تستعد ليبيا لاستقبال 2025 بأمل تجاوز نفق الانقسام والخشية من العودة إلى مربع العنف نتيجة التدخلات الخارجية واستمرار نخب الداخل في المماطلة وعرقلة جهود الحل السياسي، بما يحفظ لها امتيازاتها في مراكز القرار السياسي والعسكري والمالي والاقتصادي.
وأعلن رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح أن عملية تشكيل حكومة موحدة جديدة تسير بخطى ثابتة وبالتنسيق الكامل مع مجلس الدولة، وهو ما يرجح أن يتم التوصل إلى تحقيق هذا الهدف في أوائل العام الجديد.
وقال إن اختيار رئيس الحكومة سيتم عبر عملية شفافة في جلسة معلنة لمجلس النواب، مع الترحيب بحضور بعض الأطراف المعنية لضمان نزاهة الإجراءات، مؤكدا أنه تم قبول ملفين إضافيين مستوفيين لشروط الترشح لرئاسة الحكومة، في إطار الجهود المبذولة لتحقيق حكومة موحدة تلبي تطلعات الشعب الليبي، وهو ما يرفع عدد ملفات المرشحين إلى تسعة ملفات.
وأشار صالح إلى زيارة مرتقبة ستؤديها مجموعة من أعضاء مجلس الدولة إلى مدينة القبة (شرق) الأسبوع القادم لمناقشة الخطوات النهائية المتعلقة بتشكيل الحكومة والملفات الوطنية الأخرى.
ويتنازع خالد المشري ومحمود تكالة منصب رئيس مجلس الدولة منذ أغسطس الماضي، ما أدى إلى نشوب خلافات يرى المراقبون أنها تعكس حالة الانقسام السياسي التي تعرفها البلاد.
وينتظر أن تشهد أوائل يناير القادم اجتماع أعضاء مجلسي النواب والدولة في مدينة درنة (شرق)، للنظر في آليات تفعيل اتفاق بوزنيقة الذي أبرم الأسبوع الماضي في المغرب، ومنها تشكيل لجنة عمل مشتركة بشأن إعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة، وهو ما رفضته حكومة الوحدة الوطنية.
وتأتي مساعي مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة موحدة بالتزامن مع تفعيل مبادرة القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا ستيفاني خوري، والتي تشمل تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين، لوضع خيارات تفضي إلى معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، وخيارات لكيفية الوصول إلى الانتخابات في أقصر وقت ممكن، بما في ذلك ما يجري اقتراحه من ضمانات وتطمينات وإطار زمني، كما تتضمن العمل مع الشركاء الليبيين على تيسير ودعم حوار مهيكل، لتوسيع نطاق التوافق على حل مسببات النزاع القائم منذ زمن طويل.
ويشترط مجلس النواب تشكيل حكومة جديدة تبسط نفوذها على مناطق البلاد، قبل الإعلان عن أيّ مبادرة أممية جديدة لحلحلة الأزمة السياسية أو إطلاق مشروع المصالحة الوطنية وتوحيد المؤسسة العسكرية، ويرى أن دون هذا الشرط لا يمكن الحديث عن الاتجاه نحو تنظيم الانتخابات. كما لا يمكن إخراج البلاد من حالة الانقسام التي لا تزال تعاني منها، ويخشى بعض الفرقاء أن تتطور هذه الحالة إلى المزيد من التعقيد.
يضاف إلى ذلك ما أعلن عنه رئيس المفوضية الوطنية للانتخابات في ليبيا عماد السايح ويتمثل في تنظيم المرحلة الثانية من انتخاب المجالس البلدية في 25 يناير المقبل، بعد تسجيل نسبة مشاركة غير مسبوقة في المرحلة الأولى من الاستحقاق البلدي التي انتظمت في 16 نوفمبر الماضي، حيث تجاوزت 77.2 في المئة من المسجلين في السجلات الانتخابية.
وستشمل المرحلة الثانية 59 بلدية في مختلف مناطق البلاد من بينها طرابلس والزاوية وسرت (غرب) وبنغازي وطبرق (شرق) وسبها وغات والجفرة (جنوب)، على أن تنطلق الحملة الانتخابية خلال الأسبوع الأول من يناير، فيما أكدت البعثة وقوف الأمم المتحدة في ليبيا على أهبة الاستعداد لدعم العمليات السياسية والانتخابية التي يقودها الليبيون ويملكون زمامها لتحقيق الشرعية والاستقرار طويل الأمد والتقدم الملموس للبلاد.
وأشار رئيس مفوضية الانتخابات إلى أهمية هذه الانتخابات في تعزيز المشاركة الشعبية وبناء الثقة في النظام الانتخابي، مشددا على أن المفوضية تواصل جهودها لضمان الشفافية والنزاهة في جميع مراحل العملية الانتخابية.
وقال إن المفوضية تسعى لتطبيق القانون، وأن تكون الآليات والإجراءات المتخذة تخدم مصلحة العملية الانتخابية، كما تسعى إلى تحقيق أعلى معايير ومبادئ العملية الانتخابية، ما يبعث في المؤسسة الثقة التي تمثل العنصر الأساسي لاستدامتها وعملها بمهنية.
وتابع “نعمل بمراحل انتقالية تخضع لها الدولة بشكل عام، ومبدأ الحياد هو الأساس في تواصلنا مع الأطراف السياسية، من هم داخل السلطة وخارجها.”
