دعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زعماء دول الخليج ومصر والأردن إلى قمة في الرياض، الجمعة، يُتوقع أن تناقش خطة لإعمار غزة، فيما يتساءل مراقبون عن مشروع إعادة الإعمار الذي ستتبناه الخطة العربية لمواجهة خطة تهجير سكان قطاع غزة التي يطرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هل هو مشروع إعادة إعمار نهائي مسنود بمقاربة سياسية واضحة أم تقاسم غنيمة عن حرب مأساوية عاشها سكان غزة لعام وثلاثة أشهر.
ويفترض أن قمة الرياض، وهي التي ستضع محددات لقمة القاهرة الموسعة والمقررة للرابع من مارس، لن تكون معنية فقط بضبط قائمة المانحين أو المشاركين المباشرين في إعادة الإعمار، وإنما ضبط رؤية سياسية لموضوع إعادة الإعمار، وأن يعلنوا بشكل واضح عن مقاربتهم للوضع المستقبلي في غزة، وهل سيرضون باستمرار حكم حركة حماس، وإعادة إنتاج نفس الأزمة، أم أنهم سيضعون موجهات تحدد أفق حل دائم لا تتكرر معه مغامرات الحرب أو ظهور سنوار جديد بمزاج بطولة شخصية أو أجندة حزبية تعيد الغزيين إلى المربع الأول، مربع الدمار.
لكن من المهم الإشارة إلى أن السعوديين لا يرفعون سقف انتظارهم من القمة، حيث يصفها الإعلام السعودي بأنها مجرد “لقاء في سياق اللقاءات الودية الخاصة” للزعماء الخليجيين والعرب، أي أنها لقاء استشاري غير ملزم لمن يشارك فيها ربما بما في ذلك البلد المستضيف، أي المملكة.
◙ القمة يفترض أن تحسم سريعا موضوع المساهمات المالية في إعادة الإعمار، وبالتأكيد فإن كل دولة قد حددت سلفا القدر الذي ستضخه
وكان مقررا أن يعقد قادة السعودية ومصر والإمارات وقطر والأردن القمة في الرياض الخميس، لكنها أرجئت ليوم واحد، وتوسّعت لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى جانب مصر والأردن والسلطة الفلسطينية. وقال المصدر المقرّب من الحكومة السعودية إنه ستكون على الطاولة “نسخة من الخطة المصرية”.
ويرى مراقبون أن القمة يفترض أن تحسم سريعا موضوع المساهمات المالية في إعادة الإعمار، وبالتأكيد فإن كل دولة قد حددت سلفا القدر الذي ستضخه. كما يتم تحديد مكاسب الدول المتداخلة في الملف الفلسطيني والمرشحة لأن تكون شريكا مباشرا في إعادة الإعمار مثل مصر أو تركيا، وهذه مهمة اللجان والمشاورات الأولية قبل انعقاد القمة، وإلا فإن قمة الرياض كما قمة القاهرة ستدوران في حلقة مفرغة من المزايدات والوعود والاشتراطات والشد والجذب بشأن من يظهر في الصورة كداعم رئيسي وقائد للمرحلة الجديدة، وهل الخطة مصرية بالأساس أم سعودية – مصرية، أم مصرية – خليجية أم عربية.
وقد يقود الشد والجذب إلى إعادة مناخ القمم العربية السابقة ويحول قمة إعادة الإعمار إلى قمة استثمار سياسي في محنة الفلسطينيين أو إلى مساعي تقاسم غنيمة عن حرب مأساوية بدل تطويق مخلفاتها سريعا. وتشكّل إعادة الإعمار وتمويلها مسألة حساسة في القمة، خصوصا مع استخدام ترامب حجة صعوبة إعمار قطاع غزة بسبب الدمار الهائل، كمبرّر لإبعاد سكانه حتى إعادة تأهيله.
