رسمت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني صورة متشائمة حيال الاقتصاد المصري حينما خفضت توقعات النمو للسنة المالية الحالية التي بدأت في يوليو الماضي من 4.2 في المئة إلى 3.7 في المئة.
وعزا خبراء الوكالة ذلك إلى الأداء الأضعف من المتوقع في الربع الأخير من السنة المالية السابقة، واستمرار تراجع حركة الملاحة في قناة السويس، ووسط تحديات جيوسياسية وضغوط اقتصادية داخلية مستمرة.
واستندت التوقعات المحدثة والمنشورة في تقرير حديث للوكالة على منصتها الإلكترونية إلى تراجع الزخم الاقتصادي في الربع الثاني من 2024، حيث انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 2.4 في المئة، وهو أقل بكثير من التقديرات الحكومية الأولية التي بلغت 4 في المئة.
وكانت العوامل الرئيسية وراء هذا الانخفاض استمرار تراجع التجارة عبر البحر الأحمر نتيجة الصراعات الإقليمية، وهو ما أثر بشكل مباشر على قناة السويس، التي تعد مصدر دخل أساسيا للاقتصاد المصري.
وهبطت إيرادات القناة خلال الفترة بين أبريل ويونيو الماضيين إلى أدنى مستوى فصلي لها منذ 19 عاماً، حسب ما أظهرته بيانات ميزان المدفوعات للبنك المركزي المصري.
وبلغت إيرادات القناة حوالي 870 مليون دولار في الربع الثاني، في تراجعٍ بنحو 65 في المئة بمقارنة سنوية، على خلفية تراجع عدد السفن العابرة للقناة إلى النصف تقريباً.
ورغم التحديات الحالية أبدت فيتش تفاؤلا حذرا بشأن آفاق الاقتصاد المصري على المدى المتوسط، إذ توقعت أن يرتفع النمو إلى 5.1 في المئة خلال السنة المالية المقبلة، مدعوماً بسيناريو عودة الملاحة في البحر الأحمر إلى طبيعتها وتحسن أداء قطاع الخدمات.
وأيضا ربط خبراء الوكالة تحقيق ذلك النمو بانخفاض حدة التوترات الجيوسياسية وتكاليف الاقتراض، والذي سيؤدي إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز النشاط المحلي.
وأظهرت السياحة مرونة رغم الصراعات الإقليمية، إذ استقبلت مصر 7.1 مليون سائح في النصف الأول من 2024، وهو عدد مماثل تقريبا لما تحقق في 2023. كما يُتوقع أن تنمو الصادرات غير النفطية، مستفيدة من انخفاض قيمة الجنيه الذي عزز تنافسية البلد.
وتراجعت قيمة العملة المصرية لتتخطى حاجز 50 جنيها مقابل الدولار مسجلة أدنى مستوياتها على الإطلاق، ما يسلط الأضواء على مدى مرونة سعر الصرف التي تشكل إحدى ركائز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد ذكر أن تحرك العملة صعودا ونزولا في حدود 5 في المئة أمر طبيعي وفق حركة الطلب على الدولار، مرجحاً استمرار تلك الحركة في الفترة المقبلة.
في هذه الأثناء ترجح فيتش تراجع التضخم إلى 16 في المئة بنهاية فبراير المقبل نتيجة لتأثيرات سنة الأساس، لكنها أشارت إلى أن الزيادات المؤقتة الناجمة عن الزيادات في أسعار الوقود والكهرباء ستبقيه فوق النطاق المستهدف للبنك المركزي.
مليون دولار قيمة إيرادات قناة السويس في الربع الثاني، في تراجعٍ بنحو 65 في المئة بمقارنة سنوية
وتتراوح الزيادات بين 5 و9 في المئة، وهو ما دفع فيتش إلى خفض توقعاتها لإجمالي التيسير النقدي المتوقع في 2025 من 1200 نقطة أساس إلى 900 نقطة أساس.
وتباطأت وتيرة التضخم الشهر الماضي لتسجل أدنى مستوى لها منذ نهاية 2022 لتصل إلى 25.5 في المئة على أساس سنوي، مقارنةً مع 26.5 في المئة في أكتوبر، بحسب بيانات جهاز الإحصاء الحكومي.
وتوقع تقرير فيتش تقلص عجز الحساب الجاري لمصر من 6.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الأخيرة إلى 4.8 في المئة خلال السنة المالية الحالية، وإلى 3.8 في المئة خلال السنة المالية المقبلة.
ويفترض أن تلتزم القاهرة بدفع ديون مستحقة تصل إلى 15 مليار دولار على مدى العامين المقبلين، بحسب فيتش التي توقعت أن تتم تغطيتها عبر إصدار الديون والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ويرجع توسّع عجز الميزان التجاري إلى انخفاض إنتاج النفط والغاز في مصر على خلفية تقادم الحقول وتأخر الاستثمارات ونقص الاكتشافات الجديدة. وأدت هذه العوامل إلى تقليص عائدات الصادرات وزيادة اعتماد البلاد على واردات الهيدروكربونات لتغطية احتياجاتها الداخلية.
وعلاوة على ذلك زادت الحرب المستمرة في المنطقة من المخاطر الجيوسياسية التي تواجهها مصر، ما أثر على مناخ الأعمال ودفع المستثمرين الأجانب في البورصة إلى تبني موقف الانتظار والترقب، وهو ما أدى إلى انخفاض التدفقات الرأسمالية.
ويعتقد خبراء فيتش أن نجاح إعادة التفاوض بشأن برنامج صندوق النقد قد يعزز ثقة المستثمرين ويخفف من ضغوط التضخم. وبدأ الصندوق مطلع نوفمبر الماضي المراجعة الرابعة لبرنامج مصر للإصلاح الاقتصادي، تمهيداً لصرف شريحة بقيمة 1.3 مليار دولار من قرض الصندوق، ضمن حزمة تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد دعا في أكتوبر صندوق النقد إلى إعادة تقييم برنامجه الخاص بالإصلاحات الاقتصادية بسبب الضغوط التي يواجهها المواطنون، والناتجة عن الأحداث المحيطة في المنطقة.