تسعى سلطات طرابلس للتنسيق في ما بينها لمواجهة أي تحولات دولية في التعامل مع الملف الليبي لاسيما في ظل تعيين رئيسة جديدة للبعثة الأممية والاستعداد للإعلان عن تركيبة اللجنة الاستشارية المقترحة من قبل رئيسة البعثة بالوكالة ستيفاني خوري، وكذلك مع انتظار ما يمكن أن يكون عليه موقف الإدارة الأميركية الجديدة من الأزمة الليبية.
وفتح رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها في طرابلس عبدالحميد الدبيبة خط مشاورات وتنسيق مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة في مسعى لتصفير المشاكل.
وأكد المنفي ونائبه عبدالله اللافي والدبيبة على أهمية التنسيق والتعاون بين المؤسسات الحكومية، من أجل مواجهة أي تحديات محلية ودولية من شأنها أن تؤثر على المشهد السياسي في البلاد.
وجاءت المشاورات في سياق التنسيق بين سلطات طرابلس لمواجهة أي تحولات في الموقف الدولي من المشهد الليبي، في ظل مخاوف حقيقية لدى مراكز القرار في غرب ليبيا من تكريس مخطط لتقاسم النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية في البلاد.
وتشير أوساط ليبية مطلعة إلى أن المنفي والدبيبة يخشيان من أن يقر المجتمع الدولي خطة ملزمة لتشكيل سلطات جديدة بهدف تهيئة الظروف الملائمة لتنظيم الانتخابات في ديسمبر القادم، أي بعد أربع سنوات على فشل مشروع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الذي كان مقررا لديسمبر 2021.
الدبيبة نجح في تكريس حالة الانقسام داخل مجلس الدولة بما يقطع الطريق أمام أي توافق عملي بينه وبين مجلس النواب
وبينما أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنها في المراحل النهائية من فرز المرشحين لعضوية اللجنة الاستشارية، وتقدمت بالشكر لكل من تفاعل إيجابا بشأن اللجنة وتطوع لتقديم ترشيحات لعضويتها، كشفت تسريبات أن وليد اللافي، وزير الدولة للاتصال بحكومة الدبيبة، اعترض على ترشيح الدكتور الشيباني أبوهمود، أستاذ القانون الدولي وسفير ليبيا السابق لدى فرنسا، لعضوية اللجنة الاستشارية للأمم المتحدة، وبرر اعتراضه بأن أبوهمود يمثل “عائلة”، في إشارة غير مباشرة إلى دعمه للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وبحسب أوساط محلية، فإن اعتراض اللافي لن يكون الأخير، وإنما هو الاعتراض الأول في سلسلة من الاعتراضات التي سيتم الإعلان عنها لاحقا من مختلف الأطراف، وذلك بسبب رفض الفرقاء الأساسيين الاتجاه نحو خطة عملية لحلحلة الأزمة.
وأفادت هذه الأوساط بأن المنفي والدبيبة كلّفا البعثات الدبلوماسية الليبية في العواصم الإقليمية والدولية المؤثرة بضرورة التركيز على تأجيل أي استحقاق انتخابي إلى ما بعد الاستفتاء على الدستور، وإقناع الأمم المتحدة بعدم المساس من السلطات الحالية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي رغم تجاوزها الأجل القانوني الذي كانت قد تشكلت في إطاره.
ودعت فعاليات ليبية الرئيسة الجديدة للبعثة الأممية إلى ليبيا هانا سيروا تيتيه إلى عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبتها البعثات الأممية المتعاقبة، التي تجاهلت الإنجازات الملموسة في إقرار مشروع الدستور.
مراقبون يرون أن سلطات طرابلس تبدي مخاوف حقيقية من تراجع الدور الأميركي في ظل الإدارة الجديدة
وأضافت الفعاليات أن الجهود المطلوبة لإقرار الدستور تكاد تكون متوفرة، شريطة إصدار قانون الاستفتاء بموافقة مجلس النواب.
واعتبر المرشح الرئاسي سليمان البيوضي أن سلطة الأمر الواقع في طرابلس طرف سياسي لا يمثل الجميع، وتستخدم كل الأوراق السياسية التي تحقق لها غاياتها.
وأضاف أن المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة سلطة غير منتخبة جاءت بتفويض دولي وتمثل أمرا واقعا، ومن الطبيعي أن تحاول الدفاع عن بقائها باختلاق المسارات الموازية، لافتا إلى أن البعثة الأممية تعمل وفقا لقرار من مجلس الأمن يؤكد ضرورة تشكيل سلطة تنفيذية جديدة توحد البلاد وتمضي بها نحو الانتخابات.