وإذا كان ملف التمويل مهمّا وضروريا بالنسبة إلى الأطراف المشاركة في قمة الرياض، فإن عامل الوقت مهمّ لحسم الخلافات بشأن تفاصيلها والالتفاف إلى المسألة السياسية التي تتعلق بمستقبل غزة. وإذا كانت الخطة المصرية تفترض أن حماس ستكون خارج اللعبة، فهل أعلم المصريون الحركة بهذا الخيار أم هي مجرد تلميحات، مع مراعاة أن الأمر لا يحتاج إلى المجاملة أو التعويم لأن حماس ممكن أن تواجه الخطة بالسلاح ويتحول الصراع من حماس – إسرائيل إلى حماس – مصر، ثم ما الموقف من السلطة الفلسطينية، هل يمكن أن يتم تأهيلها بصورتها الحالية من باب النفوذ المصري عليها، أم سيتم البحث عن إصلاحها بالتوازي مع تنفيذ تفاصيل الخطة في جانبها الميداني الذي يهم الناس في القطاع.
ورغم أهمية القمة التي أفرزت إجماعا عربيا نادرا على رفض تهجير الفلسطينيين، قد تشوبها خلافات حيال من سيحكم غزة بعد الحرب ومسألة تمويل إعادة الإعمار في القطاع المدمّر. ويقول الخبير في السياسة الخارجية السعودية بجامعة برمنغهام الإنجليزية عمر كريم “من المؤكد أن هذه القمة العربية سوف تكون الأكثر أهمية في ما يتصل بالعالم العربي الأوسع وقضية فلسطين منذ عقود”.
وأفاد مصدر مقرب من الحكومة السعودية أنّ القادة العرب سيناقشون “خطة إعادة إعمار مضادة لخطة ترامب بشأن غزة”. ويقول كريم “أعتقد أن جميع الأطراف الإقليمية تدرك أن أيّ خطة بديلة يقترحونها لا يمكن أن تشمل حماس بأيّ شكل من الأشكال، لأن وجود حماس سيجعلها غير مقبولة بالنسبة إلى الإدارة الأميركية وإسرائيل”. ويضيف “بعض الأمور داخل القطاع يجب أن تتغير بشكل جوهري حتى تحظى هذه الخطة (المصرية) بفرصة على الأقل”.
وأثار ترامب ذهولا عندما أعلن مقترحا قبل أسبوعين يقضي بسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإعادة بناء المناطق المدمّرة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” بعد ترحيل السكان البالغ عددهم 2.4 مليون إلى مكان آخر، خصوصا مصر والأردن، من دون خطة لإعادتهم.
وتبقى مسألة تمويل خطة بهذا الحجم والمدة المتوقعة لتنفيذها معضلة كبيرة. وقال دبلوماسي عربي مطلع “أكبر تحدّ يواجه الخطة المصرية هو كيفية تمويلها”. وتابع “بعض الدول مثل الكويت ستضخ تمويلا ربما لأسباب إنسانية لكنّ دولا خليجية أخرى ستضع شروطا محددة قبل القيام بأيّ تحويل مالي”.
ويقول عمر كريم “أعتقد أن السعوديين والإماراتيين لن ينفقوا أيّ أموال إذا لم يقدّم القطريون والمصريون ضمانات بشأن حماس”. وتعيد محاولات إجبار الفلسطينيين على الخروج من قطاع غزة إليهم ذكريات “النكبة” لدى تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948.
وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قال الثلاثاء الماضي لصحافيين في واشنطن إنّ مصر ستقدّم ردّا على خطة ترامب، مشيرا إلى أنّ الدول العربية ستناقشه بعد ذلك في محادثات في الرياض. وأفاد تقرير للأمم المتحدة الثلاثاء بأن إعادة إعمار غزة تتطلب أكثر من 53 مليار دولار، بينها أكثر من 20 مليارا خلال الأعوام الثلاثة الأولى.