عربي ودولي

ليبيا بديل محتمل للقواعد العسكرية الروسية في سوريا
ليبيا بديل محتمل للقواعد العسكرية الروسية في سوريا
يضع سقوط النظام السوري المفاجئ والسريع المكاسب الإستراتيجية لروسيا في الشرق الأوسط وأفريقيا على المحك، إذ لا يزال مصير قواعدها العسكرية يكتنفه الغموض، فيما تعكس تحركات القطع البحرية الروسية في المتوسط أن موسكو ربما تستعد لنقل قواعدها إلى ليبيا إذا ما فشلت في الاتفاق مع السلطات الجديدة في سوريا.

ويرجّح محللون أن تفقد موسكو هذه الميزات الإستراتيجية وهو ما تفسره دعوات ضمنية من قبل حكام سوريا الجدد بضرورة مراجعة موسكو لتواجدها في البلاد. إلا أن ذلك لا يعني استبعاد سيناريو التوصل لاتفاق مع السلطات الجديدة. ويشير المحللون إلى أن تطورات الأحداث في سوريا ومدى الدعم الغربي والإقليمي للسلطات الجديدة في سوريا سيحدد مآل القواعد العسكرية الروسية.

شرق ليبيا
أفاد مسؤولون أميركيون وليبيون أنّ روسيا تسحب أنظمة دفاع جوي متقدّمة وأسلحة متطورة أخرى من قواعدها في سوريا وتنقلها إلى ليبيا. وقال المسؤولون إنّ طائرات شحن روسية نقلت معدّات دفاع جوي، بما في ذلك رادارات لأنظمة اعتراضية من طراز إس – 400 وإس – 300، من سوريا إلى قواعد في شرق ليبيا تسيطر عليها قوات قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر المدعومة من موسكو. كما نقلت روسيا قوات وطائرات عسكرية وأسلحة من سوريا في إطار خفض كبير لوجودها هناك.

ويقول محللون إن روسيا تسعى الآن إلى استخدام شريك قديم آخر في ليبيا كوسيلةً للاحتفاظ بنفوذها في المنطقة ودعم الوجود البحري فيها، حيث توجد للولايات المتحدة وأعضاء آخرون في حلف شمال الأطلسي قواعد وسفن حربية. وتتمتّع روسيا بالفعل بحضور في ليبيا، من خلال مجموعة فاغنر شبه العسكرية والتي استخدمت مرافق ليبية كالقاعدة الجوية في الشرق مركزَ عبور إلى دول أفريقية أخرى.

ويقول الأكاديمي الليبي مصطفى الفيتوري إن روسيا كانت تستخدم القواعد الجوية والبحرية في سوريا كنقطة عبور لأنشطتها العسكرية المتزايدة في أفريقيا، مما يعني أن موسكو حريصة على إيجاد بديل لسوريا وكل المؤشرات تشير إلى أن ليبيا من المرجح أن تكون هذا الخيار.

وتتمركز معظم القوات الروسية في ليبيا الآن في قاعدة الخادم الجوية شرق بنغازي مباشرة، وقاعدة الجفرة الجوية جنوب العاصمة طرابلس، وقاعدة القرضابية الجوية بالقرب من سرت (وسط ليبيا) وقاعدة براك الشاطئ الجوية (جنوب ليبيا).

وتقع هذه القواعد الجوية، خاصة بالقرب من سرت، بشكل إستراتيجي على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ويمكن أن تلعب دوراً مهماً في حال اندلاع أيّ مواجهة، مهما كانت غير محتملة، بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، نظراً إلى أن التحالف الغربي لديه قاعدة جوية بحرية رئيسية في سيجونيلا في صقلية على بعد نصف ساعة طيران من ليبيا.

وفي العام الماضي، التقى مسؤولون روس كبار مع حفتر لمناقشة حقوق الرسوّ طويلة الأجل في موانئ بنغازي أو طبرق. وقال أحد المسؤولين الأميركيين إنّ موسكو تدرس إمكانية تطوير منشآتها في طبرق لاستيعاب السفن الحربية الروسية. ويقول المحلّلون إنّ القواعد الجوية والبحرية في ليبيا لن تعوّض بشكل كامل ما قد تخسره روسيا في سوريا.

