رغم الثبات الملحوظ في الرواتب والدخل الاقتصادي لدى شريحة كبيرة من المصريين، إلا أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير، ما أدى إلى زيادة الإقبال على شراء الملابس المستعملة، المعروفة بـ”البالة” في مصر، ومنها علامات تجارية عالمية، أو ما تسمى بـ”الأستوك”، وهي ملابس تبدو بحالة جيدة لحسن استخدامها سابقا، وانتعش سوق الحقائب والأحذية والعطور الفرنسية المقلدة.
عدد كبير ممن يقبلون على شراء تلك البضائع اعتادوا ارتداء الملابس والأحذية واستعمال العطور العالمية، وأبدوا استعدادا للتضحية بشراء الماركات الجديدة، مقابل توفير البديل المستعمل منها، بزعم الحرص على صورتهم الاجتماعية.
وانتشرت متاجر “البالة” في أماكن مختلفة بمصر مؤخرا، ولم تعد هناك وصمة مجتمعية يمكن أن تصيب من يقبلون عليها، وتساوى الغني والفقير في الشراء.
ثقافة البازار
سعر كيلو الملابس يعادل حوالي 20 دولارا، وسعر كيلو العطور يعادل حوالي 25 دولارا وثمن الحقائب بنحو 30 دولارا
زادت ثقافة المعارض أو ما يعرف بـ”البازارات”، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار هذا النوع من المعارض، ويتولى بعض مشاهير الإعلام مهمة الترويج له، مثل مفيدة شيحة ولمياء فهمي عبدالحميد، ودعاء فاروق، ودعاء عامر، وهي ساحة كبيرة يتم استئجارها من مول تجاري، أو تقام في حديقة عامة شهيرة.
ويخصص لكل تاجر منضدة أو عدة مناضد بحوامل حديدية، ويتم صف المنتجات أو البضائع فوقها، ويوجد مسؤول عن تنظيم هذا المعرض يؤجّر المكان المخصص للتجار، مقابل قيمة مالية محددة تصل إلى نحو مئتي دولار أميركي في اليوم الواحد، وتتراوح مدة المعرض بين 3 و4 أيام.
تتميز هذه المعارض بوجود تجار “البالة والأستوك”، يقومون بعرض بضائعهم، والتي تتنوع أسعارها بين المرتفع والمتوسط والمنخفض، لجذب أكبر عدد من الناس.
وتقول سعاد عبدالحي، وهي إحدى البائعات المشاركات في هذه المعارض وتعمل في مجال تجارة الملابس “البالة” منذ سنوات، إنها بدأت هذه التجارة بعد أن ضاق بها الحال، فاقترحت عليها صديقة العمل في هذه التجارة، وتشتري من إحدى السيدات كل ما تريده، التي جاءتها من الخارج بوسائل شخصية.
وأكدت لـ”العرب”وجود الكثير من التجار الذين يجلبون حاويات من دول عدة، ودخلت هذا العالم، وخبرت أسراره، ولم تكن تعرف أسماء الماركات العالمية من قبل، ومع الوقت أصبحت عليمة بها، وتستطيع أن تميز بين الملابس الأصلية والمقلدة.
التجارة من المنزل
ذكرت عبدالحي أن هذه المعارض أنعشت حركة الملابس المستعملة والأستوك، حيث تقوم بتأجير منضدة، تضع عليها أنواعا من المنتجات التي تريد بيعها، وتبيع عادة من منزلها، ولا تملك متجرا ثابتا تضطر إلى دفع إيجار له وقيمة فواتير الكهرباء والماء، وستكون مطالبة بدفع ضرائب، وباتت تقيم في منزلها معرضًا كل أسبوع لعرض الملابس، وتأتي إليها السيدات، وتبيع أحيانا بالتقسيط لمن لا يستطعن الدفع نقدا، وتقسم لهن القيمة على ثلاثة دفعات، تدفع كل شهر.
وأوضحت لـ”العرب” أن السيدات يلحقن بها إلى “البازار” ومعهن صديقاتهن، للاستفادة من العروض التي تعلن عنها عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وتبيع القطعة الواحدة بما يعادل دولارا أميركيا، وهو مبلغ يبهرهن ويجذبهن للشراء.
أما سها البابا، التي تبيع الملابس المستعملة والعطور والحقائب، فهي تعرض بضاعتها بأسعار أقل من أصحاب المحلات التجارية الثابتة، وتعتمد على المعارض أو البازارات في تجارتها، وتحقق أرباحًا كبيرة.
