تسعى تركيا إلى السيطرة على مختلف التفاصيل في سوريا الجديدة من خلال التدخل المباشر في عمل القيادة الجديدة وخططها للمرحلة القادمة، في إعادة لإنتاج نظام الانتداب البريطاني – الفرنسي على المنطقة.
ولا يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تكتفي بلاده بتقديم الدعم العسكري والاستخباري للمجاميع الإسلامية المسلحة، كما كانت تفعل إيران بدعمها لبشار الأسد، وإنما هو يعمل على تحقيق سيطرة عامة على سوريا، ولكن من وراء الستار بأن يدفع قادة المرحلة الجديدة إلى الإعلان صراحة عن تنفيذ ما تريده أنقرة بشكل حرفي، من ذلك جعل مهمة إعادة الإعمار أمرا مخصوصا لتركيا وشركاتها مثلما أشار إلى ذلك رجل المرحلة التركية في سوريا أحمد الشرع، المعروف بأبومحمد الجولاني.
وستكون سوريا، وفق التصور التركي، أشبه بإدارة ذاتية تكون مهمتها إدارة المؤسسات والظهور في المشهد كما لو أنها دولة صاحبة قرار في حين أنها في الواقع تنفذ سياسات الحكومة التركية عن طريق مندوب سام ترضى عنه تركيا في نظام حكم شبيه بنظام الانتداب البريطاني – الفرنسي في مرحلة الاستعمار.
والانتداب تاريخيا جعل الدول التي طالها كمحميات في فترة ما قبل نهاية الاستعمار. وإذا كان المندوب في السابق يتم تعيينه بشكل معلن ويتمثل عمله الأساسي في استعمال القوة لفرض الأمر الواقع على سكان البلد الواقع تحت الانتداب، فإن المندوب في الوقت الحالي يمكن أن يغير ظهوره وطريقة حكمه، إذ قد يتم انتخابه محليا لإكسابه مشروعية شعبية وتخفيف الضغوط عن أنقرة كداعم له.
وقال الرئيس التركي إن تركيا ستساعد الإدارة السورية الجديدة في بناء هيكل الدولة وصياغة دستور جديد، مضيفا أن أنقرة تتواصل مع دمشق في هذا الشأن. وأبلغ أردوغان صحافيين بأن وزير الخارجية هاكان فيدان سيزور دمشق قريبا لمناقشة “الهيكل الجديد”. وجاءت تعليقاته خلال رحلة العودة من اجتماع منظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي الذي استضافته مصر.
وأضاف أنه يأمل في أن يؤدي تشكيل الإدارة السورية الجديدة إلى مستوى جديد من العلاقات الثنائية، وتابع أن من المهم رفع العقوبات التي فرضت على سوريا حتى تتمكن البلاد من إعادة الإعمار.
ويستبطن الجولاني فكرة أن تركيا هي صاحبة الفضل وأن لها الأولوية في ما يتعلق بإعادة الإعمار، ما يمهد الطريق أمام تركيا لوضع يدها على الاقتصاد السوري في المستقبل، كما ستتاح فرص واعدة للشركات التركية العاملة في مجالات التشييد والإسمنت والصلب في سوريا.
وقال الجولاني في مقابلة مع صحيفة “يني شفق” التركية إن أنقرة احتضنت السوريين الفارين من الحرب واحترمتهم أكثر من أي دولة أخرى، مضيفا “آمل ألّا تنسى سوريا هذا اللطف.” وأكد على أن تركيا ستكون لها الأولوية في إعادة بناء الدولة السورية الجديدة بما في ذلك العلاقات التجارية المتبادلة.
وتابع “إننا نثق بقدرة تركيا على تقاسم تجربتها التنموية الاقتصادية.” وأضاف أن القيادة الجديدة تركز على إعادة بناء سوريا، وأن الأولوية العاجلة ستكون استعادة الاستقرار وتوفير الخدمات الأساسية للشعب، مثل الأمن والكهرباء والغذاء والوقود.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، أصبحت تركيا الدولة المضيفة لأكبر عدد من اللاجئين السوريين، حيث بلغ عددهم نحو 3.6 مليون لاجئ. كما قدمت دعما سخيا للفصائل المسلحة ولعبت دورا كبيرا في بناء قدراتها العسكرية وحتى في هيكلتها وتنظيمها.
◙ سوريا الجديدة ستبدو كما لو أنها دولة صاحبة قرار في حين أنها تنفذ سياسات أنقرة عن طريق مندوب سام ترضى عنه تركيا
ويعتقد عمر أوزكيزيلجيك، الخبير في مركز أبحاث المجلس الأطلسي، أن تركيا ستصبح الفاعل الأجنبي الأكثر تأثيرا في سوريا. وكتب أوزكيزيلجيك “من المرجح أن تستغل تركيا الوضع الحالي في سوريا للتفاوض بشكل أكثر فاعلية مع موسكو وطهران، ولديها إمكانية للتوصل إلى اتفاق مع إدارة دونالد ترامب المقبلة.”
وأدرجت تركيا هيئة تحرير الشام منظمةً إرهابية، لكن كان هناك تعاون بين الطرفين، ولو بشكل غير مباشر، وهو ما يفسر العلاقة المتينة حاليا بين تركيا والشرع، وكذلك القدرات العسكرية والميدانية لمقاتلي هيئة تحرير الشام، وهو أمر لا يحصل إلا بدعم مباشر من بلد قوي مثل تركيا.
وأرسلت أنقرة مساعدات إلى منطقة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام منذ سنوات. واعترف وزير الخارجية التركي بأن بلاده كانت تعلم أن شيئا ما سيحدث في سوريا.
ويرى المحلل التركي فهيم تستكين أن العلاقات بين تركيا وهيئة تحرير الشام أوثق مما هو معلوم للرأي العام. وقال “لقد حظيت هيئة تحرير الشام بدعم وحماية وتفضيل تركيا لسنوات عديدة،” موضحا في المقابل أن المشكوك فيه هو مدى قوة تأثير أنقرة على الإسلاميين في المستقبل، لأن هيئة تحرير الشام بدأت تحرر نفسها تدريجيا من تبعيتها لأنقرة.