في مدينة المفرق الأردنية بدأ أفراد عائلة إبراهيم الموصلي جمع أمتعتهم استعدادا لرحلة العودة إلى وطنهم سوريا بعد اثني عشر عاما من اللجوء، وذلك في أعقاب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
والأحد المقبل، سيكون يوما استثنائيا لمحمد، الابن الأوسط للعائلة والبالغ من العمر 23 عاما، وباقي أفراد الأسرة وهم يتجهون إلى درعا، إلى أرضهم وذكرياتهم وأقاربهم الذين طال فراقهم.
وتحكي العائلة قصة لجوئها المؤلمة، فبعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، اضطرت إلى الفرار من درعا في 2013 وأقامت شهرين في مخيم الزعتري، وهو مخيم للاجئين السوريين الذين فروا إلى الأردن بعد اشتعال الحرب، قبل أن تنتقل إلى منزل متواضع في المفرق.
ويقول محمد، الذي وصل إلى الأردن وعمره 11 عاما، إنه رغم تعثره في الثانوية العامة وعدم إكمال دراسته بالجامعة بسبب الظروف المادية، ظل حلمه بمواصلة تعليمه يرافقه، واليوم يرى في العودة فرصة جديدة لتحقيق ذلك.
مجموع السوريين الذين غادروا الأردن منذ بداية ديسمبر وحتى الآن بلغ 22215 شخصا، منهم 3106 لاجئين
ويوضح أن عائلته لم تستثمر في الأردن، فقد كان الأمل دائما هو العودة إلى درعا، حيث تنتظرهم أراض وذكريات، إلا أن والده وإخوته عملوا في مهن حرة.
ورغم قلقهم من الأوضاع السياسية في سوريا، إلا أن الشوق للجدة الطاعنة في السن تغلب على كل المخاوف.
يقول محمد “نريد أن نذهب لزيارة جدتنا، فقد اشتقنا لها ولم نرها منذ أكثر من عشر سنوات.”
وبقلوب مفعمة بالتفاؤل، يتشبثون بأمل أن يحمل المستقبل أياما أفضل، حتى لو تطلب ذلك وقتا أطول.
وتشير تقديرات الحكومة الأردنية إلى أن عدد اللاجئين السوريين في الأردن نحو 1.3 مليون.
ومع ذلك، تشير إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وجود حوالي 655283 لاجئا مسجلين رسميا.
يعيش نحو 20 في المئة منهم في مخيمات مثل الزعتري والأزرق، بينما يعيش الباقون في مختلف المحافظات الأردنية.
من جانبه يقول مهندس كهرباء سوري، طلب عدم نشر اسمه، إنه بعد أن أسس عملا خاصا في الأردن ويعيش مع زوجته وطفليه في العاصمة عمان لا يفكر بالعودة إلى سوريا في الوقت الراهن.
ويضيف المهندس الذي لجأ إلى الأردن في 2011 أنه إذا أراد العودة فستكون مجرد زيارة لرؤية عائلته وأقربائه في مدينة حماة مسقط رأسه.
ولا يتوقع أن تستقر الأوضاع في سوريا قريبا ورأى أن هناك حاجة إلى وقت كي تتضح الصورة فيها. وقال إنه سوف يكتفي بمتابعة الأخبار من الأردن والاطمئنان على الأهل أولا بأول.
ويعترف المهندس السوري بأنه لا يريد أن يخسر عمله الذي أسسه في الأردن وخاصة أن المردود المادي جيد مقارنة بالأوضاع الاقتصادية في سوريا.
ويقول “للأمانة فرق صرف العملة مهم جدا وأنا لدي عائلة أفكر بها وبمستقبل أطفالي لذلك لا أريد أن أتخذ قرارا مستعجلا وأندم عليه.”
ويضيف أنه طوال فترة لجوئه بالأردن لم يشعر لحظة بأنه غريب، لأن الأردنيين كانوا كرماء واستقبلوا السوريين بكل حب واحترام وقدروا الظروف الصعبة التي مروا بها.
أما فاطمة الحجي محمد، وهي طالبة سورية تدرس الصيدلة في جامعة الزيتونة الأردنية، فتقول إن والدها قدم إلى الأردن قبل الثورة بثلاث سنوات للعمل لكنه لم يستطع العودة بعد اندلاع الحرب.
وتذكر فاطمة (20 عاما) والتي تعيش مع شقيقاتها الثلاث ووالديها في العاصمة عمان أن والدها كان “قلقا علينا من العودة إلى الوطن في ظل الحرب لذلك بقينا بالأردن.”
وتبين فاطمة أن عائلتها ناقشت مسألة العودة بعد سقوط الأسد وأنهم لم يصلوا إلى قرار نهائي وينتظرون حتى تستقر الأوضاع.
وتضيف “والدي يعمل في قطاع الألبسة منذ زمن، فقد ورث هذا العمل عن أسرته، وهو مستقر في عمله بالأردن. لكن فكرة العودة إلى سوريا بحاجة إلى دراسة جيدة، خصوصا أنني وأختي الكبرى ندرس في الجامعة، وأخوتي الصغار ما زالوا في المدرسة الثانوية والإعدادية.”
وتبين فاطمة أن كلفة الدراسة في مدينتهم حلب رغم أنها أقل بكثير من كلفة الدراسة في الأردن لكن فكرة العودة لا تزال بعيدة.
أما الطالب السوري سهيل عدل الذي يعيش في منزل خاله الذي عاد إلى العمل في الأردن منذ نحو عامين مع زوجته الألمانية، فيقول إن عائلته لا تفكر بالعودة إلى سوريا بالوقت الراهن.
ويبيّن سهيل (20 عاما) أن جزءا كبيرا من أهله “سافروا إلى ألمانيا منذ 12 سنة، وبنوا هناك حياة جديدة وهم مستقرون. لذلك فكرة الرجوع حاليا غير مطروحة لديهم.”
ويضيف “الأوضاع في سوريا ما زالت غير مستقرة حتى الآن، ولذلك نحن بحاجة إلى وقت لاتخاذ القرار، ولكننا بالتأكيد سنزورها كلما أتيحت لنا الفرصة.”
وذكر أن له خالات يعشن في حلب مع أزواجهن وأبنائهن وبالإمكان زيارتهن الآن دون خوف.
من جانبه، قال مدير مديرية الجنسية وشؤون الأجانب باسم الدهامشة لإحدى القنوات الأردنية الرسمية إن مجموع السوريين الذين غادروا الأردن منذ بداية ديسمبر وحتى الآن بلغ 22215 شخصا، منهم 3106 لاجئين.
وأوضح أن العديد من المغادرين كانوا قادمين عن طريق دول أخرى ووصلوا الأردن “ترانزيت”.
وأشار الدهامشة إلى أن الأردن يسمح للاجئين السوريين بالمغادرة باستخدام تذاكر مرور دولية صادرة عن السفارة السورية، مؤكدا أن الأردن لا يجبر أحدا على العودة.