عربي ودولي

تزايد الضغوط على البنوك الأمريكية لإيقاف حرمان العملاء من الخدمات
تزايد الضغوط على البنوك الأمريكية لإيقاف حرمان العملاء من الخدمات
بعد مرور أكثر من عام على إثارة نايجل فاراج جدلاً في بريطانيا حول إغلاق الحسابات المصرفية، يلوح في أفق الولايات المتحدة جدل مماثل. وكان مارك أندريسن، رأسمالي مغامر، من بين محفزات هذا الجدل، حيث شكا في مقابلة مع جو روجان أواخر نوفمبر الماضي، من استبعاد المستثمرين والمؤسسين وشركاتهم من النظام البنكي.

تحدث أندريسن خلال المقابلة عن قضيتين منغصتين. في الأولى، ادعى أن المصارف تصنف اليمينيين باعتبارهم «بارزين سياسياً» من الناحية التنظيمية، ثم تقطع العلاقات التجارية معهم. والقضية الثانية هي حرمان الصناعات التي تثير امتعاض الحكومة أو قد تهدد الشركات المالية التقليدية، مثل الشركات العاملة في الأصول المشفرة، من الوصول إلى الخدمات المصرفية.

وتستند هذه الادعاءات إلى شكاوى ميلانيا ترامب، من إغلاق حسابها المصرفي بعد هجمات السادس من شهر يناير على مبنى الكونجرس ورفضه فتح حساب لابنها بارون. على اليمين السياسي، سميت مثل هذه القرارات بـ «عملية نقطة الخنق 2.0»، وهو مصطلح مستعار من برنامج في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، كان يهدف إلى تقييد وصول الصناعات المثيرة للجدل إلى الخدمات المصرفية، مثل «مقرضي يوم دفع الرواتب»، وهم شركات تقدم قروضاً قصيرة الأجل بمبالغ صغيرة بأسعار فائدة مرتفعة جداً، غالباً ما تستهدف الأشخاص ذوي الدخول المنخفضة الذين يحتاجون لأموال بشكل عاجل.

وهناك فرصة جيدة أن تتخذ الإدارة الثانية لدونالد ترامب إجراءات بشأن الحرمان من الخدمات المصرفية. وقال ديفيد ساكس، القيصر القادم في الذكاء الاصطناعي والأصول المشفرة: «هناك قصص كثيرة عن أناس تضرروا جراء عملية نقطة الخنق 2.0»، مشيراً إلى الحاجة لفحص هذا الأمر.

وأشار بريان بروكس، المراقب المالي للعملة في الفترة الأولى لترامب، إلى احتمالية تكرار محاولته السابقة لإعلان ما يطلق عليها قواعد الوصول العادل، ومن شأنها إلزام المصارف بأن يكون لديها سبب مالي لإغلاق حساب عميل ما. رغم ذلك، لم تنته إدارة ترامب الأولى من هذه القواعد قبل انتهاء الفترة.

وبالنسبة لبعض مؤيدي ترامب، فإن إغلاق الحسابات جزء من مؤامرة الدولة العميقة. لكن توجد كثير من الأسباب التي قد تفسر هذه القرارات. وتعد البيروقراطية إحداها. فمنذ عام 2008، تسببت آلاف الصفحات من القواعد الجديدة وغرامات بمليارات الدولارات في أن تكون البنوك أكثر تجنباً للمخاطرة فيما يتعلق بنوعية العملاء الذين يقبلون بهم. وعند انتهاء العلاقة بعميل ما، يميل التواصل من جانب المصرف إلى أن يكون مبهماً ومقتضباً على نحو مزعج، ما يؤدي إلى تكهنات بشأن الأسباب.

أما المنظمون فيقسمون أنهم لا يوجهون المصارف بشأن العملاء الذين يجب قبولهم أو رفضهم. لكن يمكن للجهات التنظيمية أن تخلق بقراراتها تأثيرات تقشعر لها الأبدان، مثلما حدث عام 2022، عندما طلبت من البنوك التي تشرف عليها أن تخطرها بأي نشاط تجاري متعلق بالعملات المشفرة ترغب في القيام به. هل كانت هذه خطوة ذات طابع سياسي من جانب إدارة بايدن المعادية للعملات المشفرة، أم أن المنظمين كانوا خائفين من القنوات الجديدة التي قد يسلكها غسل الأموال أو التهرب من العقوبات؟ على أية حال، كان لذلك تأثير على البنوك.

وذكر إدوارد فيشمان، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية ومؤلف كتاب «نقاط الخنق: البأس الأمريكي في عصر الحرب الاقتصادية»: «أصبحت البنوك خائفة من التعرض للعقوبات، بعد أن أصبحت الأصول المشفرة أكثر تداخلاً مع النظام المالي الرسمي والقطاع المصرفي».

وهناك مشكلة أخرى، وهي أن شكاوى الرأسماليين المغامرين وشركات الأصول المشفرة تأتي بعد أقل من عامين من انهيار ثلاثة مصارف أمريكية متوسطة الحجم كانت تقوم على خدمة هذه الصناعات بعد مشكلات في السيولة، وهي «سيليكون فالي بنك» و«سيجنتشر بنك» و«سيلفرجيت بنك». وعند إغلاق مصرف ما، من شأن ذلك أن يصعب على بعض العملاء إيجاد مصارف جديدة، خصوصاً إن كانوا يعملون في مجالات تركز عليها الجهات التنظيمية.

قبل 20 عاماً، كان «الطفل المشاغب» في الصناعة وهو «بنك ريجز»، الذي كان يتخذ من واشنطن مقراً له، وكان يصف نفسه بأنه «أهم بنك في أهم مدينة بالعالم»، هو المشكلة التي واجهت القطاع المصرفي. وبسبب حجم أعماله الكبير في خدمات السفارات، أصبح متورطاً في مجموعة كبيرة من قضايا غسل الأموال، وانتهى به الأمر إلى البيع. ما الذي حل بأعمال الخدمات المصرفية للسفارات؟ لم يرغب كثير من البنوك في تحمل المخاطر بتقديم خدماتها من بعد ذلك.

ويتخذ المسؤولون التنفيذيون للمصارف قرارات بكبح الإقراض للصناعات المتحفظين. فهدد «سيتي جروب» بقطع التمويل عن بعض متاجر بيع الأسلحة النارية بالتجزئة، ولم يعد «جيه بي مورجان تشيس» يقدم تمويلات لمشروعات التنقيب الجديدة عن النفط والغاز في القطب الشمالي. وتنطوي مثل هذه القرارات على سؤال: هل الإقراض صحيح أم خاطئ؟

حتى أن القاعدة التي تخلى عنها برايان بروكس في مكتب مراقب العملة سمحت للبنوك بإغلاق الحسابات لأسباب تتعلق بالسمعة إذا قيمت الخطر على نحو أكثر دقة. لكن هذه هي طبيعة العمل المصرفي، تقييم المخاطر، سواء أكانت تتعلق بالسمعة أم غير ذلك.

01 يناير 2025

هاشتاغ

التعليقات

الأكثر زيارة