عربي ودولي

واشنطن بوست تكشف دور شركة أسلحة تركية في تأجيج حرب السودان
واشنطن بوست تكشف دور شركة أسلحة تركية في تأجيج حرب السودان
 كشفت مجموعة من الوثائق والاتصالات، نشرتها جريدة "واشنطن بوست" الأميركية، دور شركة تركية في تهريب الأسلحة سرا إلى الجيش السوداني، وهي نفسها الشركة التي قلبت موازين الحرب في طرابلس قبل سنوات عبر طائرات دون طيار.

وحسب عقد وشهادة المستخدم النهائي اللذين نشرتهما "واشنطن بوست"، أرسلت شركة "بايكار"، المملوكة جزئيا لصهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أسلحة بقيمة 120 مليون دولار على الأقل إلى الجيش السوداني العام الماضي، بما في ذلك ثماني طائرات مسيّرة من طراز "تي بي2"، ومئات من الرؤوس الحربية.

وتم تسليم الشحنات في سبتمبر الماضي، بمشاركة فريق من الشركة لضمان سير الصفقة بسلاسة.

وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إنها حصلت على مجموعة من الرسائل النصية، وتسجيلات الهاتف، والصور، ومقاطع فيديو، ووثائق، وسجلات مالية، توثق تفاصيل عمليات تسليم الأسلحة إلى السودان، التي تم التحقق منها جزئيا عبر بيانات الهاتف وصور الأقمار الصناعية.

وتظهر هذه الأدلة دور "بايكار" في النزاع المسلح المستمر منذ 22 شهرا الذي صنفته الأمم المتحدة كأسوأ كارثة إنسانية في العالم.

وتعد بايكار المزود الرئيسي للطائرات بدون طيار للجيش التركي والمصدر الدفاعي الرائد في البلاد. ويمكن لطراز "بي تي2" المتطور أن يحمل أكثر من 300 رطل من المتفجرات وهو مبني بالعديد من المكونات المصنوعة في الولايات المتحدة.

ولم تستجب شركة بايكار، إلى جانب الجيش السوداني والحكومة السودانية، لطلبات الصحيفة التعليق.

وتشير الأدلة إلى أن شحنات "بايكار" قد تشكل انتهاكا لعدة عقوبات دولية فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما يسلط الضوء على المخاطر التي تواجهها الشركات التركية في سعيها لتوسيع نفوذها في أفريقيا.

وقال مسؤول من السفارة التركية في واشنطن، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة أمور حساسة، في بيان مكتوب لصحيفة "واشنطن بوست" إن "تركيا، التي شهدت عواقب التدخل الخارجي في السودان، امتنعت منذ بداية الصراع عن تقديم أي دعم عسكري للأطراف".

ومن جانبه، قال ألبر كوسكون، المدير العام السابق للأمن الدولي في وزارة الخارجية التركية والآن زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إنه لا يمكنه التعليق على حالات محددة، لكنه أكد أن تركيا تمتلك نظاماً قوياً وراسخاً لمراجعة مبيعات الأسلحة، تشارك فيه كل من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة.

وأضاف أنه رغم ورود تقارير سابقة تفيد بوجود أسلحة تركية في ساحة المعركة في السودان، فإن التفاصيل المتعلقة بالجهات التي توسطت في الصفقة، وحجم الشحنات، وآلية إيصالها إلى منطقة صراع نشطة بالرغم من العقوبات الدولية، لم تُكشف بهذه الدقة من قبل.

لقد تحول الصراع في السودان بشكل متزايد إلى معركة بالوكالة بين القوى الأجنبية، بما في ذلك روسيا وإيران، ولكن تم تجاهل دور تركيا إلى حد كبير.

وكشف تقرير مرصد النزاع السوداني، في أكتوبر الماضي، أن إيران كانت تزوّد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة سرية.

وتسلط الوثائق الضوء أيضا على الحوافز التي يبدو أن السلطات السودانية تقدمها للشركات الأجنبية مقابل المساعدة العسكرية، ما يوفر لمحة نادرة عن عالم الصفقات الغامض الذي يحيط بفترات النزاعات والحروب.

وأفادت وثائق شركة بايكار أن المسؤولين التنفيذيين في الشركة كشفوا خلال المناقشات التي أعقبت صفقة بيع الطائرات المسيرة، أن قادة الجيش السوداني كانوا يدرسون منح الشركات التركية حقوق الوصول إلى مناجم النحاس والذهب والفضة.

كما تضمنت الوثائق إشارات إلى إمكانية منح تركيا حقوق تطوير ميناء أبوأمامة، وهو ميناء استراتيجي على البحر الأحمر ويعد كذلك محل اهتمام موسكو.

والشهر الماضي، أعلن وزيرا الخارجية الروسي والسوداني التوصل إلى اتفاق يسمح لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، ما يمثل موطئ قدم استراتيجي آخر على البحر الأحمر.