وأكد البيوضي أن أي استجابة لمطلب البعثة بإجراء استفتاء شعبي على الدستور، ستخضع لمعايير المجتمع الدولي وقدرته على تنفيذ تفويضاته وقراراته، مؤكدا أن رحيل المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة، وحلول سلطة تنفيذية موحدة مكانهما، أمر مرتبط بمسارات الحوار السياسي.
ونجح الدبيبة في تكريس حالة الانقسام داخل مجلس الدولة بما يقطع الطريق أمام أي توافق عملي بينه وبين مجلس النواب.
واتهم خالد المشري، الذي ينازع محمد تكالة على رئاسة مجلس الدولة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بالتدخل في المجلس والمشاركة في إثارة أزمة.
ويرى مراقبون أن سلطات طرابلس تبدي مخاوف حقيقية من تراجع الدور الأميركي في ظل الإدارة الجديدة، أو من التوصل إلى اتفاق على تقاسم النفوذ بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء القمة المرتقب بينهما والذي قد ينعقد في أبوظبي أو الرياض.
المنفي والدبيبة يخشيان من أن يقر المجتمع الدولي خطة ملزمة لتشكيل سلطات جديدة بهدف تهيئة الظروف الملائمة لتنظيم الانتخابات في ديسمبر القادم
ولذلك تسعى إلى تجاوز خلافاتها مع دول الجوار وخاصة تونس ومع القوى الإقليمية الفاعلة مثل مصر إلى جانب ضمان الغطاء السياسي والدبلوماسي والعسكري التركي.
وذكرت وزارة الخارجية الليبية أنّ جلسة جمعت الاثنين الماضي وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي بوفد حكومي ليبي رفيع المستوى برئاسة الطاهر الباعور، المكلف بتسيير وزارة الخارجية والتعاون الدولي، نوقشت خلالها سبل تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين ليبيا وتونس، مع التركيز على تفعيل الاتفاقيات السابقة، وتبني آليات جديدة لدعم التكامل الاقتصادي، وتسهيل حركة الأفراد والبضائع عبر الحدود.
وأكّد الطرفان على أهمية هذه الزيارة في تحقيق تقدم ملموس في الملفات المشتركة، وضرورة مواصلة التنسيق بشأن القضايا الإقليمية والدولية، لاسيما في إطار جامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الأفريقي، بما يخدم مصالح البلدين الشقيقين ويعزز الاستقرار في المنطقة.
وتناول وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي خلال لقائه الثلاثاء مع نظيره التركي هاكان فيدان في مقر وزارة الخارجية التركية بأنقرة الوضع في ليبيا كأحد أبرز الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.
وتبدي أنقرة تمسكا بحكومة الدبيبة المقربة منها، بينما أكدت القاهرة في مناسبات عدة أن لا حل إلا بتشكيل حكومة ليبية موحدة قادرة على تهيئة الظروف لتنظيم الانتخابات.
وميدانيا، ارتفعت أصوات الداعين إلى اعتماد نسخة معاكسة من النموذج التركي بتنظيم هجوم من غرب البلاد على شرقها وهو ما تتبناه قوى الإسلام السياسي وبعض الميليشيات المسلحة النافذة، فيما كشف تقرير صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة أن الجماعات المسلحة في ليبيا باتت تتمتع بمستوى غير مسبوق من التأثير على مؤسسات الدولة، خاصة في المنطقة الغربية، حيث تعيق قدرة هذه المؤسسات على القيام بواجباتها خارج نطاق مصالح تلك الجماعات.
وأكد التقرير أن المؤسسة الوطنية للنفط خضعت لعملية إعادة هيكلة داخلية تسهل حصول الجماعات المسلحة على اتفاقات مربحة لتقديم الخدمات، كما قامت أول شركة نفط ليبية خاصة، بموجب اتفاق وافقت عليه حكومة الوحدة الوطنية، بتصدير نفط خام بقيمة حوالي 460 مليون دولار منذ مايو 2024.
وكشف التقرير عن زيادة كبيرة في إيرادات الجماعات المسلحة من تهريب الديزل، حيث تستخدم الشركة العامة للكهرباء في طرابلس وميناء بنغازي القديم لتحويل وجهة كميات كبيرة من الديزل، مما يؤثر على المؤسسة الوطنية للنفط وشركة البريقة لتسويق النفط.
وأوصى فريق الخبراء بضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لوقف الانتهاكات، ومكافحة الجريمة المنظمة، وتعزيز سيادة القانون في ليبيا، مشددا على ضرورة مراجعة نظام تجميد الأصول التابع للمؤسسة الليبية للاستثمار لتمكينها من إعادة استثمار الأصول السائلة الخاضعة للتجميد.