برزت المؤسسات الأمنية المغربية خلال عام 2024 كجهاز يحظى بمكانة مرموقة في مصاف المؤسسات الأمنية العالمية، وذلك بفضل عملها الاحترافي والمهني، على المستوى الوطني والقاري والدولي، وهو ما أظهره تقرير الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني.
واستعرضت المديرية نتائج عملها منذ بداية العام الجاري في رؤية شاملة لحصيلة العمل في مختلف المجالات التي استجابت لتطلعات المواطنين، خصوصا في مجال المساهمة في التحول الرقمي للخدمات العمومية وتحديث بنيات الشرطة، وجهود تدعيم الشعور بالأمن ومكافحة الجريمة.
وأكد الخبير الأمني محمد أكضيض في تصريح لـ”العرب” على الحضور القوي للمؤسسة الأمنية على المستوى الدولي الذي برز من خلال التعاون الأمني مع مجموعة من نظيراتها في دول غربية وعربية.
وأوضح أكضيض الأدوار المهمة للمغرب في إفشال عدد من المحاولات الإرهابية سواء داخل التراب المغربي هذه السنة أو في دول غربية، وهو ما ميز المؤسسات الأمنية المغربية وبوأها مكانة متميزة، نظير العمل الاحترافي والمهني الذي تقوم به الأجهزة الأمنية.
وأشار الخبير المغربي إلى أن الخلاصة السنوية تشير إلى قوة الأمن المغربي على كافة المستويات التقنية واللوجستية، ما جعله مؤهلا للمساهمة في تأمين عدد من التظاهرات العالمية، وستكون له الكلمة في تأمين احتضان نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2030، والعديد من المؤتمرات الدولية المهمة في جميع المجالات، والتي تجعل هذه المؤسسة شريكا مهما في توطيد مكانة المملكة إقليميا ودوليا.
وتضمنت الإنجازات الأمنية في المملكة تنفيذ آليات تدبير الحياة المهنية لموظفي الشرطة والتواصل المؤسساتي، بما يخلق مناخا وظيفيا مندمجا يسمح بالنهوض الأمثل بمهام خدمة قضايا الأمن، كما تم استعراض المشاريع المزمع إنجازها في مجال الأمن خلال العام القادم. بما يضمن تعزيز انفتاحها على محيطها الخارجي، وتوطيد مرتكزات الحوكمة الأمنية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
واستعرضت المديرية الخطوط العريضة لحصيلة عام 2024 ابتداء من الانتقال إلى المستوى الثاني من استغلال البنية التحتية الرقمية ذات الطبيعة الإدارية المقدمة للمواطنين والمقيمين الأجانب في المغرب.
وتم تنظيم الاستجابة العاجلة لطلبات المواطنين للحصول على الوثائق التعريفية الإلكترونية في بعض المناطق التي تعرضت لكوارث طبيعية أو حالات استثنائية، حيث تم تجنيد مجموعة من الوحدات المتنقلة لمواصلة عملية إنجاز وتجديد الوثائق التعريفية لفائدة ضحايا زلزال الحوز، وتنظيم عملية جديدة مماثلة لفائدة ضحايا الفيضانات التي شهدها إقليم طاطا وبعض مناطق المغرب الشرقي، فضلا عن تنظيم عملية خاصة لفائدة الأشخاص المستفيدين من العفو الملكي.
وقال الأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي إن “حصيلة 2024 توضح بما لا يدع مجالا للشك مدى التواصل الذي تقوم به مديرية الأمن مع المواطن، حيث خرجت المؤسسة الأمنية من الطابع الردعي لتكون في قلب المجتمع.”
المؤسسة الأمنية جددت التأكيد على التزامها بمواصلة الجهود الرامية إلى استتباب الأمن العام، وتدعيم الإحساس بالأمن
واعتبر الشرقاوي في تصريح لـ”العرب” أن “قوة المؤسسة الأمنية اليوم تكمن في قربها من المجتمع، وفي الاحتضان الشعبي لهذه المؤسسة، مسجلا وجود تطور في طريقة تدبير الشأن الأمني بالمغرب يبرز المكانة المتميزة التي تحظى بها هذه المؤسسة ليس فقط وطنيا وإنما دوليا، لأن هذه المؤسسة تكتسب شرعيتها من محبة الناس، وهي مؤسسة فرضت نفسها على مستوى التواصل الاجتماعي والمؤسساتي.”