وتشير الوثائق أن شحنات بايكار للجيش السوداني تنتهك عدة جولات من العقوبات الأميركية والأوروبية، مما يوضح المخاطر التي تتعرض لها الشركات التركية في سعيها إلى تعميق نفوذها في جميع أنحاء أفريقيا.

وصوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع في أكتوبر الماضي على تمديد حظر الأسلحة على دارفور، لكنه لم يسع إلى اتخاذ إجراءات ضد أي من القوى الخارجية المتهمة بالانتهاكات.

وتأتي هذه التطورات في وقت حساس بالنسبة إلى أردوغان، الذي كان على خلاف مع الولايات المتحدة خلال عقدين من الزمان في السلطة. وقد عرض مؤخرا استضافة محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا، وسط علاقات متعثرة بين كييف وإدارة الرئيس دونالد ترامب، ويسعى إلى تعميق النفوذ التركي في العراق وسوريا على حساب إيران.

كما عمل أردوغان على توسيع العلاقات العسكرية والدبلوماسية التركية عبر منطقة القرن الأفريقي المتقلبة. وهو مؤيد قوي للحركة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، المتحالفة مع الجيش السوداني وتعارضها الإمارات العربية المتحدة.

وفي مكالمة هاتفية في 13 ديسمبر مع الجنرال عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، عرض أردوغان "التدخل لحل النزاعات بين السودان والإمارات العربية المتحدة"، بحسب بيان رسمي.

ولكن هذا الكنز يظهر أنه في حين كانت أنقرة تضع نفسها علناً كوسيط، كانت شركات الدفاع التركية التي تربطها علاقات بالحكومة تتواصل مع الجانبين.

وذكرت الصحيفة الأميركية أنه بينما كانت شركة بايكار تتفاوض على صفقة الأسلحة مع الجيش السوداني، كانت شركة أسلحة تركية ثانية، أركا للدفاع، على اتصال مكثف بشخصية بارزة من قوات الدعم السريع.

ووفق الصحيفة، فقد ناقش أحد المسؤولين التنفيذيين في أركا مبيعات الأسلحة في مكالمات هاتفية ومراسلات أخرى، مع ألغوني حمدان دقلو موسى، المسؤول عن شراء الأسلحة للقوات شبه العسكرية وشقيق زعيمها.

وقالت المديرة التنفيذية لشركة أركا إن الشركة لم تبع أسلحة لقوات الدعم السريع قط لكنها لم تجب على أسئلة حول اتصالاتها مع موسى. وقال محمد المختار، مستشار قوات الدعم السريع، إنه لا علم له بالمحادثات. وأضاف أن المجموعة لم تتلق أسلحة من تركيا قط، لكنها كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة في أنقرة.

وقد تسببت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو حميدتي في عواقب كارثية على البلاد، مخلفة مقتل ما لا يقل عن 150 ألف شخص، وفرار أكثر من 13 مليون شخص من منازلهم، بينما يحتاج نحو ثلثي سكان السودان، البالغ عددهم 50 مليون نسمة، إلى المساعدات الإنسانية.

وكان تاريخ العقد البالغ 120 مليون دولار بين شركة بايكار ووكالة المشتريات العسكرية السودانية، المعروفة باسم نظام الصناعات الدفاعية في 16 نوفمبر 2023، بعد خمسة أشهر من فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على نظام الصناعات الدفاعية. ولم تتمكن الصحيفة من تأكيد تاريخ التوقيع بشكل مستقل.

وتضمن العقد 600 رأس حربي وست طائرات بدون طيار من طراز "تي بي2" وثلاث محطات تحكم أرضية، ووعد بأن يقوم 48 فردا بتسليم الأسلحة وتقديم "الدعم الفني داخل البلاد". وتُظهر الرسائل أنه تم تسليم طائرتين بدون طيار إضافيتين في أكتوبر، واستمرت شحنات الأسلحة حتى نوفمبر. ووقع العقد ميرغني إدريس سليمان، المدير العام لـ DIS، الذي فرضت عليه واشنطن لاحقًا عقوبات شخصية "لكونه في قلب صفقات الأسلحة التي غذت وحشية الحرب ونطاقها".

ووصلت الذخائر الأولى بالطائرة في أغسطس 2024 إلى بورتسودان، وهي مدينة على البحر الأحمر على الساحل الشرقي للسودان، وفقًا للرسائل بين المسؤولين التنفيذيين في شركة بايكار.

وتُظهر الرسائل أن آخر رحلة وصلت في 15 سبتمبر 2024، استخدمت الصحيفة بيانات الطيران المتاحة للجمهور لتحديد رحلتين من الرحلات المطابقة لتلك الموصوفة في المكالمات، وقد تم توجيه الطائرتين عبر العاصمة المالية باماكو، وكان يقودهما أفيكون زيتوترانس، وهي شركة طيران خاصة تم تصنيفها ضمن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في عام 2023 لكونها جزءًا من "آلة الحرب الروسية".

09 مارس 2025

هاشتاغ

التعليقات