المجتمع

مسلسل
مسلسل "أشغال شقة جدا" جرعة كوميدية تتجاوز العنصرية
يحتل المسلسل الكوميدي المصري “أشغال شقة جدا” مقدمة الأعمال الدرامية خلال موسم رمضان، وارتبط به الجمهور بعد أن تربع في الجزء الأول العام الماضي على مقعد أكثر الأعمال مشاهدة عن بثه على منصة “شاهد”، ما يشير إلى أن صُناعه استطاعوا اللعب على وتر البحث عن الدراما الكوميدية الجيدة التي تشكل اختلافا عن غالبية الأعمال المعروضة ويسيطر عليها الجانب الشعبي والاجتماعي والعاطفي.

ورغم أن المسلسل واجه بعض الانتقادات بعد عرض حلقتين من حلقاته التي تمتد حتى منتصف رمضان الحالي، جراء الاستغراق في المواقف الكوميدية وبعض أخطاء الكتابة التي تتعلق بتفاصيل وظيفة بطل العمل هشام ماجد (طبيب في مصلحة الطب الشرعي)، غير أنه تجاوز ذلك الأمر مع قوة الحبكة الدرامية وربطها بالمواقف الكوميدية، بجانب أداء أبطال العمل، وضيوف الحلقات الذين يتم اختيارهم بعناية كي يتحقق التوافق المطلوب مع طبيعة المواقف الكوميدية التي تقنع الجمهور.

شكلت براعة أبطال المسلسل، من الفنانين هشام ماجد ومصطفى غريب وأسماء جلال، في تقديم الكوميديا حائط صد أمام من حاولوا اللعب على وتر التنمر والعنصرية بفعل الاستعانة بالفنانة السودانية إسلام مبارك لأداء دور خادمة منزل وظهرت بشكل المرأة التي تأكل بشراهة شديدة وتمتلك قوة بدنية مفرطة، ما اعتبره البعض يتضمن إساءة.

وعمدت بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تصوير الأمر كما لو أنه يعيد الصورة السلبية للسودانيين في الدراما المصرية، وهو خطاب يلقى رواجا في أوساط البعض من السودانيين الذين تأثروا في السابق باتهامات موجهة للمصريين بأنهم “يتعالون عليهم”، ما أثر على العلاقة معهم في الذهن الجمعي لشريحة من السودانيين.

غير أن إتقان الفنانة إسلام مبارك لدورها والإطار الكوميدي العام الذي يركز على مشكلة الخادمات دفعا إلى مرور هذه الزوبعة دون النفخ فيها لإثارة المزيد من الجدل.

وتدور أحداث العمل حول زوجين يواجهان صعوبات في حياتهما بعد إنجاب أربعة أطفال، ما يدفع الزوجة إلى البحث عن مربية لتتمكن من العودة إلى عملها، وسط مفارقات كوميدية تسلط الضوء على التحديات التي تواجه الأسر المصرية حاليا.

ويشارك في بطولة المسلسل هشام ماجد وأسماء جلال وشيرين وسلوى محمد علي ومصطفى غريب ومحمد محمود ومحمد عبدالعظيم، ويشهد ظهور عدد من الفنانات كضيفات شرف، منهن إسلام مبارك وناهد السباعي ونسرين أمين وآية سماحة ودنيا ماهر وفدوى عابد وانتصار.

ويحاول صناع العمل في الجزء الثاني نسج خيوط جديدة يمكن أن تمنح حيوية لقصة المسلسل، وهو ما يظهر من خلال التركيز على مواقف الخادمات التي تتعلق بتفاصيل ما يدور في عمل هشام ماجد الذي يجسد دور حمدي الطبيب في مصلحة الطب الشرعي، وبناء شخصيات درامية جديدة في سياق عمله دون أن يكون التركيز منصبا في الانتقال من قصة إلى أخرى على نوعية الخادمات ومشكلاتهن فقط.

وكان ذلك مدخلا سريعا للهجوم على العمل، إذ كشف الكاتب والطبيب المصري خالد منتصر عن وجود خطأ فادح بعد أن جرى الخلط بين مهنة الطبيب الشرعي وبين خبراء التزوير في أحد المشاهد التي ركزت على تزييف العملات الأجنبية.

