شرعت الحكومة التونسية في اتخاذ إجراءات أمنية احترازية لتحصين البلاد من عودة مجموعات من المقاتلين المتشددين من سوريا، بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد وسيطرة فصائل المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام على الحكم.
وفي هذا السياق، أعلنت شركة الخطوط التونسية المملوكة للدولة أنه سيجري استقبال الرحلات القادمة من تركيا في محطة منفصلة عن مطار تونس قرطاج الدولي الرئيسي.
وسيجري استقبال هذه الرحلات عبر المحطة الثانية المحاذية للمطار الرئيسي، والمخصصة عادة لرحلات الحجيج والمعتمرين إلى البقاع المقدسة.
ويعني ذلك إخضاع المسافرين القادمين من تركيا إلى إجراءات تفتيش بمحطة جمارك منفصلة.
وأوضحت الشركة، في بيان مقتضب، أن هذا الإجراء يأتي بقرار من السلطات التونسية، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
ولم يوضح البيان الأسباب الكامنة لاتخاذ مثل هذا القرار، خصوصا وأن استقبال الرحلات القادمة من تركيا سيكون في نفس المطار أي مطار قرطاج الدولي، وهو ما من شأنه أن يثير تساؤلات المسافرين على متن تلك الرحلات.
ويعتقد مراقبون أن القرار على علاقة بما يجري في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد وما رافقه من إطلاق سراح المعتقلين في عدة سجون من بينهم جهاديين قاتلوا بصفوف التنظيمات المتشددة في سوريا سواء منهم من وقع في قبضة النظام أو الذين علقوا في المدن والمحافظات التي كانت تخضع لسيطرة قوى المعارضة بمختلف تشكيلاتها.
ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن تحديد المحطة الثانية بمطار قرطاج لهبوط الطائرات القادمة من تركيا يتعلق بالاتهامات التي وجهتها الحكومة التونسية في 2015 لأنقرة بتسهيل عبور الجهاديين إلى سوريا.
وكان وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش آنذاك قد صرح للصحافيين "طلبنا من سفيرنا بتركيا أن يلفت انتباه السلطات التركية إلى أننا لا نريد من دولة إسلامية هي تركيا أن تكون مساعدة بشكل مباشر أو غير مباشر على الإرهاب في تونس بتسهيل تنقل إرهابيين" نحو العراق وسوريا تحت مسمى "الجهاد".
وجاءت هذه التحركات التونسية بعد أن أثارت منظمات من المجتمع المدني خلال الأيام الماضية مخاوف من توافد متشددين تونسيين عائدين من سوريا عبر تركيا بعد سقوط الأسد.
وتعترض الجهات الأمنية عدة عقبات منها أن قائمة هؤلاء المقاتلين، الموجودة لديها قديمة وتحتاج إلى تحيين، خاصة أن الكثير منهم قتل في الحرب الأهلية السورية، وليس معروفا عدد المسجونين منهم في سوريا.
ولا توجد معلومات مؤكدة حتى الآن عن خروج سجناء تونسيين من السجون السورية ولا عن أعدادهم.
وكان رئيس الحكومة التونسية الأسبق يوسف الشاهد قد صرح لوكالة الأنباء الألمانية في مقابلة عام 2017 بأن أعداد التونسيين الذين شاركوا في القتال في سوريا يقدر بنحو ثلاثة آلاف.
ويعزوا مراقبون عدم توفر بيانات واضحة حول هويات وأعداد المقاتلين التونسيين المتشددين في سوريا، إلى قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا الذي اتخذه الرئيس المؤقت الأسبق منصف المرزوقي في فبراير 2012، وما تبع ذلك من توقف للتعاون الأمني وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلدين.
وحتى بعد إعادة الرئيس قيس سعيد للعلاقة بين تونس وسوريا منذ بداية العام الماضي، فإن ذلك لم يثمر عن تسليم سوريا لتونس بعض المتشددين المطلوبين المحبوسين في سجونها، ولا تسليم قاعدة بيانات بهذا الشأن.
واتهمت الأحزاب العلمانية في تونس حركة النهضة الإسلامية بالتساهل مع إسلاميين متشددين أثناء فترة حكمها بعد الثورة وحث الشبان في المساجد والاجتماعات الخاصة على الجهاد في سوريا، وهو أمر تنفيه الحركة باستمرار.
وتحدثت تقارير أمنية لاحقا عن عودة المئات إلى تونس وإيداع عدد منهم السجون فيما جرى إخضاع آخرين إلى الرقابة الإدارية والأمنية وإجراءات المنع من السفر.
وفي سبتمبر 2022، أمرت النيابة العمومية في تونس بفتح تحقيق في قضية "تسفير" التونسيين للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية في الخارج.
وشملت التحقيقات في هذه القضية، نحو 100 شخصية سياسية وأمنية، على رأسهم القيادي في حركة النهضة الإسلامية علي العريض، الذي كان وزيرا للداخلية بين عامي 2011 و2012، قبل تكليفه برئاسة الحكومة حتى 2014، في ذروة فترة التحاق مئات التونسيين المتشددين للقتال في الخارج.
وتم اعتقال العريض وأصدر القضاء أمرا بسجنه على ذمة التحقيق في قضية "تسفير الجهاديين" إلى الخارج، في ديسمبر 2022.
كما شملت التحقيقات في قضية تسفير المقاتلين، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي المعتقل على ذمة قضايا عدة منذ أبريل من العام الماضي، إلى جانب رئيس جهاز المخابرات الأسبق الأزهر لونغو، وعدد من القيادات الأمنية التي عملت طوال الأعوام التي قاد فيها الحركة الإسلامية الحكم في البلاد.
وفي عام 2017، قضت محكمة تونسية بالسجن 20 سنة على أحد العائدين من سوريا بعد أن ثبت انتمائه لتنظيم داعش.