يمثل التطور المذهل للطاقة المتجددة في المغرب المدفوع بنظام بيئي ديناميكي للطاقة الخضراء رافدا تنمويا، إذ يوسع هذا النظام البيئي فرص العمل للنساء والشباب والسكان الريفيين.
ويرى محللون أن الطاقة المتجددة ستساهم بشكل أكبر في تحقيق طموح المغرب الوطني ليصبح مجتمعا أكثر ازدهارا من خلال التنمية البشرية المستدامة.
ويقول البروفيسور مايكل تانشوم، وهو باحث غير مقيم في برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد مونتريال للاقتصاد، في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط، إنه لكي تتمكن الصناعات التحويلية الخضراء وإنتاج الأغذية الزراعية الخضراء والأعمال الزراعية، وشركات الحلول المستدامة ذات الصلة، فضلا عن صناعات خدمات البيع بالتجزئة والمبيعات المجاورة من توسيع فرص العمل بشكل كبير، تحتاج هذه القطاعات إلى توليد الشركات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا.
وتمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة حوالي 95 في المئة من نشاط القطاع الخاص في المغرب و50 في المئة من خلق فرص العمل.
ويشير تانشوم إلى أن نهج المملكة في تحقيق مجتمع مزدهر من خلال التنمية المستدامة وتوسيع نطاق تشغيل الشباب والنساء سوف ينجح إلى الحد الذي يشجع فيه نظامها البيئي للطاقة الخضراء روح المبادرة بين هذه الفئات.
الطاقة المتجددة ستساهم بشكل أكبر في تحقيق طموح المغرب ليصبح مجتمعا أكثر ازدهارا من خلال التنمية البشرية المستدامة
ويمثل إنشاء التصنيع الأخضر والحلول المستدامة للمؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم التي بدأت في بداية العقد الحالي موجة ثالثة من التطور في النظام البيئي للشركات الناشئة في المغرب.
وتتطلب هذه المرحلة الجديدة ديناميكية ذاتية الاستدامة من الأسفل إلى الأعلى حيث تخلق المؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم في الصناعة الخضراء والقطاعات المجاورة فرصا كافية للتوظيف وتنمية المهارات الناعمة لتحفيز نمو المزيد من المؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم التي ستفعل الشيء نفسه بدورها.
ولتحقيق هدف توليد ودعم ديناميكية ذاتية الاستدامة من الأسفل إلى الأعلى، تلعب مجموعة OCP العملاقة لتصنيع الأسمدة في المغرب (التي كانت في الأصل، المكتب الشريف للفوسفات) ومجموعة الشركات التابعة لها والكيانات المرتبطة بها دورا محوريا.
ويعتمد توسيع فرص العمل أيضا بشكل كبير على التنسيق القوي بين أنظمة الطاقة الخضراء والتدريب في البلاد.
ولتوسيع فرص العمل على نطاق واسع من خلال الموجة الثالثة الجديدة من الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم التي تم إنشاؤها عبر مجموعة OCP، ستحتاج الشركات القابضة الأخرى أو مشاريع الشركات الناشئة المستقلة إلى أنظمة تدريب للتغلب على التحديات المحددة التي تواجه النساء والشباب في المناطق الحضرية والريفية ذات الدخل المنخفض.
تصدير الطاقة المتجددة
توسيع فرص العمل يعتمد بشكل كبير على التنسيق القوي بين أنظمة الطاقة الخضراء والتدريب في البلاد
بحلول عام 2027، من المقرر أن يمتلك المغرب حوالي 9.7 جيغاوات من قدرة توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وذلك بفضل المشاريع التي بدأت خلال العقد السابق.
