بدأت خارطة الأعمال الدرامية المقرر عرضها في موسم رمضان المقبل تتضح معالمها، ومن بين حوالي 25 مسلسلا مصريا جرى الاستقرار على عرض خمسة أعمال لديها أجزاء سابقة وهي “المداح” و”أشغال شقة” و”جودر” و”كامل العدد” و”العتاولة”، وهي مسلسلات حققت نجاحا واسعا أثناء عرضها في المواسم الماضية ما شجع القائمين عليها لاستثمار هذا النجاح، كما يشير هذا العدد إلى أن آفة نضوب الأفكار أخذت تتفشي مع الشكاوى المستمرة من تراجع جودة الكتابة والتأليف.
ورغم أن مسلسلات الأجزاء المتعددة تشكل إرثا تاريخيا مهمّا للدراما المصرية التي قدمت العديد من الأعمال الناجحة في أجزاء ومواسم مختلفة، من أبرزها “ليالي الحلمية”، إلا أن النجاح ارتبط بالقدرة على تسلسل الأفكار وتطورها وفقا لرؤى كُتاب لديهم خبرات كبيرة في العمل الدرامي، وهو ما افتقدته الدراما في المواسم الماضية التي تعددت فيها الانتقادات الموجهة إلى المسلسلات بسبب ضعف القصة والسيناريو.
ويعد وجود خمسة أعمال درامية تنتمي إلى فئة الأجزاء المختلفة في موسم درامي واحد إشارة إلى وجود أطراف عدة تستفيد من توظيف النجاح السابق لأن شركات الإنتاج لن يكون عليها توفير ميزانيات ضخمة للدعاية والإعلان كما أن تسويقها لعرضها على الفضائيات والمنصات الرقمية لن يواجه صعوبة، فهناك ضمانة أن الجمهور سينجذب إليها، على الأقل في الحلقات الأولى، اعتمادا على الصورة الذهنية السابقة.
ومن الواضح أن المسلسلات التي جرى اختيارها بعناية لتقديم أجزاء أخرى منها كانت في صدارة اهتمامات الجمهور في المواسم السابقة، مثلما هو الوضع بالنسبة إلى مسلسل “المداح” المقرر عرض جزئه الخامس والأخير، كما أعلن صناع العمل هذا العام، علاوة على هيمنة مسلسل “أشغال شقة” بطولة هشام ماجد وأسماء جلال على اهتمامات الجمهور في النصف الأول من رمضان الماضي وعدم قدرة المسلسلات الكوميدية التي جرى عرضها تعويض غيابه عن النصف الثاني، ما دفع نحو تقديم جزء ثان منه مع ضمان جذب الجمهور إليه.
ومنحت فكرة تقديم مسلسلات الـ15 حلقة فرصة أكبر نحو تقديم أجزاء جديدة من الأعمال المعروضة العام الماضي، فالدراما الطويلة مركز عمل صناع الدراما الذين لجأوا إلى إدخال تعديلات على خطط عملهم مع نجاح المسلسلات القصيرة المعروضة على المنصات الرقمية، وبالتالي فإن استكمال حلقات بعض الأعمال في أجزاء جديدة أمر متوقع، وقد يتم تقديم مسلسلات الأجزاء على نطاق أوسع في السنوات المقبلة.
ويواصل صناع مسلسل “العتاولة” بطولة أحمد السقا وطارق لطفي تصوير الجزء الثاني من العمل لعرضه في رمضان المقبل، ودارت أحداث المسلسل حول نصار وشقيقه خضر ويعملان في السرقة والنهب ثم يكتشفان بعد توبة أحدهما عن السرقة أنهما ليسا أخوين، وأن والدتهم سترة العترة التي جسدت دورها الفنانة فريدة سيف النصر، هي من دبرت ذلك حتى تستفيد من غنائم ما يسرقانه معًا.
ويستمر صناع مسلسل “أشغال شقة” في تصوير الجزء الثاني، ودارت أحداث الجزء الأول حول طبيب شرعي يدعى حمدي عبدالرحيم جسد شخصيته هشام ماجد، والذي يُرزق بتوأمين ليبدأ هو وزوجته (أدت دورها أسماء جلال) بالبحث عن مديرة منزل لرعاية الطفلين، لكن هذا لن يحدث بسهولة وتبدأ معاناتهما، وفي ظل انشغالهما بالعمل يعجزان عن الوفاء بمتطلبات الأطفال.
