فرنسا تحزم حقائبها استعدادا لـ«خروج اضطراري» من السنغال، البلد الأفريقي الذي رفع «الكارت الأحمر» بوجه مستعمره القديم ليطوي بذلك صفحة طويلة.
وفي خطاب ألقاه بمناسبة العام الجديد، أكد الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي "إنهاء كل الوجود العسكري للدول الأجنبية في السنغال اعتبارا من العام 2025".
وبذلك، حدد فاي، للمرة الأولى، موعدا لإغلاق القواعد العسكرية الأجنبية في هذه المستعمرة الفرنسية السابقة التي تتمتع بعلاقات قوية مع الغرب، وباريس بشكل خاص.
وسبق أن أعلن فاي، في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن فرنسا ستضطر لإغلاق قواعدها العسكرية في السنغال، ومع تحديد الحيز الزمني، لم يتبق أمام فرنسا سوى حزم حقائبها.
توتر يتصاعد
بعد الإعلان السنغالي، خيل لمراقبين أن فك الارتباط سيجري بطريقة سلسة وبدون أي تصريحات «مؤذية» من الجانبين، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث أشعل الرئيس الفرنسي فتيل الغضب بالقارة بسبب تصريحات اعتبرت مسيئة.
ومن بين أمور أخرى، قال ماكرون مؤخرا إن انسحاب القوات الفرنسية جاء نتيجة المفاوضات مع مختلف دول القارة، وهو ما فندته داكار بشكل صريح.
وبشكل ملموس، يمتلك الجيش الفرنسي 4 مواقع في السنغال وما يزيد قليلا عن 200 جندي ما زالوا متمركزين في داكار.
وتقول باريس إنها ستنفذ رغبة السنغال بالانسحاب، فيما تشير عدة مصادر حكومية إلى أنه لم يتم تحديد جدول زمني بعد لتلك الخطوة.
ووفق مصدر عسكري فرنسي، تحدث لإذاعة فرنسا الدولية، فإن اثنين من تلك القواعد الواقعة بالقرب من ميناء داكار، ظلتا فارغتين منذ عدة أشهر وجاهزتين للتسليم إلى السلطات المحلية.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، أفادت التقارير بأن داكار طلبت وقتا إضافيا قبل استعادة قواعدها، وهو ما لم يتسن التأكد منه من مصادر سنغالية.
باقي اثنتان
لا تزال هناك قاعدة «روفيسك» العسكرية، على مشارف العاصمة، المكونة من مساكن بها هوائيات اتصالات آمنة، وأيضا قاعدة «واكام» وسط المدينة.
ويقدم ما يزيد قليلاً عن 200 جندي فرنسي التدريب هناك مع الجيش السنغالي وضباط من المنطقة.
وبحسب مصادر عسكرية فرنسية، فقد تم تقديم اقتراح لتسليم جزء من السكن في هذه القاعدة للجيش السنغالي في صيف عام 2024 لجعلها قاعدة فرنسية سنغالية، مع الإبقاء على بعض الجنود الفرنسيين في الموقع.
لكن لم يتم اتخاذ أي قرار بعد، كما يؤكد المصدر نفسه، إذ لم يتم إجراء أي نقاش سياسي مع السلطات الجديدة حول هذا الموضوع.
غضب ماكرون
برفع «الكارت الأحمر» بوجه فرنسا، تخطو السنغال على خطى دول أفريقية أخرى ممن باتت قياداتها -في معظمها- من جيل جديد رافض للهيمنة الفرنسية.
ومؤخرا، نددت السنغال بشدة بتصريحات اتهم فيها ماكرون دول الساحل الأفريقي بأنها "لم تشكر" بلاده على الدعم الذي قدّمته للقارة في مكافحة الإرهاب.
وقال ماكرون أول أمس الإثنين، إنّ باريس كانت "محقّة" في تدخّلها عسكريا في منطقة الساحل "ضدّ الإرهاب منذ عام 2013"، لكنّ القادة الأفارقة "نسوا أن يقولوا شكرا" لفرنسا على هذا الدعم.
وأضاف أنّه لولا هذا التدخّل العسكري الفرنسي "لما كان لأيّ من" هؤلاء القادة الأفارقة أن يحكم اليوم دولة ذات سيادة.
وتابع بنبرة ملؤها السخرية "لا يهمّ، سيأتي هذا (الشكر) مع الوقت".
تنديد سنغالي
وندد رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو بتصريحات ماكرون، مؤكّدا في بيان أنّه لولا مساهمة الجنود الأفارقة في الحرب العالمية الثانية في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي "لربّما كانت فرنسا اليوم لا تزال ألمانية".
وبالنسبة لسونكو، فإنّ ما أدلى به ماكرون "خاطئ بالكامل" إذ "لم يتمّ إجراء أيّ نقاش أو مفاوضات حتى الآن، والقرار الذي اتّخذته السنغال نابع من إرادتها الوحيدة، كدولة حرة ومستقلة وذات سيادة".
كما هاجم رئيس الوزراء السنغالي الرئيس الفرنسي بسبب تهمة "الجحود" التي وجّهها ساكن قصر الإليزيه لقادة هذه الدول الأفريقية.
وقال سونكو إنّ "فرنسا لا تمتلك لا القدرة ولا الشرعية لضمان أمن أفريقيا وسيادتها. بل على العكس من ذلك، فقد ساهمت في كثير من الأحيان في زعزعة استقرار بعض الدول الأفريقية مثل ليبيا، ممّا أدّى إلى عواقب وخيمة لوحظت على استقرار وأمن منطقة الساحل".