عشية انتهاء المهلة المحددة لانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، أكدت الدولة العبرية، أن قواتها ستبقى في خمس «نقاط استراتيجية» في الجنوب.
وكان الرئيس اللبناني جوزيف عون، أبدى في وقت سابق، الإثنين، تخوفه من عدم تحقيق الانسحاب الكامل غدا الثلاثاء، قائلا: «سيكون الردّ اللبناني من خلال موقف وطنيّ موحّد وجامع».
وبعد سويعات من تصريحاته، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن الجيش سيترك أعدادا صغيرة من القوات في خمسة مواقع استراتيجية في جنوب لبنان، بعد حلول موعد الانسحاب في 18 فبراير/شباط.
وقال اللفتنانت كولونيل نداف شوشاني للصحفيين في مؤتمر صحفي: «نحن بحاجة إلى البقاء في تلك النقاط في الوقت الحالي للدفاع عن الإسرائيليين، والتأكد من اكتمال العملية وتسليمها (النقاط) في نهاية المطاف إلى القوات المسلحة اللبنانية»، مشيرًا إلى أن تمديد التنفيذ يتماشى مع آلية وقف إطلاق النار.
وفي إطار ضرباتها المستمرة على لبنان، أعلنت إسرائيل الإثنين استهدافها قياديا من حركة حماس الفلسطينية بضربة جوية شنّتها على مدينة صيدا الساحلية في جنوب لبنان.
قوات الجيش الإسرائيلي تقوم بدورية في قرية كفرشوبا في جنوب لبنان
وفي الأيام الأخيرة، كرر مسؤولون لبنانيون رفض أي تمديد إضافي لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أبرم بوساطة أمريكية ورعاية فرنسية، وبدأ تطبيقه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وكان يُفترض أن تنسحب بموجبه القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في غضون ستين يوما، قبل تمديده حتى 18 فبراير/شباط الجاري. إلا أن لبنان تبلّغ الأسبوع الماضي من الوسيط الأمريكي عزم إسرائيل البقاء في خمس نقاط.
لبنان يتحرك دبلوماسيا
وقال عون، خلال لقاءاته الإثنين، وفق ما أوردت الرئاسة في بيانات عدة، إن «الجيش جاهز للتمركز في القرى والبلدات التي سينسحب منها الإسرائيليون، وهو مسؤول عن حماية الحدود وجاهز لهذه المهمة»، موضحا: «إذا قصّر فحاسبونا».
وينشط لبنان، وفق عون، «دبلوماسيا لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل»، مضيفا: «لن أقبل بأن يبقى إسرائيلي واحد على الأراضي اللبنانية».
ودعا الرئيس اللبناني «الدول التي ساعدت في التوصل إلى الاتفاق لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.. إلى أن تضغط على إسرائيل للانسحاب وتنفيذ الاتفاق».
وحمّل الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الأحد الدولة اللبنانية مسؤولية العمل على تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية بحلول 18 فبراير/شباط.
وجاءت المواقف اللبنانية غداة اعتبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه «يجب نزع سلاح حزب الله، وإسرائيل تفضل أن يقوم الجيش اللبناني بهذه المهمة».
وأضاف خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأحد: «لكن يجب ألا يشكك أحد في أن إسرائيل ستقوم بما يلزم لتطبيق التفاهمات بشأن وقف إطلاق النار والدفاع عن أمننا».
وردا على ذلك، قال عون إن «المهم هو تحقيق الانسحاب الإسرائيلي، أما سلاح حزب الله فيأتي ضمن حلول يتفق عليها اللبنانيون».
تصعيد عسكري
ونصّ وقف إطلاق النار على وقف تبادل القصف عبر الحدود اللبنانية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، بعد حرب امتدت نحو عام وتخللها توغّل برّي إسرائيلي في مناطق لبنانية حدودية.
ولم ينشر النص الحرفي الرسمي للاتفاق، لكن التصريحات الصادرة عن السياسيين اللبنانيين والموفدين الأمريكيين والفرنسيين تحدثت عن خطوطه العريضة.
ونصّ الاتفاق على تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة في الجنوب (اليونيفيل)، وعلى انسحاب حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني وتفكيك بناه العسكرية، على أن يتولى الجيش اللبناني ذلك.
وخلال الأسابيع الماضية، تبادل الجانبان الاتهامات بخرق الاتفاق. وأكدت إسرائيل أنها لن تسمح للحزب بإعادة بناء قدراته أو نقل أسلحة.
ضوء أخضر أمريكي؟
وأعرب الأستاذ في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة «سيانس بو» في باريس كريم بيطار عن اعتقاده بوجود موافقة أمريكية ضمنية إن لم يكن صريحة لتمديد فترة الانسحاب.
وأضاف أن «السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن تحافظ إسرائيل على السيطرة على خمس تلال تشرف بشكل أساسي على معظم قرى جنوب لبنان».
وانسحبت القوات الإسرائيلية من غالبية قرى القطاعين الغربي والأوسط في جنوب لبنان، لكنها لا تزال تتمركز في بعض قرى القطاع الشرقي حيث تنفّذ بشكل شبه يومي عمليات تفجير واسعة النطاق، بالإضافة إلى تنفيذها عددا من الغارات الجوية والاستهدافات، ما تسبّب بسقوط قتلى.
وأدت ضربة إسرائيلية على مدينة صيدا في جنوب لبنان الإثنين إلى مقتل مسؤول عسكري في حركة حماس.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الغارة «قضت على الإرهابي محمّد شاهين الذي شغل منصب قائد مديرية العمليات لحماس في لبنان، بعدما عمل في الفترة الأخيرة على الترويج لمخططات إرهابية بتوجيه وتمويل إيراني انطلاقا من الاراضي اللبنانية».
واستهدفت إسرائيل مرارا عددا من قادة حماس، أبرزهم نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري مع ستة من رفاقه بضربات استهدفت مكان اجتماعهم في ضاحية بيروت الجنوبية في يناير/كانون الثاني 2024.
دمار ونزوح
واستنزفت المواجهة المفتوحة بين حزب الله وإسرائيل الحزب، الذي كان يعد القوة العسكرية والسياسية الأبرز في لبنان، بعدما قضت على جزء من ترسانته العسكرية وعدد من قادته أبرزهم أمينه العام السابق حسن نصرالله الذي يُشيّع الأحد في ضاحية بيروت الجنوبية.
ودمّرت الغارات الإسرائيلية مناطق في جنوب لبنان وشرقه وفي ضاحية بيروت الجنوبية. وتقول السلطات اللبنانية إن كلفة إعادة الإعمار بشكل اولي تراوح بين 10 و11 مليار دولار.
ولا يزال أكثر من مئة ألف لبناني في عداد النازحين من إجمالي أكثر من مليون شخص فروا منها خلال الحرب.
ونبّهت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان الإثنين إلى أن تدمير البنية التحتية يحول دون عودة عشرات آلاف إلى منازلهم.
وقال الباحث لدى المنظمة رمزي قيس: «تعمّد إسرائيل هدم منازل المدنيين والبنية التحتية المدنية واستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة يجعل من المستحيل على العديد من السكان العودة إلى قراهم ومنازلهم».
وتابع: «حتى لو كانت منازلهم لا تزال موجودة، كيف سيعودون مع انعدام المياه والكهرباء والاتصالات والبنية التحتية الصحية؟».