وضع قرار الإدارة الأميركية بعدم تجديد الإعفاء المؤقت الممنوح للعراق لشراء الغاز والكهرباء من إيران حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني تحت ضغط مزدوج تفرضه، من جهة، ضرورة التحرّك السريع لإيجاد بدائل قبل حلول فصل الصيف الذي تحوّل قدومه إلى موعد دوري لانطلاق الاحتجاجات الشعبية على تردي الخدمات وفي مقدمها خدمة الكهرباء، ومن جهة مقابلة، حتمية مسايرة الأحزاب والفصائل الحليفة لطهران والحريصة على استدامة نفوذ حليفتها والحفاظ على امتيازاتها ومصالحها في العراق بما في ذلك اتخاذه متنفسا للالتفاف على العقوبات الأميركية والحصول على عملة الدولار الشحيحة لديها بسبب تلك العقوبات.
وتخشى دوائر عراقية من أن يؤدي حرص تلك القوى على الاصطفاف إلى جانب إيران في مواجهتها سياسة الضغوط القصوى التي أعادت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تفعيلها، إلى تعقيد الجهود الحكومية للحصول على بدائل مناسبة للكهرباء والغاز الإيرانيين وبالسرعة المطلوبة، وذلك بالنظر إلى كون القوى ذاتها هي من عطلت على مدى سنوات استخدام العراق لإمكانياته الهائلة في حل مشكلة الكهرباء وفضلت الإبقاء عليه مرتهنا لإيران حفاظا على الفوائد المادية التي يجنيها الإيرانيون من ذلك.
ويبدو الانفتاح على بلدان أخرى في المنطقة غير إيران في مقدّمها بلدان الخليج لتأمين الكهرباء للسكان حلاّ منطقيا لحكومة السوداني، وهو ما يتناقض مع رغبة حلفاء طهران المحليين ومن بينهم من عبّر في كثير من المرات عن رفضه الصريح لتطوير التعاون الاقتصادي بين العراق وتلك البلدان وذلك لأسباب سياسية وأيديولوجية يتم تغليفها عادة بذرائع اقتصادية.
فرهاد علاء الدين: نعمل جاهدين على إيجاد بدائل لمواصلة إمدادات الكهرباء
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن إدارة الرئيس دونالد ترامب أنهت إعفاءات كانت تسمح بموجبها للعراق بشراء الكهرباء من إيران وذلك ضمن حملة أقصى الضغوط على طهران.
وأضاف أن قرار عدم تمديد الإعفاء المنتهية صلاحيته “يضمن عدم السماح لإيران بأي قدر من المتنفس الاقتصادي أو المالي” مشيرا إلى أن حملة ترامب تجاه إيران تهدف إلى “إنهاء تهديدها النووي وتحجيم برنامجها للصواريخ الباليستية ومنعها من دعم الجماعات الإرهابية.”
وأعاد ترامب فرض سياسة أقصى الضغوط على إيران ضمن أول قراراته بعد عودته رئيسا في يناير الماضي. وكان قد انسحب في ولايته الأولى من الاتفاق النووي الإيراني متعدد الأطراف الذي سعى إلى منع تطوير إيران لأسلحة نووية.
وتقول الحكومة الأميركية إنها تسعى إلى عزل إيران عن الاقتصاد العالمي ووقف إيراداتها من صادرات النفط بهدف إبطاء تطوير طهران للسلاح النووي.
ويبدو العراق الذي طور نظامُه القائم بشكل رئيسي على حكم الأحزاب الطائفية علاقات واسعة سياسية واقتصادية ومالية مع إيران مشمولا بتبعات السياسة الأميركية تجاه طهران.
كما يبدو البلد بصدد مواجهة نتائج تلكؤه المطول في معالجة أزمة الكهرباء وهو أمر كان متاحا له بعدّة طرق ووسائل تبدو سهلة لبلد نفطي من حجمه.
وقال ثلاثة مسؤولين في قطاع الطاقة العراقي، الأحد، إن البلاد ليس لديها بدائل فورية لتعويض الطاقة المستوردة من إيران، مشيرين إلى أن النقص سيسبب مشكلة كبيرة في توفير ما يكفي من الكهرباء لتلبية الاستهلاك المحلي، خاصة في فصل الصيف.
وكشف مسؤول كبير في وزارة الكهرباء لوكالة رويترز عن شروع الحكومة في تنفيذ إجراءات عاجلة لتقليل تأثير القرار الأميركي على إمدادات الكهرباء.
وقال مستشار رئيس الوزراء للشؤون الخارجية فرهاد علاء الدين إن إنهاء الإعفاء من العقوبات الأميركية الذي سمح للعراق بشراء الطاقة الإيرانية “يمثل تحديات تشغيلية مؤقتة.”
وتابع قائلا إن “الحكومة تعمل جاهدة على إيجاد بدائل لمواصلة إمدادات الكهرباء والتخفيف من وطأة أي اضطرابات محتملة”.
علي شداد: وزارة النفط بدأت منذ نحو ثلاثين يوما بتنفيذ مشروع أنبوب نقل الغاز من المنصة العائمة في البصرة
وفرضت واشنطن سلسلة من العقوبات على طهران بسبب برنامجها النووي ودعمها لجماعات مسلحة مما حظر عمليا على الدول التي تتعامل مع إيران إجراء معاملات تجارية مع الولايات المتحدة.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جيمس هيويت “أوضح الرئيس ترامب أن النظام الإيراني يجب أن يتخلى عن طموحاته للحصول على سلاح نووي وإلا فسيواجه أقصى قدر من الضغوط.. نأمل أن يضع النظام مصالح شعبه والمنطقة فوق سياساته المزعزعة للاستقرار.”
