يزور الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع تركيا الثلاثاء مباشرة بعد زيارته للسعودية، في تزامن تقول أوساط إنه تم ترتيبه من أنقرة والدوحة بشكل مدروس لتأمين تأهيل الشرع إقليميا تحت مظلة القبول السعودي.
ويرى مراقبون أن برمجة الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الانتقالي إلى السعودية لم تكن أمرا اعتباطيا، وأن الهدف كان الحصول على اعتراف سعودي مباشر بما جرى بعد سقوط نظام بشار الأسد بقطع النظر عن مضي الرياض في دعم حكم الشرع من عدمه. فالمهم منع التعارض مع السعودية لتأمين عملية تأهيل الشرع على مستوى الإقليم وتحضيره للاعتراف الدولي.
وكانت الزيارة هدفا في حد ذاتها، وهي تعبر عن رغبة تركية – قطرية في إظهار أن الانتقال في سوريا يتم برعاية ثلاثية سعودية – تركية – قطرية. ووجود السعودية في التوليفة مهم حتى لا ينظر إلى ما حدث على أنه جزء ثان من “الربيع العربي”، وأنه يصب في صالح أنقرة والدوحة ما يجعله في مرمى انتقادات رسمية وشعبية، ويحرك دواليب المنظومة الإعلامية والسياسية التي عارضت في سنوات ماضية سيطرة الإخوان على دول مثل تونس ومصر.
دعم السعودية للشرع ليس صكا على بياض، وللرياض أجندتها وحساباتها ومصالحها وتوازنات إقليمية تدافع عنها، ولا يمكن أن تنزلق بأي شكل إلى خدمة أجندات غيرها
وتم تقديم زيارة الشرع للرياض على زيارته لأنقرة، الحليف العسكري الذي أمّن وصوله إلى السلطة، لترضية السعودية وإشعارها بأنها تتصدر المركز الأول في القضايا الإقليمية المهمة، في مقابل ضمان دعمها السياسي بدرجة أولى للانتقال في سوريا لأن الدعم المالي والاستثماري تؤمنه قطر والدعم الأمني والعسكري بيد تركيا.
ويعتقد المراقبون أن وجود السعودية في صدارة داعمي انتقال سياسي – عسكري يقود الإسلاميين إلى الحكم في سوريا يوفر مظلة ضرورية لما يجري في سوريا على الأقل من جانب تحييد بعض الخصوم المناوئين للإسلاميين.
لكن المشكلة لا تكمن في السماح للإسلاميين بالحكم من عدمه، وإنما في المخاوف التي يجلبها مثل هذا الحكم بإذكاء التوتر الطائفي والعرقي داخل سوريا، ما قد يقود إلى حرب أهلية جديدة ويفتح الباب أمام التدخل الخارجي لدعم هذه الطائفة أو تلك.
كما أن دعم السعودية للشرع ليس صكا على بياض، وللرياض أجندتها وحساباتها ومصالحها وتوازنات إقليمية تدافع عنها، ولا يمكن أن تنزلق بأي شكل إلى خدمة أجندات غيرها، وهي لا تدعم الأشخاص أو الفصائل المسلحة، وإنما تساعد على خلق مناخ سياسي سلمي لتأمين انتقال سياسي يخدم السوريين كلهم لأن في استقرار سوريا استقرارا للإقليم.
وقال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون على منصة إكس إن الشرع “سيزور أنقرة الثلاثاء بناء على دعوة من رئيسنا رجب طيب أردوغان.”
وأعادت تركيا، التي تقيم علاقات وطيدة مع الشرع، فتح بعثتها الدبلوماسية في سوريا وأوفدت رئيس مخابراتها ووزير خارجيتها لعقد محادثات معه بعد مرور مدة قصيرة على إطاحة هيئة تحرير الشام بنظام الأسد.
ولا تمثل زيارة الشرع لأنقرة حدثا، على عكس زيارته للرياض. فالأتراك يعرفون الرئيس السوري الانتقالي ومواقفه وهو بدوره يعرف مطالبهم وخططهم. ولا تعدو الزيارة أن تكون تتويجا شكليا لعلاقات معهودة وخروجا بها من بعدها الفصائلي السري إلى بعدها الرسمي المعلن بعد تنصيب الشرع رئيسا انتقاليا.
وقال ألتون إن المحادثات بين أردوغان والشرع في القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة ستركز على “الخطوات المشتركة التي يتعين القيام بها من أجل التعافي الاقتصادي والاستقرار والأمن المستدامين” في سوريا. وأضاف “نعتقد أن العلاقات التركية – السورية التي أعيد تأسيسها بعدما استعادت سوريا حريتها ستتعزز وتكتسب بعدا جديدا.”
وقبل زيارتيْ الرياض وأنقرة التقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالشرع في دمشق الخميس ليكون أول زعيم يزور العاصمة السورية منذ الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر الماضي. وفُهمت الزيارة على أنها تتويج لما قامت به الدوحة لصالح الشرع ومختلف الفصائل المسلحة ودورها في إسقاط الأسد.
وأمّنت الدوحة نفوذها الجديد في سوريا من خلال التلويح بمشاريع كبرى في مجال إعادة الإعمار، كما تداولت تقارير صحفية في الفترة الماضية استعداد الدوحة للمساهمة في زيادة رواتب موظفي القطاع العام.
والتقى الشرع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض الأحد. وقال الشرع في بيان مكتوب بعد الاجتماع “تناولنا خلال الاجتماع نقاشات ومحادثات موسعة في كل المجالات، وعملنا على رفع مستوى التواصل والتعاون في كافة الصعد، لاسيما الإنسانية والاقتصادية، حيث ناقشنا خططا مستقبلية موسعة في مجالات الطاقة والتقانة (التكنولوجيا) والتعليم والصحة.”
وقبل مغادرة السعودية أدى الشرع الاثنين مناسك العمرة. جاء ذلك وفق ما أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) على موقعها الإلكتروني.
وأشارت الوكالة إلى أن “الرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني وصلا إلى مدينة جدة ليتوجها بعدها إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة.” وأضافت “كان في استقباله بمطار الملك عبدالعزيز نائب أمير منطقة مكة الأمير سعود بن مشعل آل سعود.”