تثير حالة الشغور في عدد من المناصب القيادية الهامة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني، قلقا متزايدا في الوسط الإعلامي وتساؤلات حول أسباب هذا التأخير الذي لم يتم توضيحه بشكل رسمي من قبل الجهات المعنية، التي تؤكد في نفس الوقت أن الإعلام الوطني أحد عوامل قوة الدولة الأردنية لاسيما في الظرف الراهن والتحديات الداخلية والخارجية التي تستوجب خطة متكاملة بإدارة فاعلة لأهم مرفق إعلامي في البلاد.
ومنذ مطلع أكتوبر الماضي يعاني قطاع الإنتاج والخدمات في مؤسسة التلفزيون من فراغ، إضافة إلى منصب مدير المديرية، ومدير المديريات المتخصصة، وهذا التباطؤ في تعيين القيادات الوسطى قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على سير العمل داخل المؤسسة، ويثير قلقًا بين العاملين الذين يتطلعون إلى قيادة فاعلة لتوجيه الدفة في هذا الظرف الحساس في البلاد.
ويواجه الأردن تحديات كثيرة داخليا وخارجيا، منها ما يتعلق بالأوضاع الإقليمية المحيطة بحدوده مع سوريا والأراضي الفلسطينية، وكل هذه الأزمات تنعكس عليه بشكل من الأشكال وتتطلب قيادة إعلامية تحدد إستراتيجية للتعامل مع هذه الأزمات وتوجيه الرأي العام.
ويحمّل مراقبون الحكومة مسؤولية تردي الإعلام الأردني وتراجعه، ولا تحتوي برامجها أيّ إرادة سياسية لتقويتها وتعزيز دورها، وأبرز مثال على هذا الواقع إهمال تنصيب مدير لمؤسسة التلفزيون.
مشاكل عميقة في الإعلام يجري التعامل معها باستخفاف مثل إهمال تعيين مدير للتلفزيون منذ أشهر
وأفادت مصادر داخل مؤسسة التلفزيون أن هناك تحديات تنظيمية وإدارية قد تكون وراء هذا التأخير في التعيينات، في وقت يأمل فيه العاملون أن يتم اتخاذ إجراءات سريعة لتعيين المسؤولين في هذه المناصب المهمة لضمان استمرارية الأداء الإعلامي بكفاءة.
وتؤكد المصادر أن هناك إشكاليات عميقة في التلفزيون يجري السكوت عنها أو التعامل معها باستخفاف ولامبالاة ويتجاهل صناع القرار ما يجري فيها دون رؤية وأهداف وبرامج وخطط وجداول زمنية، ومعايير قياس وتقييم ومراجعة.
ويجتهد العاملون في التلفزيون في حدود الإمكانات المتاحة، مع وجود ثغرات تعيق العمل والإنجاز من أهمها شغور العديد من المراكز القيادية وتركيز الصلاحيات في يد عدد قليل من المسؤولين، وهو ما يساهم في مركزية القرارات ودخول العوامل المزاجية في عملية اتخاذها.
ويؤكد متابعون أن مدير التلفزيون منصب مهم للغاية ولا يجوز أن يظل شاغرا وقد تعاقبت على هذا الموقع أسماء كبيرة كانت لها بصمات في مسيرة التلفزيون، واليوم في ظل التحديات الراهنة والظرف الاستثنائي الذي تمر به المنطقة وألقى بظلاله على الأردن لا يجوز أن يبقى المنصب شاغرا. وأضاف هؤلاء أن بقاء المنصب شاغرا منذ أشهر يتناقض مع التصريحات الرسمية التي تؤكد أهمية الإعلام الوطني ودوره المهم والحيوي في نقل المعلومات والحقائق للمواطنين.
وتأتي حالة الاستياء من تجاهل وضعية مؤسسة التلفزيون بالتزامن مع تأكيد وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني أن الإعلام الوطني يُعدّ عاملاً مهماً من عوامل قوة الدولة الأردنية ويسهم في الدفاع عنها أمام التحديات المختلفة.
وقال المومني “من مصلحتنا كمجتمع أن يكون لدينا إعلام قوي قادر على أداء عمله بشكل مهني واحترافي وحيادي من خلال البحث عن الحقيقة الكاملة ونقلها إلى المواطنين“.
وجاء حديث الوزير خلال لقائه عدداً من مسؤولي الإذاعات الرسمية والمحلية، في وزارة الاتصال الحكومي، السبت الماضي ضمن اللقاءات التفاعلية الدورية التي تنظمها الوزارة مع قطاعات إعلامية مختلفة في المملكة، لمناقشة المشهد الإعلامي الوطني بشكل موضوعي ومؤسسي؛ بهدف التعامل مع التحديات وتجويد العمل.