الاتفاق ممكن
كان سقوط النظام السوري بمثابة ضربة قوية للمصالح الروسية في سوريا إذ أن المتمردين الآن في السلطة هم نفس المتمردين الذين تقصفهم روسيا منذ ما يقرب من عقد من الزمان. ويرى نيكيتا سماجين الخبير في الشؤون الإيرانية في المجلس الروسي للشؤون الدولية في تقرير نشره مركز كارنيغي للسلام أن ذلك لا يعني أن السياسة الخارجية للكرملين في الشرق الأوسط في حالة يرثى لها.

ويضيف سماجين أن هناك سيناريو آخر حيث يمكن لروسيا أن تبرم صفقة مع الحكومة السورية الجديدة. ويؤكد أنه مع إتقان روسيا للتوصل إلى تسوية مع المتطرفين في جميع أنحاء العالم، فإن هذه النتيجة أكثر ترجيحا مما قد يبدو للوهلة الأولى. وقد يقدّم الكرملين الدعم والشرعية الدولية للحكام الجدد في دمشق مقابل السماح له بالاحتفاظ بقواعده العسكرية في البلاد.

وقد تقود هذه الإستراتيجية، التي تحاول مقايضة الاعتراف الدولي بهيئة تحرير الشام في مقابل الاحتفاظ بقواعد عسكرية في سوريا، روسيا في اتجاهين. أولا، قد تختار موسكو إنشاء وتقديم الدعم العسكري للحكم الذاتي العلوي في اللاذقية السورية (يخشى العلويون الإسلاميين)، حيث توجد القواعد الروسية. وهذا سيكون مماثلا للطريقة التي دعمت بها الولايات المتحدة الأكراد السوريين، الذين يسيطرون حاليا على مساحات كبيرة من شمال البلاد.

وثانيا، قد تدفع الحاجة إلى التوصل إلى اتفاق مع هيئة تحرير الشام روسيا إلى تعزيز التعاون مع جميع أنواع الجماعات المتطرفة على مستوى العالم. وبهذه الطريقة، قد ينتهي الأمر بروسيا إلى تقديم الشرعية لمجموعة كاملة من الجماعات المتطرفة التي استولت على السلطة في بلدان في جميع أنحاء العالم، في مقابل المعاملة التفضيلية.

وفي خضم حالة عدم اليقين التي تحيط بالتحول الحالي في دمشق، يركز المسؤولون الروس على الاحتفاظ بالقاعدتين العسكريتين. وقد تواصلت موسكو بالفعل مع المتمردين المنتصرين، الذين قدموا ضمانات أمنية أولية، مما يشير إلى أن لديها فرصة معقولة للاحتفاظ بالقاعدتين.

وسوف تحتاج موسكو إلى الاتفاق على شكل من أشكال التعاون طويل الأجل مع أولئك الذين كانت حتى وقت قريب تطلق عليهم وصف الإرهابيين. لكنها أظهرت مرارا وتكرارا مرونة شديدة في مثل هذه القضايا.  وعلى سبيل المثال، صنفت روسيا حركة طالبان في أفغانستان منذ وقت ليس ببعيد على أنها حركة إرهابية غير قانونية، ولكنها الآن أصبحت شريكا قيما. وهناك عملية مماثلة جارية بالفعل في سوريا.

وفي غضون ساعات من سقوط دمشق، تحولت وسائل الإعلام الروسية الرسمية إلى تسمية المتمردين “بالمعارضة المسلحة السورية” بدلا من “جماعة إرهابية”، وتم استبدال العلم الموجود على السفارة السورية في موسكو بالعلم الذي تستخدمه المعارضة. وتعتمد فرص روسيا في الاحتفاظ بوجودها في سوريا على ما إذا كانت هيئة تحرير الشام قد تحولت حقا من مجموعة من المسلحين المقربين من تنظيم القاعدة إلى قوة براغماتية منفتحة على التسوية.

19 ديسمبر 2024

هاشتاغ

التعليقات