مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يتوقع أن تتصاعد التوترات عبر الأطلسي، ولكن أوروبا وضعت عدة سيناريوهات للرد على ذلك.
خلال اجتماع جمع القادة الأوروبيين بعد الانتخابات، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة أن تصبح القارة أكثر قوة واستقلالية في مواجهة عالم أكثر تنافسية، قائلاً: «العالم ينقسم بين العواشب وآكلات اللحوم. إذا قررنا البقاء عواشب، فستنتصر آكلات اللحوم، وسنصبح سوقًا لها».
لأكثر من 2%.. «الناتو» يدعو دوله لرفع سقف الإنفاق الدفاعي
هذا التصريح يبرز التحديات الكبيرة التي تواجه أوروبا في التعامل مع سياسات أمريكية أكثر صرامة بقيادة ترامب. لكن القارة تواجه في الوقت ذاته انقسامات داخلية، بالإضافة إلى تداعيات اقتصادية بسبب الحرب في أوكرانيا، والتباطؤ الاقتصادي في الصين، ثالث أكبر سوق لصادرات الاتحاد الأوروبي.
الرهانات الجيوسياسية في ولاية ترامب الثانية
تعد استجابة أوروبا للسياسات الأمريكية القادمة أمرًا محوريًا لتحديد مسارها المستقبلي، وقدرتها على الحفاظ على التحالف عبر الأطلسي الذي يشكل ركيزة «الغرب الجيوسياسي»، حيث يتوقع أن تكثف إدارة ترامب من الضغط على أوروبا، سواء من خلال تهديدات بفرض تعريفات جمركية، أو تقليل الالتزام الأمني تجاه القارة.
لكن أوروبا لن تظل مكتوفة الأيدي. وستكون استجابتها عبر أحد ثلاثة سيناريوهات رئيسية، بناءً على مدى قوة الضغط الأمريكي:
1 - التصالح والمواءمة مع الولايات المتحدة
تتمثل مزايا هذا السيناريو في سعي أوروبا إلى تفادي المواجهة من خلال تقديم تنازلات، مثل زيادة مشترياتها من الغاز الطبيعي الأمريكي وتعزيز تعاونها الدفاعي.
وفي حال نفذت الولايات المتحدة تعريفات محدودة، فقد تستمر العلاقات الاقتصادية بشكل مقبول مع الحد الأدنى من التأثيرات السلبية.
لكن أبرز سلبياته هو أنه سيتعين على الاتحاد الأوروبي تقديم تنازلات أيديولوجية، مثل تخفيف تشريعاته على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، وقد يصبح أكثر اعتمادًا على القادة اليمينيين المتماشين مع رؤية ترامب.
والنتيجة المحتملة هي قارة أوروبية تعتمد اعتمادًا واضحًا على الولايات المتحدة، والتي ستفقد بعضًا من أولوياتها المستقلة مثل مكافحة التغير المناخي وتنظيم الأسواق الرقمية.
2 - الانقسام والشلل الداخلي
تتمثل مزاياه في مساعي بعض القادة الأوروبيين لمقاومة الضغوط الأمريكية من خلال التركيز على مصالحهم الوطنية، مما قد يخفف التأثيرات الاقتصادية المباشرة على بعض الدول.
إلا أن هذا السيناريو سيؤدي غياب التنسيق بين الدول الأعضاء وتفاقم الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي، ويعطي واشنطن اليد العليا في التعامل مع كل دولة على حدة.
والنتيجة المتوقعة هي اتحاد أوروبي ضعيف وغير متماسك، ما يؤدي إلى انخفاض مكانته على الساحة الدولية وزيادة اعتماده على الولايات المتحدة وروسيا.
3- الاستقلال الاستراتيجي
يدفع الضغط الأمريكي أوروبا لتعزيز قدراتها الذاتية من خلال سياسات تكامل اقتصادي أعمق، وزيادة الاستثمارات في الدفاع والتكنولوجيا، وتطوير أدوات للسياسة الاقتصادية المستقلة، مثل إطلاق «اتحاد الادخار والاستثمار الأوروبي» لتحفيز رأس المال المحلي، وتعزيز السياسات الصناعية لمنافسة الشركات الأمريكية والصينية.
قد يؤدي هذا المسار إلى مواجهة أكبر مع الولايات المتحدة، مع احتمال فرض تعريفات جمركية أوسع، مما قد يعوق النمو الاقتصادي في المدى القريب.
لكن النتيجة المحتملة هي أوروبا أكثر استقلالية وقوة على المدى الطويل، مما يعزز مكانتها كشريك استراتيجي قادر على مواجهة تحديات عالمية كبرى بالتعاون مع الولايات المتحدة.
الفرصة والتحدي: أي مستقبل لأوروبا؟
تعكس هذه السيناريوهات تحديات حقيقية وفرصًا فريدة أمام أوروبا. والتحرك نحو استقلال استراتيجي قد يكون الطريق الأكثر طموحًا لكنه يتطلب إرادة سياسية قوية وإصلاحات جذرية.
قد تكون أوروبا القوية والمستقلة على المدى البعيد، شريكًا أكثر فاعلية للولايات المتحدة، مما يعزز التحالف الغربي في مواجهة تهديدات مثل روسيا وصعود الصين. ولكن من دون إرادة موحدة، قد تجد أوروبا نفسها في حالة تراجع اقتصادي وجيوسياسي، تفقد فيها مكانتها كلاعب رئيسي على الساحة العالمية.