وقالت الناقدة الفنية ماجدة موريس إن استغلال النجاحات السابقة تبقى على رأس أهداف التوسع في تقديم مسلسلات الأجزاء الثانية إلى جانب الخشية من عدم القدرة للوصول إلى الجمهور مع موسم رمضان المزدحم، وأن شركات الإنتاج تهدف إلى تحقيق فوائد سريعة من الأعمال التي تقدمها وتدرك بأن الجمهور الذي تابع المسلسلات في الأعوام السابقة سوف يكون أكثر تقبلا لمشاهدة الأجزاء الجديدة منها.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن هذه المسلسلات على الجانب المقابل تواجه مشكلات عدة، لأنها تكون في حاجة إلى كتابة احترافية، وفي حال لم يتحقق ذلك فإن النتائج تبقى سلبية، مع أهمية الحفاظ على النجوم الذين شاركوا في الجزء الأول وأن استبدال الممثلين يؤثر سلبا على حالة المتعة التي توفرها مسألة تسلسل الأفكار والأحداث، وقدرة الكاتب على تقديم رسائل وقيم جديدة مختلفة عن السابقة هي من تحسم نجاح العمل أو تقود إلى انتكاسة تجعل الجمهور ينصرف عنه.
وشددت على أن مسلسلات الأجزاء التي حققت نجاحات جماهيرية مثل “ليالي الحلمية” و”الشهد والدموع” ضمت فريقا فنيا على مستوى عال من الكفاءة، ولم يكن يقبل على تقديم الأجزاء سوى من لديهم خبرات تؤهلهم إلى ذلك لأن التقاط مشكلات جديدة ووجهات نظر مختلفة في نفس السياق الفني أمر ليس بالسهل.
واعتبرت موريس في حديثها لـ”العرب” أن وجود خمسة أعمال هذا العام هو معدل طبيعي شريطة ألاّ يزيد عن ذلك، وأن وجود مسلسلات قصيرة يشجع شركات الإنتاج على تقدم أجزاء ثانية انعكاسا على ما حققته من نجاحات على المنصات الرقمية، وفي ظل تصاعد نبرة الهجوم التي وجهها نقاد للأعمال الطويلة التي جاء بعضها خاويا ومن دون محتوى يقبل لأن يشاهده الجمهور على مدار 30 حلقة، وأن المخاوف تبقى موجودة من مسألة التطويل في الأجزاء الجديدة.
ويستكمل الفنان ياسر جلال وفريق عمل مسلسل “جودر” تصوير الجزء الثاني من العمل، مع المخرج إسلام خيري، ودارت أحداث الجزء الأول في إطار الدراما الممزوجة بالخيال، حول حياة تاجر ينجب ثلاثة أولاد، سالم وسليم وجودر، وتتعقد حياة جودر، ويصبح في صراع مع العدو شمعون للوصول إلى كنوز الحكيم شمردل الأربعة.
كذلك الوضع بالنسبة إلى مسلسل “كامل العدد” الذي يواصل أبطاله تصوير مشاهدهم في الجزء الثالث لعرضه في رمضان المقبل، بطولة دينا الشربيني وشريف سلامة وإسعاد يونس، من إخراج خالد الحلفاوي، وتأليف رنا أبوالريش ويسر طاهر.
ويستمر الفنان حمادة هلال في تصوير الجزء الخامس من مسلسل “المداح” ويشاركه البطولة هبة مجدي، خالد الصاوي، جوري بكر، فتحى عبدالوهاب، خالد سرحان، دنيا عبدالعزيز، ومن إخراج أحمد سمير فرج.
وقال الناقد الفني أحمد النجار إن شح الأفكار وغياب ما يمسى بـ”السيناريست المبدع” مثل أسامة أنور عكاسة أو محمد صفاء عامر أو صالح مرسي يسهمان في زيادة معدلات مسلسلات الأجزاء، وإن تقييم نجاح الأجزاء الجديدة يتوقف على قدرتها تقديم رسالة إبداعية تفوق ما جرى تقديمه في الجزء الأول، وليس مجرد الاستفادة من نجاح سابق والاستمرار على نفس الوتيرة أو تراجع مستوى الأداء الفني، وهو أمر لا يتحقق غالبا في مسلسلات الأجزاء المعروضة مؤخرا، بالتالي فالفكرة تبقى استثمارية من جانب شركات الإنتاج.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الدراما المصرية تعاني من انتشار ورش الكتابة وغياب من لديهم الأفكار الخاصة بهم التي يمكن أن يقدموها بحرية على الشاشات، وأن غياب أسماء مثل محمد جلال عبدالقوي ومجدي صابر طرح تساؤلات عديدة حول عدم توظيفهم لتحقيق التنوع المطلوب في دراما رمضان، فورش العمل تجد صعوبة في تقديم فكرة ثابتة يسهل تطويرها في الأجزاء المختلفة، وأن المسلسلات التي نجحت العام الماضي مثل “حق عرب” و”جودر” و”أشغال شقة” هي لكاتب واحد وليست نتاج ورش الكتابة.