ومنح ترامب في البداية إعفاءات لعدة مشترين لتلبية احتياجات المستهلكين من الطاقة عندما أعاد فرض العقوبات على صادرات إيران من الطاقة في 2018.
وجددت إدارته وإدارة سلفه جو بايدن إعفاء العراق مرارا مع حث بغداد على تقليل اعتمادها على الكهرباء الإيرانية. وكرر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية التأكيد على تلك الدعوة بالقول “نحث الحكومة العراقية على إنهاء اعتمادها على مصادر الطاقة الإيرانية في أسرع وقت ممكن، فإيران مورد طاقة لا يمكن الاعتماد عليه.” وترغب الإدارة الأميركية الحالية التي أظهرت توجها واضحا نحو تفصيل سياساتها بشكل رئيسي على مقاس مصالح اقتصادية ومالية مباشرة، أيضا في تحصيل فوائد باستخدام ملف الكهرباء وسيلة للضغط على الحكومة العراقية.
وكانت مصادر قد تحدّثت مؤخرا عن اتخاذ واشنطن لمراجعة الإعفاءات وسيلة للضغط على بغداد من أجل السماح باستئناف تصدير النفط من إقليم كردستان العراق عبر تركيا وذلك بهدف تعزيز الإمدادات في السوق العالمية والحفاظ على استقرار الأسعار مما يمنح واشنطن مجالا أوسع لمواصلة جهودها في تقييد صادرات النفط الإيرانية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إنّ “التحول في مجال الطاقة في العراق يوفر فرصا لشركات أميركية هي الأكثر خبرة في العالم في تعزيز كفاءة محطات الكهرباء وتحسين الشبكات وتطوير الربط الكهربائي مع شركاء يعتمد عليهم.”
وفور الإعلان عن القرار الأميركي بإنهاء الإعفاءات انطلق الحديث في العراق عن البدائل الكفيلة بتفادي أزمة طاقة ستكون لها تداعيات اقتصادية وأيضا سياسية واجتماعية.
وقال المتحدث باسم لجنة النفط والغاز النيابية علي شداد إن وزارة النفط بدأت منذ نحو ثلاثين يوما بتنفيذ مشروع أنبوب نقل الغاز من المنصة العائمة في البصرة.
وأشار في تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية أنّ إنجاز المشروع سيسهم في نقل الغاز الخليجي بكميات تصل إلى مئتي مليون قدم معكب قياسي، موضّحا أن “مشكلة وزارة الكهرباء هي إنشاء محطات في المحافظات العراقية تعتمد على الغاز فقط.”
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي من جهته إنّ حكومة السوداني وضعت عدة سيناريوهات لمواجهة أي تطورات تتعلق بالموضوع، معلنا عن قرب حل مشكلة استيراد الغاز التركمانستاني الذي يتوقّع وصوله إلى محطات إنتاج الطاقة العراقية خلال الشهرين المقبلين عبر الأراضي الإيرانية.
وفي حال لم تنجح هذه الخطوة فإن العراق، بحسب العوادي، لديه خيار آخر هو استخدام منصات الغاز وهي عبارة عن سفن عائمة يتم ربطها بأنبوب خاص متصل بالمحطات الكهربائية في البصرة.
ترامب أعاد فرض سياسة أقصى الضغوط على إيران ضمن أول قراراته بعد عودته رئيسا
لكن هذه التصريحات المتفائلة والمقللة من حجم المشكلة لا تحجب حقيقة وجود تعقيدات بدأت سريعا بإلقاء ظلالها على الوضع السياسي شديد الحساسية في مرحلة مسير البلاد نحو انتخابات برلمانية مقررة للربع الأخير من العام الجاري وهي مرحلة تتسم عادة بكثرة التوترات السياسية والمزايدات الحزبية كجزء من التنافس الشرس بين أبرز القوى على تجديد سلطتها ونفوذها في الدولة والحفاظ على مواقعها وامتيازاتها.
وتمنح أزمة الطاقة بعض القوى والأحزاب فرصة المزايدة على الحكومة ورئيسها ووزرائها المنتمين لأحزاب أخرى منافسة. وغير بعيد عن هذا السياق كشف عضو لجنة الكهرباء والطاقة البرلمانية كامل عنيد، الأحد، عن حراك لاستجواب وزير الكهرباء بسبب الإخفاق في حل أزمة الطاقة.
وقال عنيد إن “وزارة الكهرباء أخفقت بشكل كبير في حل أزمة الطاقة رغم صرف الأموال الطائلة عليها من عقود واتفاقات وغيرها، ومازالت الأموال تصرف بلا أي حل للأزمة وهذا ما يدعو الى مراجعة كل العقود والاتفاقات المبرمة.”
وأضاف متحدثا لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أن “هناك حراكا نيابيا من قبل نواب من مختلف الكتل والأحزاب من أجل استجواب وزير الكهرباء بسبب استمرار الإخفاق في حل أزمة الطاقة خاصة ونحن مقبلين على فصل الصيف ولغاية الآن الوزارة بلا خطط حقيقية ولم تنفذ شيئا واقعيا من المنهاج الحكومي.”