وتواكب مصالح الأمن الوطني حاليا منظومة الحماية البصرية من خلال اعتماد آلية للمراقبة باستعمال الطائرات دون طيار؛ حيث تم العمل على اقتناء 26 منظومة متكاملة من هذه المسيّرات المخصصة للعمل على مكافحة أنشطة شبكات تنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات على مستوى المنافذ الحدودية، فضلا عن مواكبة الأعمال النظامية الكبرى والمقابلات الرياضية التي من المتوقع أن تحتضنها البلاد خلال السنوات المقبلة، وجرى في هذا السياق تدريب مجموعة من موظفي الشرطة على تسيير هذه الوسائل التقنية واستغلال المحتوى البصري الذي تنتجه في إطار العمليات الأمنية.
وتميزت السنة الجارية بتحقيق ومراكمة العديد من النجاحات والمكتسبات في مجال التعاون الأمني الدولي، فقد جرى انتخاب مرشح المديرية العامة للأمن الوطني كنائب لرئيس المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (أنتربول) عن قارة أفريقيا، وتتطلع المديرية العامة للأمن الوطني، من خلال عضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة الأنتربول، إلى تطوير آليات العمل الأمني الأفريقي وتعزيز التعاون الشرطي في بعده جنوب – جنوب.
وتم الانفتاح على شركاء دوليين جدد في أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، بما يخدم مصالح المملكة في هذه المناطق، إضافة إلى تدعيم الشراكة الأمنية مع فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا، من خلال مضاعفة الزيارات واللقاءات المتبادلة مع المدراء العامين لجهاز الأمن الداخلي.
وفي الشق المتعلق بالتعاون الأمني الشامل ومتعدد الأطراف، واصلت المديرية العامة للأمن الوطني تعزيز تعاونها مع المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالتعاون الأمني، ومع مكاتب الأمم المتحدة المكلفة بمكافحة الجريمة والمخدرات وحماية النساء ضحايا العنف.
وتسعى السلطات في عام 2025 لمواصلة مسار استثمار المكتسبات المحققة على مستوى تحديث البنيات والخدمات الشرطية، مع تنفيذها بشكل يرتقي إلى الاستجابة لانتظارات المواطنين من المرفق العام الشرطي، كما تعتزم تقوية وتمتين التعاون الأمني الدولي من خلال تقاسم تجربتها في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة مع الدول الصديقة والشريكة ومع مختلف المنظمات الدولية المهتمة بالعمل الشرطي.
وفي ما يخص الاستعدادات الأمنية لتنظيم تظاهرات رياضية كبرى من قبيل بطولة كأس أمم أفريقيا 2025 وبطولة كأس العالم 2030، يجري التخطيط لإطلاق جملة من المشاريع وبرامج التأهيل المهني وتأهيل المرافق، من بينها الانخراط بشكل كامل في برنامج “ستاديا” الذي تشرف عليه المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، ويسعى لتقاسم الخبرات وترصيد المكتسبات في مجال بناء قدرة أجهزة الشرطة على تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى.
ومن بين المشاريع المهيكلة أيضا في مجال الاستعداد لتنظيم تظاهرات رياضية كبرى، مواصلة عملية تأهيل مصالح الأمن الرياضي وتزويدها بالوسائل اللوجستية والعملياتية والموارد البشرية المؤهلة، فضلا عن إحداث مجموعة من الفرق والمصالح الجديدة، وفي مقدمتها فرق الشرطة السينوتقنية بمدن أكادير والرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش وطنجة، التي من المتوقع أن تحتضن منافسات كأس العالم 2030.
وفي الجانب المتعلق برقمنة مصالح الأمن الوطني وربطها بقواعد بيانات أمنية متكاملة، يرتقب أن تشهد سنة 2025 الانتقال إلى مستوى متقدم من عملية رقمنة قاعات القيادة والتنسيق وربطها معلوماتيا بدوريات ووحدات الشرطة العاملة بالشارع العام، خصوصا في ظل مواصلة تجربة العمل بالدوريات الذكية وإدماج برامج الذكاء الاصطناعي في مجال حركة المرور في الطرقات، وذلك في أفق انخراط مصالح المديرية العامة للأمن الوطني خلال السنوات المقبلة في تنزيل منظومة المدن الأمنية الذكية.
وجددت المؤسسة الأمنية التأكيد على التزامها بمواصلة الجهود الرامية إلى استتباب الأمن العام، وتدعيم الإحساس بالأمن، وتجويد الخدمات المقدمة للمواطن وللأجنبي المقيم والسائح، فضلا عن النهوض بالأوضاع المهنية والاجتماعية لكافة منتسبي أسرة الأمن الوطني.