وذكرت لـ”العرب” أنها تفضل البيع بالكيلو عن بيع القطعة بسعر محدد، وتجد أن البيع بالكيلو يحقق العدل للمشتري، فهناك قطع غير مستعملة وأصلية، وغالبًا ما يكون سعرها مرتفعا، لأن التاجر يعرف أن المشتري سيتقبل أيّ سعر ليفوز بهذه القطعة، لأنه يعرف قيمة الماركات العالمية وثمنها الأصلي.
ولفتت سها البابا إلى أن سعر كيلو الملابس يعادل حوالي 20 دولارا، وسعر كيلو العطور يعادل حوالي 25 دولارا، وبينما يصل ثمن الحقائب نحو 30 دولارا.
عودة إلى وكالة البلح
أشار عبداللطيف محمدي التاجر في وكالة البلح، وهي منطقة شهيرة في وسط القاهرة تبيع الملابس المستعملة، إلى أن المشترين يقبلون على شراء الملابس المستعملة أو الملابس “فرز” أي انتقاء مصانع، من المحلات التي انتشرت بكثافة، ومن المعارض التي تقدم منتجات متباينة لهم، ما أثّر سلبًا على حركة البيع في الوكالة، وأصبح الإقبال عليها أقل عن ذي قبل.
وبثت الفنانة الأردنية فيدرا مقطعا مصورا على صفحتها الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) من وكالة البلح، تشجع متابعيها على شراء الملابس منها، مؤكدة أنها تشتري ملابسها من الوكالة منذ فترة.
وتباينت التعليقات على الفيديو، حيث رأى البعض أن الفيديوهات التي يبثها مشاهير جعلت تجار وكالة البلح أكثر شهرة وصاروا يبيعون بأسعار مرتفعة عمّا سبق.
لكن محمدي، نفى أن تكون الفيديوهات التي يبثها فنانون أو صانعو محتوى وراء ارتفاع أسعار الملابس بالوكالة، وأن الملابس يستوردها تجار جملة من الخارج بالدولار، الذي ارتفعت قيمته أمام الجنيه المصري، وهذا هو سبب ارتفاع أسعار الملابس المستعملة مؤخرا.
وأكد لـ”العرب” أن الحالة الاقتصادية المتدنية للكثير من الأسر تقف وراء إحجام البعض عن الشراء من الوكالة، بينما يفضل أفراد الطبقة المتوسطة والأعلى قليلا الشراء من المتاجر، لأنها تعرض البضاعة بشكل لافت ومرتب، وفي الوكالة يقف الباعة في الشارع، مشيرًا إلى أن الكثير من المتاجر تبيع ملابس مقلدة، ويخدعون الناس، ولا يستطيع المواطن العادي التفرقة بينها.
تسرب التبرعات
قال رئيس غرفة الملابس باتحاد الصناعات في مصر محمد عبدالسلام إن القانون يمنع استيراد الملابس المستعملة، وتدخل إلى مصر في شكل “تبرع” لجمعيات خيرية ومؤسسات أهلية من بعض الدول الأوروبية، وهو أمر غريب مع زيادة أسواق هذه الملابس التي لا تخضع لرقابة قوية.
وكشف أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية في القاهرة إيهاب الدسوقي لـ”العرب” أنه في الأعوام الماضية، انتعشت تجارة “الأستوك” و”البالة” في مصر، ومع زيادة نسبة الفقر، وانخفاض مستوى المعيشة، وثبات الدخل وتغول الأسعار، لجأ الأفراد إلى شراء ملابس البالة.
وأكد أن من اعتاد على ارتداء الملابس والأحذية من العلامات الشهيرة قد لا يستطيع التنازل عنها، ما يجعله يلجأ إلى القبول بارتدائها مستعملة أو بها عيوب خفية.
وشدد على أن أسعار المنتجات في مصر حرة وفقًا لقانون الاستثمار، وتخضع لقانون العرض والطلب، وقد تتغير من مكان إلى آخر، وأصبحت الرقابة على هؤلاء التجار صعبة للغاية، فمعظمهم من الباعة الجائلين، ولا يملكون سجلا تجاريا أو ضريبيا، ومع رغم ذلك فوجودهم مهم، لأن الأسعار التي يبيعون بها معقولة بالنسبة إلى الأسعار الباهظة التي تباع بها نفس السلع في المولات التجارية.
وطالب الدسوقي الجهات الحكومية المسؤولة بالإبقاء على هؤلاء وعدم مطاردتهم، حيث يعتبر وجودهم فرصة للمواطنين غير القادرين على شراء الملابس الجديدة.