وينتظر الليبيون أن تنعقد قمة أفريقية خاصة بالملف الليبي في أديس أبابا خلال فبراير القادم يتم خلالها التوقيع على ميثاق المصالحة الوطنية. وتمهيدا لذلك أدى الرئيس الكونغولي، رئيس اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي المعنية بليبيا، دنيس ساسو نغيسو زيارة رسمية إلى البلاد اجتمع خلالها مع رئيسي المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية في العاصمة طرابلس ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة المنبثقة عنه والقائد العام للجيش الوطني في بنغازي.
وكانت ليبيا قد شهدت في عام 2024 جملة من الأحداث المهمة كان آخرها في 16 ديسمبر الجاري، عندما أعلنت رئيسة البعثة الأممية بالوكالة ستيفاني عن عملية سياسية جديدة مدعومة من المجتمع الدولي، تهدف إلى حل أزمة القوانين الانتخابية الخلافية وتشكيل حكومة توافقية للوصول إلى الانتخابات عبر تشكيل لجنة استشارية لحلحلة المسائل الخلافية، مشيرة إلى أن “أي حكومة جديدة قد تنبثق عن مفاوضات ليبية – ليبية يجب أن تلتزم التزاما صارما بالمبادئ والضمانات والأهداف والآجال الزمنية للوصول إلى الانتخابات كشرط لشرعيتها والاعتراف بها دوليا.”
وأعلن وفدا مجلسي النواب والدولة المجتمعان بمنتجع بوزنيفة المغربي في 19 ديسمبر، الاتفاق على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا استنادا إلى مضامين المادة الرابعة من اتفاق الصخيرات، وتشكيل لجنة عمل مشتركة بين المجلسين بشأن إعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة تتولى التواصل مع البعثة الأممية ومع مختلف الأطراف المحلية والدولية لدعم مسار الانتخابات.
غير أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، الذي يحظى بدعم المجلس الرئاسي، أكد رفضه التنازل عن السلطة إلا لحكومة تكون منتخبة من قبل الشعب الليبي، ووفق قوانين انتخابية منبثقة عن دستور للبلاد يتم تنظيم استفتاء شعبي بشأنه، وهو ما يشير إلى أن التجاذبات ستتواصل خلال العام القادم، ما لم يتم التوافق على إيجاد آلية أكثر فاعلية لتجاوز حالة الانقسام بين مختلف الفرقاء، فيما يرى المراقبون أن حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي تنعكس سلبا على الأزمة الليبية لاسيما في ظل تفاقم حالة التنافس على النفوذ في المنطقة بين الدول الغربية وروسيا، والتي تعتبر ليبيا نسخة مصغرة منها.
وفي 14 أغسطس صوت مجلس النواب الليبي لصالح سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة وإعادة صفة القائد الأعلى للجيش الليبي إلى رئاسته بما يعني سحبها من المجلس الرئاسي، مؤكدا أن “حكومة أسامة حماد هي الحكومة الشرعية حتى اختيار حكومة موحدة.”
وباعتبار قرار مجلس النواب الليبي بمثابة سحب اعتراف باتفاق الصخيرات لعام 2015 ونتائج ملتقى الحوار السياسي الموقعة في جنيف عام 2021، تم التعامل معه على أنه غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع، فحكومة الدبيبة لا تزال الحكومة المعترف بها دوليا والتي تمارس مهامها من العاصمة طرابلس وتبسط نفوذها على مناطق غرب البلاد، بينما تواصل الحكومة المنبثقة عن مجلس وزراء الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد ممارسة مهامها في شرق وجنوب البلاد وفي مختلف مناطق سيطرة الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر انطلاقا من بنغازي.
الأوضاع في ليبيا لا تزال تراوح مكانها نتيجة تكرار الخيبات وفشل المبادرات وتشكل دكتاتوريات ناشئة، سواء في بنغازي أو طرابلس
وبعد مرور خمسة أيام على قرار البرلمان أعلن المجلس الرئاسي إعفاء محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير من مهامه، على خلفية اعتراضات وتحفظات على طريقة إدارته، وهو ما أدى إلى إغلاق أبواب المصرف عقب تهديد تعرض له عدد من مسؤوليه واختطاف أحدهم من قبل مجموعة مسلحة، ورفضت الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول غربية ما وصفته بـ”قرار أحادي” من طرف المجلس الرئاسي لتغيير مجلس إدارة المصرف وتعيين مجلس إدارة مؤقت.
وانعكست أزمة الانقسام على مجلس الدولة في طرابلس، الذي شهد تصدعا في بنيته الإدارية والسياسية منذ السادس من أغسطس الماضي، عندما شهدت عملية انتخاب رئيسه سجالا بعد جولة الإعادة بين تكالة والمشري، إذ أعلن مقرر الجلسة حصول تكالة على 68 صوتا مقابل 69 صوتا للمشري، ثم ثار نقاش حول قانونية تصويت أحد الأعضاء بعد كتابته اسم تكالة في غير المكان المخصص.
ويشير المراقبون إلى أن الأوضاع في ليبيا لا تزال تتراوح بين التفاؤل من جهة والتشاؤم من جهة أخرى؛ وذلك نتيجة تكرار الخيبات واعتياد الشارع المحلي على فشل المبادرات وتشكل دكتاتوريات ناشئة، سواء في بنغازي أو طرابلس، حيث تخضع البلاد لتنافس على ديمومة السلطة بين القوى المستفيدة منها والتي ترهن قراراتها للأطراف الخارجية المتداخلة في الملف الليبي، وتستقوي بتلك القوى لحسم صراعاتها الداخلية، بينما يبقى الشعب مكتفيا بمشاهدة حلقات المسلسل الانتقالي وما يحيط بها من ظواهر الفساد والاستبداد والتبعية والعبث بمصالح الدولة ووحدة المجتمع.