وبخلاف هذه المشاريع، فإن المشاريع الضخمة الأحدث للطاقة المتجددة، مثل مجمع الطاقة الشمسية بقدرة 5 جيغاوات ومزرعة الرياح بقدرة 5 جيغاوات التي طورتها توتال إيرين كجزء من منشأة الأمونيا الخضراء التي تبلغ تكلفتها 10 مليارات دولار، مدفوعة بشكل مباشر باحتياجات النظام البيئي للطاقة الخضراء في المغرب وسلاسل توريد الطاقة المتجددة الدولية.
ويشكل تطوير المغرب للبنية الأساسية لتوليد وتخزين الطاقة المتجددة جزءا لا يتجزأ من جهود البلاد لتطوير الإنتاج الصناعي والزراعي المستدام وعالي القيمة المضافة.
ويمتلك المغرب 73 في المئة من احتياطيات صخور الفوسفات في العالم والتي يشتق منها الفوسفور المستخدم في الأسمدة الاصطناعية.
وتمثل مبيعات OCP الدولية أكثر من 20 في المئة من عائدات التصدير في المغرب. وبالتالي، فإن استدامة عمليات OCP من خلال التحول الطاقي تشكل مصلحة وطنية حيوية، مما يضع الشركة في دور قيادي في تطوير النظام البيئي للطاقة الخضراء في المغرب وقدراته كمزود عالمي للحلول المستدامة.
وقد تعزز الدور المركزي لـOCP في تطوير الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الخضراء من خلال صعود المغرب كرائد عالمي في مجال الهيدروجين الأخضر، مدفوعا بهدف استخدام مشتق الأمونيا الخضراء لتزويد تصنيع الأسمدة المربح للشركة.
تطوير المغرب للبنية الأساسية لتوليد وتخزين الطاقة المتجددة يشكل جزءا لا يتجزأ من جهود البلاد لتطوير الإنتاج الصناعي والزراعي المستدام
وتشكل الأمونيا الخضراء والأسمدة المصنوعة من الأمونيا الخضراء العمود الفقري لسلاسل توريد الطاقة المتجددة الدولية في المغرب. ومع اكتمال العديد من مشاريع القطاع الخاص الأجنبي قيد التطوير حاليا، يمكن للمغرب تصدير أكثر من 3.1 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويا.
نظرا لأن الأسمدة وواردات الهيدروجين تشكل قطاعين من القطاعات الستة الأولية المستهدفة بموجب آلية تعديل حدود الكربون التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن تطوير قدرة الأمونيا الخضراء أمر ملح لكل من المغرب وعملائه الأوروبيين.
ويمثل قطاع الأغذية الزراعية في المغرب حوالي 21 في المئة من صادراته من حيث القيمة وسيشكل أساس سلسلة توريد الطاقة المتجددة من المغرب إلى أوروبا.
وتسعى خطة الرباط للجيل الأخضر 2020 – 2030 إلى تعزيز استدامة الإنتاج الزراعي من خلال استخدام الطاقة المتجددة، وخاصة تحلية مياه البحر لتوفير المياه الكافية للقطاع وإنتاج الأسمدة، وهما من المدخلات الأساسية لإنتاج الأغذية الزراعية ، مما يجعل صادراته الزراعية الغذائية خضراء.
وتشكل صناعة السيارات الكهربائية ركيزة صناعية صاعدة للنظام البيئي للطاقة الخضراء في المملكة وهي في طور تشكيل الأساس لسلسلة توريد أخرى للطاقة المتجددة من المغرب إلى أوروبا.
وتمثل صناعة السيارات بالفعل حوالي 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ومع قدرة إنتاج سنوية تتجاوز قريبا مليون مركبة، يهدف المغرب إلى إنتاج 250 ألف سيارة كهربائية سنويا.
الشركات الناشئة
تركز الموجة الثالثة من تطوير منظومة الشركات الناشئة في المغرب على التصنيع الصناعي الأخضر وإنتاج الأغذية الزراعية، فضلا عن شركات الحلول المستدامة التي يمكنها خدمة الأسواق المحلية والدولية.