وأكد أن الحكومة ستبقى الداعم الأول للإعلام وستقدم كل ما تستطيع في سبيل الارتقاء بالمنظومة الإعلامية الوطنية. والمرحلة المقبلة التي تأتي بعد الانتهاء من عقد اللقاءات مع قطاعات مختلفة من الجسم الإعلامي تتمثل بتشكيل مجموعات متخصصة لكل قطاع من القطاعات الإعلامية، وتقوم هذه المجموعات بتقديم توصيات قابلة للتطبيق، وإيجاد طرق عملية فعالة لتحسين بيئة العمل الخاصة بهم من خلال اتجاهين؛ تطوير المحتوى الرقمي، وبيان أهم التحديات التي يواجهها كل قطاع ليتم التعامل معها ومساعدتهم لتجاوزها.
تفعيل دور الناطقين الإعلاميين باسم الوزارات والمؤسسات الحكومية بشكل أكبر، وتعزيز انسيابية تدفق إيصال المعلومات إلى الإذاعات
وقال المومني في هذا الإطار “الهدف من تشكيل هذه المجموعات هو وضع خطة عمل تنفيذية على مدار السنوات المقبلة نستطيع من خلالها مساعدة القطاعات الإعلامية المختلفة في سبيل تطوير قطاعها في الاتجاه الذي تراه مناسبا،” مؤكداً أن النظرة المستقبلية لتجويد المنتج الإعلامي وتحسينه يجب أن تنسجم خطواتها مع المشروع التحديثي للدولة بمساراته الثلاثة؛ السياسي والاقتصادي والإداري.
وأشاد بدور الإذاعات المحلية في إيصال صوت المجتمع والدولة ورسائلها عبر الأثير، إضافة إلى أهميتها في توعية المواطنين حول العديد من الموضوعات والقضايا المختلفة.
كما أشار إلى أن إنتاج المحتوى الإعلامي التقليدي يختلف اختلافًا كلياً عن إنتاج المحتوى الرقمي الحديث، لافتا إلى أن عصر السرعة والتطور التكنولوجي فرض إيجاد طرق سريعة ومختصرة ودقيقة لإيصال المعلومة إلى المتلقي، لافتاً إلى الفرق بين المحتوى الإبداعي الذي يُعد جاذباً لمشاهدات المتلقيين مقارنة مع المحتوى غير الإبداعي.
وعلى الرغم من تضمن خطابات الحكومات تعهدات بصون الحريات، ولاسيما حرية الإعلام وتفعيل دوره كسلطة رابعة، وعلى الرغم مما تعيشه الصحافة الأردنية من تحديات وأزمات غير مسبوقة في السنوات الماضية، يشير صحافيون إلى أن آخر إستراتيجية وضعت لدعم الإعلام كانت في عام 2011 إبان “الربيع العربي”، وانتهت بعد خمس سنوات من دون أن تحقق إنجازات تذكر.
وتركزت مداخلات مسؤولي الإذاعات المحلية وملاحظاتهم في مجملها على إنتاج المحتوى الرقمي السريع المختلف عن المحتوى التقليدي وأبرز التطلعات المستقبلية لإنتاج محتويات رقمية جيدة وشيقة تخدم المصلحة العامة وتكسر الأنماط التقليدية.
وأكدوا أهمية هذه اللقاءات الدورية التي تعكس التشاركية بين وزارة الاتصال الحكومي والإعلام الوطني، مشيرين إلى أن الإذاعات المحلية تعد من أهم الأدوات الوطنية التي تلاقي رواجاً واسعاً من خلال تركيزها على محتويات وطنية هادفة تعكس متطلبات الشارع وتظهر الصورة الإيجابية للمجتمع الأردني الكبير.
ومن بين التوصيات، تفعيل دور الناطقين الإعلاميين باسم الوزارات والمؤسسات الحكومية بشكل أكبر، وتعزيز انسيابية تدفق إيصال المعلومات إلى الإذاعات، خصوصاً في البرامج الإذاعية الصباحية الخدمية والبث المباشر. وأشاروا إلى ضرورة تكاتف الجهود وتنسيقها وتوحيدها في سبيل الارتقاء بجودة المنتج الإعلامي وتسهيل المعلومة وتطوير عمل الإعلام الرقمي في المؤسسات الإعلامية الرسمية.