ستواجه الحكومة المصرية خيارات صعبة الأيام المقبلة عقب إدراج صندوق النقد الدولي النقاش حول صرف الشريحة الرابعة من قرض وافق عليه لمصر ضمن اجتماع مقرر عقده الاثنين المقبل، بعد إرجاء صرفها أكثر من مرة، ما يشير إلى بطء في تنفيذ اشتراطات يتعلق أغلبها بمرونة سعر الصرف ورفع الدعم عن الخدمات العامة، في وقت تسعى فيه القاهرة لاستمرار الهدوء الداخلي وعدم إثارة غضب الناس.
وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك إن المجلس التنفيذي للصندوق سيناقش المراجعة الرابعة ضمن برنامج تسهيل الصندوق الممدد، فمن المقرر أن تحصل مصر على 1.2 مليار دولار، بجانب طلب الحصول على قرض تسهيل المرونة والاستدامة ويبلغ حوالي 1.3 مليار دولار يتم صرفه على دفعات.
وكان من المفترض صرف الشريحة الرابعة والقرض التكميلي منذ أشهر، لكن بعثة صندوق النقد الدولي لم تصل إلى القاهرة في التوقيت المحدد لها في سبتمبر الماضي، ثم خاضت مفاوضات “شاقة” مع المسؤولين المصريين في نوفمبر الماضي.
رغم الإعلان آنذاك عن قرب صرف الشريحة الرابعة لم يتم تسليمها بعد، وهو ما أثار جدلا حول إمكانية وجود خلافات على تفاصيل تنفيذ البرنامج الذي وافقت عليه الحكومة المصرية وبمقتضاه حصلت على قرض قيمته ثمانية مليارات دولار.
وارتكزت مصر على الظروف الاقتصادية الطارئة التي تعرضت لها جراء فقدان جزء كبير من عائد قناة السويس الدولاري واستمرار التوترات في المنطقة، وطالبت بإرجاء بعض الخطوات المرتبطة برفع الدعم عن الوقود والكهرباء وبعض الخدمات وتأجيل تخارج الحكومة من بعض المشروعات الاقتصادية.
وأرادت الحكومة عدم استفزاز المواطنين في مرحلة تحتاج فيها إلى توافق يساعدها على الصمود في وجه ضغوط بشأن عملية توطين فلسطينيين في مصر، وهو ما لاقى ترحيبا شعبيا قرّبها من فئات كانت قد فقدت الثقة بها.
وتجد الحكومة نفسها في وضع حرج؛ فهي بين التضحية بالالتفاف الشعبي الراهن نتيجة القرارات الصعبة المصاحبة لصرف شرائح قروض من صندوق النقد لها تبعات سلبية، من جهة، والاستجابة لاشتراطات الصندوق التي هي أمر ملح في وقت تبحث فيه القاهرة عن ثقة المؤسسات الدولية لجذب المزيد من الاستثمارات ودوران عجلة الاقتصاد، من جهة أخرى.
وينظر إلى الحزمة الاجتماعية الأخيرة التي أقرتها الحكومة لدعم الفئات المتضررة من ارتفاع الأسعار بقيمة 200 مليار جنيه (الدولار = 51 جنيها) في العام المالي، الذي سيبدأ من أول يوليو المقبل، على أنها تمهد لإجراءات صعبة، قياسا بإجراءات سابقة جاءت مقدمة لزيادات في أسعار الوقود والخدمات العامة.
وقال أستاذ العلوم السياسية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حسن سلامة إن التكهن بتوجهات الحكومة صعب، لأن التطورات الإقليمية والوضع الاقتصادي الداخلي يلعبان دورا مهما فيها، لكن من المؤكد أنه حال اتخاذ إجراءات تتماشى مع مطالب صندوق النقد ستكون هناك خطوات في حدها الأدنى، لعدم التضحية بحالة الالتفاف التي تعد من أهم منطلقات فكرة رشادة الدولة والحفاظ على الهدوء مع تكثيف جهود الحكومة لتوفير السلع بأسعار مناسبة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مواقف المواطنين التي دعمت الحكومة في مواجهة التحديات الخارجية جعلتها تقتنع بأن حمايتها تأتي من المواطنين والتعويل على صبرهم في مواجهة ظروف اقتصادية صعبة، خاصة أن هناك خطرا وجوديا يتمثل في حماية الأمن القومي المباشر.
