أكد الرئيس التونسي قيس سعيد على ضرورة تبسيط الخدمات الإدارية وتسهيلها، في خطوة يرى مراقبون أنها تهدف إلى تجاوز الإجراءات البيروقراطية البطيئة والمعقّدة والمساهمة في تعطيل شؤون المواطنين وزيادة تشكياتهم.
وتقول أوساط شعبية وسياسية إن الجهاز الإداري المتضخّم والتقليدي لم يطوّر نفسه وظلّ حبيس عمليات إدارية كلاسيكية، وهو ما حال دون اختزال بعض الخدمات أو تقديمها عن بعد للمواطن عبر استغلال وسائل الاتصال الحديثة.
وتضيف تلك الأوساط، أنه في ظلّ تحقيق مطلب رقمنة الإدارة الذي يبدو صعب المنال بالنظر إلى واقع الإدارة التونسية في الوقت الراهن، يمكن الاشتغال على تطوير مردود الموظفين الإداريين وأدائهم داخل المؤسسات، عبر تقليص الغيابات غير المبررة أحيانا والالتزام بالوقت وتحسين طرق التواصل مع المواطن.
وأكد الرئيس التونسي، خلال لقاء جمعه مساء الأربعاء برئيس الحكومة كمال المدوري، على ضرورة تبسيط الخدمات الإدارية وتيسيرها لخدمة المواطن، مشيرا إلى أنه يجب تحميل المسؤولية كاملة لمن يخل بها إما استخفافا واستهتارا وإما في أكثر الأحيان قصدا ومع سابق الإضمار.
وأضاف قيس سعيّد أن تونس تعج بالكفاءات وهناك داخل الإدارة من لم يلق حظه في حين أنه مثال للبذل والعطاء معتبرا أن المقياس الأساسي للاختيار يجب أن يكون بناء على الشعور المفعم بالمسؤولية الوطنية.
وقال، وفق البلاغ، إن الكثير ممن غُبطوا حقهم قادرون على تعويض من أخلّوا بواجباتهم والكثير من أصحاب الشهائد العليا قادرون بدورهم على تحمل المسؤولية والمساهمة في معركة التحرير الوطني.
وشهدت الإدارة التونسية في السنوات الأخيرة، حسب متابعين للشأن المحلي، تراجعا ملحوظا في مستوى جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، فضلا عن كونها مثلت مجالا للتعيينات بالولاءات الحزبية، فأهملت المشاغل الأساسية وفشلت في كسب ثقة المواطن.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “من العناصر الأساسية لتحسين الاستثمار واختزال الزمن الهامشي هو تجويد الخدمات الإدارية للمواطن والمستثمر، وهناك العديد من الإجراءات التي يمكن أن تختزل أو تنجز عن بعد، عن طريق الفضاء الافتراضي، وهذا لم يحصل لأن لدينا جهازا إداريا متضخمّا.”
وأضاف لـ”العرب”، “هناك سوء إدارة وسوء تصرّف في العمليات داخل الفضاء الإداري، ونحتاج إلى نقلة نوعية ملموسة في هذا الإطار، كما أن هناك تقاعسا وغيابات في بعض المؤسسات.”
وتابع ثابت “هناك فراغات في مسألة إرشاد المواطن وتوضيح المطلوب، كما يوجد فائض بيروقراطي يحتاج إلى الرسكلة.”
ويقول مراقبون إن الإدارة التونسية في حاجة إلى المراجعة من حيث التركيبة والتعيينات والتعويل على الكفاءات الموجودة في البلاد، علاوة على تسهيل الإجراءات البيروقراطية أمام المشاريع التنموية في الجهات والأقاليم.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي “هذا إرث من الاستعمار الفرنسي، وهناك بعض التوجهات المنادية برقمنة الإدارة التونسية، ومن سلبيات العمل الإداري أنك عندما تذهب لاستخراج وثيقة يتم التلكّؤ والبطء في العملية.”
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “ليس لدينا خيار آخر إلا تيسير الخدمات ورقمنة الإدارة وتحفيز الناس على الانخراط في ذلك.”
بدوره، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان أنه “ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس سعيد عن سوء الخدمات الإدارية ومحاولة تطويرها، وعلى الحكومة أن تسعى لتجاوز هذا الإرث الفرنسي السيء.”
وأوضح لـ”العرب”، “من غير المقبول أن الإدارة ما زالت تثقل كاهل المواطن بالوثائق، ويجب إنهاء هذه الظاهرة، كما أنه لا داعي أن ينتقل المواطن لاستخراج وثيقة.”
وشهدت تونس بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي حالة استقطاب وتجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين والعلمانيين لم تقتصر على الخيارات الكبرى التي تم انتهاجها، بل طالت أيضا التعيينات في الإدارة التونسية التي يرى البعض أنها تخضع للمحاصصة الحزبية.
وأثار تزوير الشهادات العلمية والتعيينات المشبوهة في عدد من القطاعات، في ظل ارتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، جدلا واسعا في الفترة الأخيرة، وسط دعوات إلى التدقيق في الشهادات العلمية في مختلف الوزارات والمؤسسات العمومية.
وأحالت وزارة الشؤون الاجتماعية أكثر من 200 ملف على القطب القضائي المالي بخصوص تزوير شهادات علمية وتعيينات مشبوهة، وذلك بعد تحقيقات إدارية.