عربي ودولي

كيف تستنزف الطائرات المسيرة الرخيصة الدفاعات الباهظة
كيف تستنزف الطائرات المسيرة الرخيصة الدفاعات الباهظة
انتشرت صور مثيرة لصواريخ تبلغ قيمتها مليون دولار وهي تندفع في الهواء لاعتراض طائرات مسيرة منخفضة التكلفة على شاشات التلفزيون لمدة ثلاثة أعوام، وسط القتال في أوكرانيا وإسرائيل وغزة والبحر الأحمر.

وقال جيمس بلاك، مساعد مدير الدفاع والأمن في مؤسسة “راند أوروبا” البحثية، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، إنه في حين أن عدم تكافؤ التكلفة كان له دائما دور في الحرب التكتيكية، تتم الآن مواجهة عدد أكثر من الأسئلة الإستراتيجية لأن شن هجوم أصبح عملا رخيصا للغاية في حين أن تكلفة الدفاع في مواجهته باهظة.

وقد حققت الدفاعات الجوية والصاروخية الأميركية والأوروبية والإسرائيلية أداء جيدا في هذه الصراعات. ومع ذلك، فإن التطور الفني لهذه الأنظمة الدفاعية يصحبه ثمن باهظ.

والآن، أدى ظهور الطائرات المسيرة التجارية الرخيصة إلى تحول شديد في عدم تكافؤ التكلفة لصالح الهجوم.

وقال بلاك إن التهديدات الجديدة تشمل ما يسمى بأنظمة مسيرات الكاميكازي مثل طراز شاهد الإيرانية، التي يستخدمها الروس والحوثيون على نطاق واسع، وكذلك الطائرات بدون طيار التجارية المعدلة التي يتحكم فيها طيار عن بعد والتي يتم تصنيع الكثير منها في الصين ويمكن لأي شخص أن يشتريها عبر الإنترنت.

ويقول أليسيو باتالانو، أستاذ الحرب والإستراتيجية في “كينغز كوليدج” في لندن، إن “قدرات الاعتراض الجوي الأميركية باهظة الثمن.”

أسلحة الليزر عالية الطاقة والدقة ربما توفر طريقة منخفضة التكلفة لتدمير الأهداف المعادية في مدى رؤية السلاح

وأبرز باتالانو أن “تكلفتها المتوسطة تبلغ نحو مليوني دولار، مما يجعل اعتراض الطائرات من دون طيار غير فعال من حيث التكلفة المادية”، خاصة في حال طول أمد المواجهات.

ومن جهته، يقول زميل أبحاث القوة البحرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن سيدهارث كوشال “لتوفير دفاع جوي واسع النطاق، تعتمد السفن بشكل أساسي على الصواريخ المضادة للطائرات هذا يعني أن عدد الصواريخ الموجود على متن أي مدمرة محدد.”

ويتم استخدام هذه الطائرات المسيرة بأعداد مذهلة من جانب طرفي الحرب في أوكرانيا. وقد تكون هذه الطائرات بدائية، خاصة بالمقارنة مع طائرة مقاتلة تقليدية أو صاروخ دقيق بعيد المدى. ومع ذلك، فإن الكمية لها تأثير كبير.

وقال بلاك إن من خلال استخدام هذه الأسلحة الجديدة، يهدف المهاجمون إلى إرهاق الدفاعات المتطورة. وهم يفعلون ذلك عن طريق تشويش وإرباك صورة أجهزة الاستشعار، واستنزاف المخزونات المحدودة للمدافعين من الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن، وإجبار الأصول ذات القيمة العالية مثل بطاريات الدفاع الجوي على الكشف عن مواقعها من خلال إضاءة الرادارات أو إطلاق النار.

وأشار إلى أن هذا يكشف المدافعين ويعرضهم لهجمات لاحقة أو على الأقل يجبرهم على الانتقال، مما يخلق ثغرات في الدفاعات أثناء التحرك.

واعتبر بلاك أن هذه التهديدات الجديدة تضع أيضا ضغطا هائلا على المالية الحكومية وسلاسل الإمداد الصناعية المسؤولة عن تجديد مخزونات الصواريخ المستنزفة.

وقد كافحت كل من الولايات المتحدة وأوروبا لمدة عامين لزيادة معدلات الإنتاج لأنظمة الدفاع الجوي والصواريخ بعد ثلاثة عقود من انخفاض الاستثمار في قاعدة التصنيع.

وفي يناير 2025، كشفت البحرية الأميركية أنها أطلقت أكثر من 200 صاروخ لصد هجمات الحوثيين على سفن الشحن المدنية في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023، بتكلفة بلغت مئات الملايين من الدولارات.

ويشمل هذا 120 صاروخا من طراز “أس.أم – 2” ويبلغ سعر الصاروخ الواحد منها 2.1 مليون دولار، و80 صاروخا من طراز “أس.أم – 6” ويبلغ سعر كل منها 3.9 مليون دولار، و20 صاروخا من طراز “إيفولفيد سي سبارو” و”أس.أم – 3″ والتي يبلغ سعر كل منها 9.6 مليون دولار و 27.9 مليون دولار على الترتيب، بالإضافة إلى 160 طلقة من مدافع بحرية 5 بوصة.