وذكر أن الحكومة تقلق من نفاد صبر المواطنين وتدرك أن هناك من يريد إشعال أزمات داخلية تقوض تحركاتها، ولذلك بدت أقل استجابة لشروط الصندوق خلال الفترة الماضية عندما أقدمت على تجميد رفع أسعار المحروقات إلى النصف الثاني من العام الجاري، وتسعى لوضع خطط اقتصادية بديلة، اعتمادا على مواردها الذاتية.
وما يجعل موقف الحكومة أكثر صعوبة أنها أمام حدث سياسي مهم هذا العام يتعلق بانتخابات البرلمان الذي تثار بسببه اتهامات جراء تركيبته الحالية، وحال جرت بالطريقة نفسها التي تمت بها الانتخابات السابقة فسيكون ذلك محل انتقادات شعبية، مع اقتناع بأنه لا يعبر عن توجهات عموم الناس.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان هناك تغيير ملموس يمكن أن ينتج عن انتخاب مجلس نواب أكثر تنوعا يساعد على التنفيس السياسي ويقف في مواجهة قرارات حكومية تستنزف طاقة المواطنين، أم ينتخب المجلس بطريقة عقيمة.
ويؤكد متابعون أن حالة الالتفاف الحالية أوجدتها ظروف لا بد من استثمارها، لأنها خففت حدة الضغوط الداخلية عن الحكومة وقلصت معدل التوتر الذي ينتاب المواطنين نتيجة فقدان الثقة بالكثير من القرارات الحكومية.
ويعزز صرف الشريحة الرابعة من قرض صندوق النقد قدرة الحكومة على توفير سيولة دولارية مهمة لدعم الاقتصاد المصري، ويسهم في استقرار العملة المحلية، ويوفر مؤشرا على نجاح الإصلاحات الهيكلية التي تتخذها الحكومة من أجل علاج التشوهات، باعتبارها شهادة ثقة بالاقتصاد المصري، بحاجة إلى المزيد من الإجراءات الصعبة من وجهة نظر المواطنين لاستمرار برنامج الإصلاح.
وأوضح الخبير الاقتصادي علي الإدريسي أن صندوق النقد حدد أكثر من موعد لصرف الشريحة الرابعة من القرض من دون تنفيذ، وأن الاجتماع المقبل سيثير النقاش حول مدى التزام مصر ببرنامج الإصلاح الذي وضعه، وثمة تحفظات على إجراءات، من بينها زيادة معدلات طبع النقود وتأثيرها السلبي على التضخم، واستمرار رفع أسعار الفائدة وتأثيره على الموازنة العامة والسياسات النقدية.
وأكد الإدريسي لـ”العرب” وجود تحفظات على سعر الصرف ومرونته، واستمرار تراجع التصنيف الائتماني لمصر، وإن كان ذلك حقق حالة من الثبات مؤخرا، لكنها أقل مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات.
وترغب القاهرة في تسهيل صرف الشريحة الرابعة والموافقة على قرض صندوق التنمية والاستدامة، فأي تأخر لا يخدم الاقتصاد، وهناك مستثمرون ينتظرون نتائج نقاشات صندوق النقد لتقييم العلاقة، ما يجعل الحكومة مرغمة على تبني إجراءات صعبة، من بينها زيادة أسعار الطاقة ومرونة أكبر في سعر الصرف، ويواجه مسؤولو الملف الاقتصادي بمصر ضغوطا جمة وعليهم ضمان السير في طريق الإصلاح المدعوم من قبل صندوق النقد.