وأوضح منتصر عبر منشور على صفحته بموقع فيسبوك أن هذا استسهال وكسل لا يناسبان عملا فنيا كبيرا، فالطبيب الشرعي هو خريج كلية طب ولا دخل له في عمل خبير أبحاث التزييف والتزوير الذي هو غالبا خريج كلية علوم ولا دخل له في خبير السموم الذي هو خريج كلية علوم أو صيدلة.

لم يقتصر الأمر على ذلك، إذ تسببت المشاهد التي تسلط الضوء على أزمة سيدة متزوجة تدعى سناء جسدتها الفنانة فدوى عابد، في أن يصل المسلسل إلى ساحات المنظمات النسوية والحقوقية، ودارت الحلقة حول لجوء المباحث إلى خبراء الطب الشرعي كي يثبتوا هوية جنين لأبيه مع تعدد علاقات أمه غير الشرعية مع رجال كثر.

وتقدم المحامي أيمن محفوظ ببلاغ إلى المجلس القومي للمرأة في مصر اتهم فيه صناع مسلسل “أشغال شقة جدا” بالإساءة إلى صورة المرأة المصرية والترويج للانحراف الأخلاقي، وأن هذا المشهد يرسخ فكرة أن المرأة قد تفلت من العقاب بسبب ثغرات قانونية، ما يضر بالقيم المجتمعية.

وقالت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله إن الترصد لمسلسل كوميدي يناقش قضية تناولها بشكل سلبي وليس إيجابيا أمر لا يجب التوقف عنده، ويبرهن على أن من يقدم هذه الشكاوى هدفه الشهرة واستغلال زيادة معدلات المشاهدة، وأن العمل نجح في أن يجذب قطاعات واسعة من الجمهور وما يقدمه يتماشى مع ما يدور في إطار أسري ولم يخرج عن النص بشكل مبالغ فيه مثلما يصور البعض.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن صناع المسلسل استطاعوا إحداث قدر مهم من التنوع للخروج من دائرة مشكلات الخادمات، وأن الحلقات انتهت بالقبض على ياسمين زوجة حمدي، وتجسدها الفنانة أسماء جلال، نتيجة تورط الخادمة في تعاطي المخدرات، حيث قدمت صورة للآثار السلبية المترتبة على الأسرة ذاتها في حال وجود خادمة منحرفة.

وأوضحت أن عوامل نجاح المسلسل تتلخص في تقديم كوميديا مقبولة وتتماشى مع المواقف، إلى جانب التسلسل الإيجابي في الأحداث وقدرة صناع العمل على خلق ثيمة فنية جيدة لمواقف كوميدية كثيرة ومختلفة جراء هذه الأحداث.

وأشارت إلى أن الانتقادات الموجهة للعمل بشأن أخطاء الكتابة لا تؤثر على مجمل ما قدمه المؤلف خالد دياب الذي استطاع أن يقدم عملا كوميديا جيدا، حيث لا تتوفر الكوميديا في غالبية المسلسلات المصرية، والدليل على ذلك أن المسلسل لم يحقق فقط انتشارا، وإنما هناك أيضا إعجاب به من شرائح مختلفة من المواطنين بمن فيهم النقاد.

وواجهت الحلقة الخامسة من المسلسل بعض الانتقادات بسبب مشهد الدكتور عصام، الذي يجسد دوره الفنان محمد عبدالعظيم، وهو داخل المرحاض من أجل خضوعه لتحليل المخدرات بناء على طلب من النيابة، وكان المشهد بتفاصيل كاملة لشخص يجلس على المرحاض مع تعبيرات ساخرة من هشام ماجد، ومصطفى غريب الذي يجسد شخصية عربي مساعد الطبيب، وهو فني معمل في الطب الشرعي، ووصف البعض المشهد بـ”المقزز”.

تبقى قدرة صناع العمل على الإعلاء من قيمة الكوميديا في إحدى الوظائف التي ترتبط في أذهان المواطنين بكونها غير محبذة بسبب عمل حمدي في مصلحة الطب الشرعي المهتمة بتشريح الجثث، كأحد عوامل نجاح المسلسل من ناحية الكتابة الجيدة التي وظفت هذه البيئة لإضحاك الجمهور أو من الفنانين الذين قدموا مبارزات كوميدية تماشت مع الموقف ولم تظهر كأنها مقحمة على الأحداث للبحث فقط عن الضحك.

07 مارس 2025

هاشتاغ

التعليقات