تعول الحكومة المصرية على أسواق الدين الدولية ضمن خطتها الجديدة لكسب الثقة العالمية بقدرة البلد على السداد واستقراره المالي، فكلما زاد الطلب على السندات، كان ذلك مؤشرا إيجابيا للمستثمرين، بما يعزز تدفقات الاستثمار الأجنبي.
وأصدرت القاهرة سندات مقومة بالدولار بقيمة ملياري دولار لأجل 5 و8 سنوات، مع تحديد العائد الاسترشادي عند 9.75 في المئة إلى 10 في المئة.
ومن المتوقع أن ينخفض العائد عليها بما يتراوح بين نقطة ونقطتين مئويتين، ومن المرتقب أن يتبع الخطوة طرح صكوك دولارية بنحو 1.5 مليار دولار.
وتعد الأموال الساخنة أحد التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد المصري، إذ تعتمد هذه التدفقات على الاستثمار في أدوات الدين قصيرة الأجل، ما يجعلها غير مستقرة وعرضة للتخارج السريع عند أي تغير كبير في الظروف الاقتصادية العالمية.
وتبرز إصدارات السندات الدولية كأداة يمكن أن تساهم في التخفيف من حدة المشكلة، خاصة إذا كان الهدف منها إطالة آجال الاستدانة وخفض كلفة الاقتراض.
ويكمن الفرق بين الأموال الساخنة والسندات الدولية في أن الأولى بمثابة تدفقات رؤوس أموال تستثمر في أدوات الدين المحلية، مثل أذون وسندات الخزانة، والتي تكون قصيرة الأجل وسريعة الخروج عند ارتفاع المخاطر.
لكن السندات الدولية هي أدوات دين تُصدر بالدولار أو العملات الأجنبية في الأسواق العالمية، تكون غالبًا متوسطة إلى طويلة الأجل، بما يقلل من تقلبات التدفقات المالية.
وتكمن المشكلة الأساسية مع الأموال الساخنة في أنها لا توفر استقرارًا ماليًا طويل الأجل، فقد تخرج فجأة من البلاد إثر أي تغير في أسعار الفائدة أو حدوث مخاطر اقتصادية تؤثر على حركة الأسواق.
وتنطوي أهمية مساعدة السندات الدولية في مواجهة الأموال الساخنة على لجوء الحكومة إلى طرح سندات دولية بآجال متوسطة وطويلة، ما يوفر بديلًا أكثر استقرارًا مقارنة بالأموال الساخنة التي تتسم بالسرعة في الدخول والخروج.
وتدعم تلك السندات خفض الضغط على الفائدة، فلجذب الأموال الساخنة تضطر الحكومة إلى تقديم عوائد مرتفعة على أذون وسندات الخزانة، ما يرفع كلفة الاقتراض، أما عند إصدار سندات دولية فإن الدولة قد تحصل على تمويل بفائدة أقل من الفائدة المطلوبة في السوق المحلية.
وعند نجاح إصدار السندات الدولية تتلقى القاهرة تدفقات دولارية مباشرة، وهو ما يعزز الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية، وبالتالي يقلل الضغوط على الجنيه ويخفف الحاجة إلى رفع الفائدة لكبح التضخم أو لجذب الاستثمارات قصيرة الأجل.
وإذا كان الطرح مدروسًا ويحظى بإقبال المستثمرين، فإن ذلك يعزز الثقة بقدرة الاقتصاد على إدارة الدين، وهو ما قد يسمح لاحقًا بخفض الفوائد على القروض والسندات المحلية.
ويحذر خبراء من استخدام حصيلة السندات لسداد ديون قصيرة الأجل فقط دون تحقيق نمو اقتصادي حقيقي، وبالتالي لا ينجح ذلك في خفض الفائدة المحلية بشكل مستدام، وإذا لم يكن هناك طلب قوي على السندات الدولية.
مليار دولار قيمة سندات أصدرتها الحكومة لأجل 5 و8 سنوات، لأول مرة منذ 4 سنوات
لكن في المقابل يعتقد البعض أن هذا مستبعد حاليًا، فقد تضطر الحكومة إلى طرحها بعائد مرتفع، ما يجعل كلفة الاقتراض مرتفعة بدلاً من أن تنخفض.
غير أن السيناريو الإيجابي يتمثل في أنه إذا تم استخدام السندات لتمويل مشاريع إنتاجية أو تخفيف أعباء الديون قصيرة الأجل فإن ذلك قد يساهم في تقليل الضغوط على سوق الدين المحلية، وبالتالي يسمح للبنك المركزي بتخفيض الفائدة تدريجيًا.
ويرى الخبير الاقتصادي إبراهيم الحدودي أن طرح السندات يعني إضافة ديون جديدة إلى رصيد الدين العام الخارجي، ورغم أنها توفر تمويلًا فوريًا، إلا أنها تأتي بتكاليف مستقبلية تتمثل في سداد الفوائد والأقساط، ما يزيد من أعباء خدمة الدين في الموازنة العامة.
وقال لـ”العرب” إن “مصر تسعى من وراء الخطوة إلى تنويع مصادر التمويل، بحيث لا تعتمد فقط على القروض الثنائية أو تمويلات صندوق النقد الدولي.”
وأوضح أن السندات الدولية تتيح جمع تمويل خارجي بشروط قد تكون أفضل من القروض المباشرة، خصوصًا مع تحسن التصنيف الائتماني لمصر.
ويطالب الحدودي بضرورة استخدام حصيلة السندات في مشاريع إنتاجية تعزز النمو وتزيد الإيرادات الدولارية، كي لا يترتب على ذلك تفاقم مشكلة الديون، وارتفاع كلفة الاقتراض المستقبلية بسبب زيادة المخاطر.
وأكد الخبير الاقتصادي مجدي شرارة أن وجود طلب قوي على السندات المصرية يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى أدوات الدين ويوفر تدفقات دولارية.
وحذر في تصريحات لـ”العرب” من أن يؤدي الاعتماد الزائد على الاستثمار في أدوات الدين بدلاً من الاستثمار المباشر إلى نشوء اقتصاد أكثر هشاشة أمام تقلبات الأسواق العالمية.
وقال “إذا كان طرح السندات مرتبطًا بتحسن الثقة بالاقتصاد، فقد يُساعد ذلك على استقرار الجنيه المصري، أما إذا رأى المستثمرون أن الاقتراض مؤشر على أزمة سيولة، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الضغوط على سعر الصرف.”
وإذا تمكنت الحكومة من سداد التزاماتها بسلاسة دون الضغط على الاحتياطي النقدي، فقد يعزز ذلك ثقة وكالات التصنيف العالمية، وذلك عكس عدم القدرة على السداد.
وحال زادت الديون الخارجية وارتفع سعر الصرف في مصر، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار، خاصة أسعار السلع المستوردة، ومع ذلك إذا أدى الاقتراض إلى تحسين الوضع الاقتصادي فقد يتم احتواء آثار التضخم.
ورغم أهمية التدفقات الخارجية لتغطية الفجوة التمويلية تظل هناك بدائل يمكن العمل عليها لتقليل الاعتماد على الاقتراض، مثل زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بدلاً من التركيز على أدوات الدين، وتعزيز الصادرات وتقليل الفجوة التجارية عبر دعم الصناعات المحلية.
وينبغي للسلطات أن تزيد الإيرادات الضريبية عبر إصلاحات ضريبية تشجع الاستثمار المحلي، وترشيد الإنفاق الحكومي بشكل أكبر لضبط العجز المالي وتقليل الحاجة إلى الاقتراض.