعد العنف في الساحل السوري قبل مدة قصيرة عاش السوريون في عتمة إعلامية وسيل من الشائعات والأخبار الكاذبة، ما أعاق وصولهم الى الحقيقة، فيما المصدر الرسمي شبه غائب.
ووسط تضارب الأرقام وتحوير الحقائق بات من الصعب التمييز بين الدعاية والواقع، ويجري تبرير الجرائم كدفاع مشروع وتغيب الحقائق بين الفوضى المعلوماتية.
وقالت وزارة الإعلام السورية في بيان إنه تم خلال المدة الأخيرة رصد “محاولات ممنهجة لإعادة تداول صور ومقاطع فيديو قديمة، يعود بعضها إلى سنوات سابقة وأخرى مأخوذة من خارج البلاد، بهدف التلاعب بالرأي العام وتقديمها على أنها أحداث جارية في الساحل السوري، في محاولة واضحة لإثارة الفتنة وزعزعة الاستقرار.”
وأضافت “نهيب بالمواطنين التحلي بالوعي وعدم الانجرار وراء الأخبار المضللة التي تستهدف النسيج الاجتماعي.”
كما أكدت الوزارة على “ضرورة الاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة، لما لذلك من أهمية في الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي.”
الحكومة الانتقالية تسير على نهج النظام السابق بتجاهل دور الإعلام وترك الأمر للناشطين والمؤثرين المنحازين
ونوهت بأن “وسائل الإعلام العربية والغربية تتحرى التعامل بدقة ومصداقية مع الأحداث الجارية وعدم الوقوع في فخاخ الشائعات التي يتم ضخها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متصاعد وممنهج.”
غير أن وزارة الإعلام لم تقدم خطة أو منهجا للتعامل مع هذه الشائعات كما لم يتم البدء ببث التلفزيون السوري والقنوات التابعة له، ما صعّب مهمة البحث والتقصي وجعل بيانها فاقد الفاعلية بعدم وجود ما تستند عليه أو مصادر موثوقة يمكن للمواطن الاعتماد عليها.
وسارت الحكومة الانتقالية على نهج النظام السابق من حيث تجاهل دور الإعلام وترك الأمر للناشطين والمؤثرين المنحازين.
وساهمت الأحداث الأخيرة داخل البلاد في رفع منسوب التجييش الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، ففي تصعيد غير مسبوق نفذت فلول النظام السابق في 6 مارس الحالي هجوما هو الأكبر من نوعه منذ سقوط نظام الأسد، مستهدفة دوريات ونقاطا أمنية في منطقة الساحل السوري ما أدى إلى سقوط قتلى.
وإثر ذلك استقدم الجيش السوري تعزيزات كبيرة إلى اللاذقية وطرطوس وأطلق عملية عسكرية من أجل القبض على فلول الأسد، فيما انتشرت أخبار ومقاطع مصورة على بعض وسائل الإعلام الدولية ومواقع التواصل الاجتماعي لمجموعات مسلحة تستهدف العديد من المدنيين في المنطقة.
ونشبت معركة افتراضية بالتوازي مع المعارك على الأرض ضمت كما هائلا من الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المضللة والكاذبة، وعلق ناشط:
Omar_Madaniah@
حتى صور شهداء الأمن العام الذين قتلوا على يد فلول الأسد في الساحل، ومن ثم تم حرقهم، سرقتها الصفحات المضللة وجعلت منها صورا لمدنيين سقطوا على يد الأمن العام!
ومع احتدام الجدال على مواقع التواصل الاجتماعي حول التطورات في سوريا دخل ناشطون عرب في الجدال، واعتبر سعوديون أنه بغياب الإعلام السوري الفعال تقع على عاتقهم مهمة المشاركة في الدفاع عن أحد الأطراف. وجاء في تعليق:
Columbuos@
يا سعوديين هذا ملعبكم…
اطحنوا “الفلول والذيول” في منصة إكس.
وكتب مغرد:
dr_khalidalsaud@
الشقيقة #سوريا بخير وأمن وأمان ولله الحمد والمنة، وما يُطرح بخلاف ذلك في بعض المنصات الإخبارية المشبوهة مُجرد “أمان خبيثة ” مصدرها فلول النظام البعثي البائد ومؤيده.
وقد ظهر الفراغ الإعلامي وتبعاته الكارثية جليا خلال الأيام الماضية؛ فلا توجد وسائل إعلام ولا صحافيون محليون تمكنوا من الوصول إلى المدن والبلدات التي شهدت المجازر، بينما كان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي -اشتهروا خلال سنوات الثورة بتغطية المجازر الوحشية لنظام الأسد وحلفائه- يردّدون رواية واحدة عن فلول النظام، من دون ذكر الجرائم التي ارتكبها مقاتلو الفصائل، ما فتح الباب واسعاً أمام التلاعب بالمحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من خلال استخدام صور قديمة وإعادة نشرها على اعتبارها حديثة، أو بث أخبار عاجلة غير صحيحة، زادت من حدة التجييش الطائفي والرعب بين المدنيين.
أما وكالة الأنباء الرسمية، وهي المؤسسة الإعلامية الحكومية الوحيدة التي واصلت عملها بعد سقوط الأسد، فاكتفت بنقل بيانات التنديد الإقليمية والدولية لهجمات فلول الأسد على الأمن، من دون أخبار ولا توثيق لباقي الجرائم في الساحل.
وصار هناك مصدران وحيدان للأخبار: أولا، الفيديوهات التي صورها المقاتلون الذين ارتكبوا المجازر في الساحل، فانتشرت على تليغرام وواتساب، ومنصات أخرى. وثانيا، شهادات الناجين أو أقارب الضحايا أو المواطنين المحاصرين الذين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لمناشدة العالم التدخّل لحمايتهم من مجزرة محتملة.
وعلى منصتَي فيسبوك وإنستغرام صُور الضحايا مع أسمائهم، والمهن التي كانوا يعملون فيها قبل قتلهم، في محاولة لتأكيد هويتهم المدنية. من هذه المنشورات بدأ توثيق أسماء الضحايا، في ظل غياب أي توثيق رسمي لأسمائهم من السلطات الرسمية.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، شهدت سوريا انتشارًا واسعًا للأخبار الكاذبة والمضللة، ما زاد من حالة الارتباك وعدم الاستقرار في البلاد. واستغلت جهات متعددة هذا الفراغ لنشر معلومات مضللة حول قضايا متنوعة، بهدف تعزيز الانقسامات والتوترات الاجتماعية.
وأدى انهيار المؤسسات الرسمية إلى فراغ إعلامي، وهو ما جعل المواطنين يعتمدون على مصادر غير موثوقة للحصول على المعلومات. بينما سعت بعض الجهات إلى نشر معلومات مضللة لدعم أجنداتها الخاصة وزعزعة الاستقرار في البلاد.
وساهمت الأخبار المضللة في تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية وزيادة التوترات بين مختلف مكونات المجتمع. وأدت الشائعات إلى خلق حالة من الذعر والقلق بين المواطنين حول مستقبل البلاد ومصيرهم.
ويؤكد متابعون أنه في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، يصبح التصدي لظاهرة الأخبار الكاذبة أمرًا بالغ الأهمية لضمان استقرار المجتمع وبناء مستقبل مبني على الحقائق والمعلومات الموثوقة.