وقد حفزت مبادرات الحكومة المغربية الطموحة لتحسين ظروف العمل للشركات الناشئة في مجال المشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم على مدى السنوات العشرين الماضية المراحل الثلاث للتقدم في منظومة الابتكار.
من عام 2000 إلى عام 2010، ركزت منظومة الابتكار في المغرب على تطوير الشركات الناشئة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بمساعدة إنشاء الوكالة الوطنية لتشجيع الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم.
وفي عام 2010، انتقل المغرب إلى المرحلة الثانية بخطوات مثل صندوق المغرب الرقمي، الذي يركز على الشركات الناشئة ذات إمكانات النمو العالية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى جانب استثمار 20 في المئة من رأس مالها في تقنيات عميقة مبتكرة أخرى، بما في ذلك قطاعات التكنولوجيا الخضراء.
وقد حدث هذا وغيره من التطورات في الموجة الثانية بالتزامن مع ظهور حملة منسقة لإنتاج الطاقة المتجددة على نطاق صناعي.
توسيع نطاق التوظيف يتطلب تزويد السكان بالمهارات المناسبة للتصنيع الصناعي الأخضر وقطاعات الخدمات
ومع نضج جهود الطاقة المتجددة في المغرب بشكل أكبر، ساعدت الرباط في تطوير الموجة الثانية من الشركات الناشئة، ولاسيما الدخول في شراكة إستراتيجية في عام 2016 مع صندوق الضمان المركزي في البلاد، لإنشاء صندوق لخدمات تمويل المشاريع الأولية والمرحلة المبكرة ورأس المال الاستثماري.
وفي الموجة الثالثة من التطوير، تحول صندوق الضمان المركزي في عام 2021 إلى شركة وطنية مملوكة للدولة لضمان وتمويل ريادة الأعمال.
ويتطلب توسيع فرص العمل استهداف ثلاث شرائح متميزة من سكان المغرب: النساء المتعلمات تعليما عاليا، والنساء والشباب في المناطق الحضرية من ذوي المستويات الأدنى من التعليم والتدريب، والنساء والشباب من ذوي المستويات الأدنى من التعليم والتدريب في المناطق الريفية.
ومن شأن سد الفجوة بين الجنسين في مشاركة القوى العاملة في المغرب على مدى السنوات الخمسين المقبلة أن يزيد مستويات الدخل بنحو 20 في المئة.
ووجه نموذج التنمية الجديد في المغرب التصنيع الصناعي الأخضر الجديد نحو توسيع نسبة المواطنين المنخرطين في العمالة الرسمية طويلة الأجل.
وقد حدد تقرير اللجنة الملكية للنموذج الجديد للتنمية لعام 2021 أهدافا كمية، بما في ذلك مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومشاركة القوى العاملة النسائية بحلول عام 2035 وخفض حصة الوظائف غير الرسمية من 60 في المئة إلى 20 في المئة.
وأظهر التحول الثالث في المغرب نحو التصنيع الصناعي الأخضر وحلول الاستدامة وعدا عندما يتعلق الأمر بتوليد فرص العمل للنساء المتعلمات تعليما عاليا، على الرغم من أنهن غالبا ما يشغلن مناصب تنفيذية وإدارية عليا بسبب الافتقار العام إلى المناصب البحثية.
وللتصنيع الصناعي الأخضر المدفوع بالطاقة المتجددة إمكانات كبيرة لتشغيل الأفراد ذوي المستويات التعليمية المنخفضة في المناطق الحضرية، شريطة أن يحصلوا على التدريب المهني التقني المناسب.
وهناك نسبة كبيرة من الشباب عاطلون عن العمل، أو خارج النظام التعليمي، أو غير منخرطين في أي تدريب على المهارات.
ويتطلب توسيع نطاق التوظيف تزويد السكان بالمهارات المناسبة للتصنيع الصناعي الأخضر وقطاعات الخدمات والمبيعات بالتجزئة المجاورة.