وتبدو المقارنة ليست بسيطة مثل قياس صاروخ اعتراض بمليون دولار مقابل طائرة بدون طيار بقيمة ألف دولار.

وأشار بلاك إلى أنه عندما تقوم مدمرة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بالتعامل مع طائرة مسيرة أو صاروخ في البحر الأحمر، فإنها تفعل ذلك لمنعها من إصابة هدف عسكري، وبالتالي قتل بحارة وإتلاف معدات تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات، أو إصابة سفينة مدنية غير محمية، مما قد يتسبب في خطر وقوع كارثة بيئية حال حدوث تسرب نفطي.

وقد كلف تعطيل الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر بالفعل الاقتصاد العالمي والأسواق المالية مئات المليارات من الدولارات، ولذلك فإن تقليص هذا التهديد ببعض الصواريخ الاعتراضية يمكن أن يمثل عائدا جيدا على الاستثمار. ولذلك تبحث الجيوش عن طرق لتغيير الحسابات الاقتصادية لتصب في صالح المدافعين.

وتستكشف القوات البحرية الأميركية والبريطانية، على سبيل المثال، إمكانية إعادة تسليح الصواريخ في البحر، وهي محاولة لأول مرة، لتقليل الوقت والمال والوقود المطلوبة للسفن للعودة إلى الميناء بعد إطلاق كل ذخيرتها. كما تتسابق الجيوش لتوسيع نطاق قدرات الحرب الإلكترونية لتشويش وخداع وإرباك الطائرات المسيرة والذخائر القادمة.

وقال بلاك إن الأمر الأكثر طموحا ربما يكون تجربة أسلحة الليزر والميكرويف (الموجات الدقيقة) عالية الطاقة.

وتوفر أنظمة الطاقة الموجهة هذه، والتي كانت في الماضي من الخيال العلمي، احتمال وجود طريقة منخفضة التكلفة لتدمير الأهداف في مدى رؤية السلاح.

وفي أعقاب اختبار تم مؤخرا لنظام الليزر “دراغون فاير”، زعمت وزارة الدفاع البريطانية أنه يكلف 12 دولارا أميركيا فقط لكل طلقة لإسقاط أهداف جوية مثل الطائرات المسيرة وقذائف الهاون، على الرغم من 120 مليون دولار تم إنفاقها على تطوير هذا السلاح.

وبالإضافة إلى الدفاعات النشطة، تعمل الجيوش على تدابير أكثر سلبية للحد من التهديد والتكلفة من الضربات الجوية والصاروخية والطائرات المسيرة.

في يناير 2025 كشفت البحرية الأميركية أنها أطلقت أكثر من 200 صاروخ لصد هجمات الحوثيين على سفن الشحن المدنية في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023

وتشمل الأمثلة على ذلك، توزيع القوات واستخدام التمويه والخداع، والاستثمار في التحصينات أو أنظمة الدعم لتقليل تأثير الهجمات.

وإلى جانب الانتقام العقابي، تهدف هذه التكتيكات إلى ردع وتثبيط المهاجمين وتحويل حساب التكلفة والفائدة لصالح المدافعين.

وأكد بلاك أن في نهاية المطاف، لا يوجد حل سحري. ويجب أن تعمل الولايات المتحدة وأوروبا معا بشكل عاجل على بناء مجموعة أدوات أوسع من الخيارات الدفاعية.

وهذا يشمل دفاعا جويا وصاروخيا متعدد الطبقات ومتكاملا، وهو مزيج يجمع بين الحلول المتقدمة، مثل صواريخ باتريوت مع طرق جديدة بأسعار معقولة بشكل أكبر للتصدي لأسراب المسيرات منخفضة التكلفة.

ويتعين على المدافعين أيضا استكشاف طرق جديدة لفرض التكاليف على الخصوم، سواء من خلال تدابير ردع أو من خلال تقويض سلاسل التوريد والخبرة التي تمكن الجهات الفاعلة من اكتساب قدرات مثل المسيرات الانتحارية.

وفي حين أنه قد يكون من المستحيل وقف انتشار هذه الأنظمة تماما، من الممكن زيادة تكلفة ممارسة هذه الأعمال بالنسبة للدول والجماعات مثل روسيا والصين وإيران أو الحوثيين، وتقليل احتمالات شن هجمات ناجحة، مما يجعلهم يفكرون مرتين قبل إطلاقها.

وهناك ضرورة ملحة لهذه التدابير من أجل مواجهة التهديدات في ساحات القتال في أوروبا والشرق الأوسط اليوم، والاستعداد لصراعات محتملة في المحيط الهادئ (تايوان) قريبا.

واختتم بلاك تحليله بالقول إن الحرب عمل باهظ الثمن والسؤال الحيوي هو من يستطيع ويريد تحمل معظم هذه التكاليف ومن يستطيع أن يجعل الأمر مكلفا للغاية بالنسبة لخصومه مما يحول دون الاستمرار في القتال.

07 مارس 2025

هاشتاغ

التعليقات