تزامنت مع الأحداث الأخيرة في سوريا تدوينات مازحة عبر الحسابات الشخصية للمصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، تعبر عن حبهم للسوريين الذين يعيشون في مصر منذ سنوات، تحسبًا لرجوعهم إلى بلدهم عقب نجاح فصائل المعارضة في إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وهروبه خارج البلاد.
من هذه التدوينات “لا ترحلوا قبل أن تتركوا لنا سر التومية.” والتومية نوع من المقبلات الشهيرة، أدخلها السوريون مصر ضمن قائمة طويلة من المأكولات التي ذاع صيتها، من خلال مطاعم السوريين في القاهرة ومدن مختلفة، والتي ازدهرت منذ قدومهم وحققت انتشارا كبيرًا وسط المواطنين لجودتها، وأخذت المطاعم السورية أسماء شامية مثل “كرم الشام”، و”ميدان الشام” و”أبومازن السوري” وغيرها.
وفتحت مصر أبوابها لمئات الآلاف من السوريين الذين فروا من ويلات الحرب منذ عام 2012، واندمج أغلبهم في المجتمع المصري وأقاموا متاجر ومطاعم معروفة.
يوسف رمضان: أشعر بالأمان في مصر ولا أفكر في العودة رغم فرحتي بسقوط نظام بشار الأسد
ورغم أن القاهرة فرضت على السوريين منذ عام 2013 موافقات أمنية للحصول على تأشيرة الدخول جعلت بعضهم يلجأ إلى مكاتب تأشيرات مقابل دفع مبالغ مالية تصل إلى ثلاثة آلاف دولار، إلا أن الحكومة المصرية حاولت التيسير على الراغبين في الزيارة بإصدار قرار في أبريل من العام الماضي بمنح تأشيرة يتم الحصول عليها من المطار بشكل لحظي، بقيمة 25 دولارا فقط، ويستفيد منها المقيمون في الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول الخليج واليابان.
أسئلة السقوط
تدور أسئلة كثيرة في مصر عقب سقوط النظام السوري، أبرزها هل سيعود السوريون إلى بلدهم؟ وهل سيتركون تجارتهم الوفيرة التي يعمل بها الآلاف من السوريين؟ وهل سيتوقون لجمع شمل أسرهم بعد فترة طويلة من الفراق؟ ومتى تكون هذه العودة؟
ويعمل عدد كبير من السوريين بمصر في مهن مختلفة، أهمها المطاعم وتجارة الأقمشة والمنسوجات، وهناك قطاعات أخرى، مثل الطب والهندسة والتدريس والمهن الحرة.
وانقسمت الآراء حول عودة السوريين المقيمين في مصر إلى بلدهم بين العودة في أقرب فرصة ممكنة، والعودة عندما تستقر الأوضاع الأمنية والسياسية، والتأكد من أن الأمور تسير في البلاد بصورة إيجابية، وهناك رأي ثالث يؤيد البقاء في مصر التي احتضنتهم، وحفاظا على مشاريع تجارية تم ضخ استثمارات كبيرة فيها.
تجولت “العرب” في أشهر الأماكن التي يقيم فيها سوريون بمصر، وهي مدينة السادس من أكتوبر في جنوب غرب القاهرة، والمعروفة بوجود الكثير من المطاعم والمحال التجارية التي يملكها سوريون.
قال عبدالفتاح عبدالباسط لـ”العرب” إنه جاء إلى مصر مع أسرته من مدينة حمص عام 2015، بعد تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا، وأسس تجارة صغيرة لبيع “المخللات” وزيت الزيتون، وبعض المنتجات الغذائية البسيطة، يضعها على عربة صغيرة في أحد الشوارع الرئيسية، ويقبل عليه الزبائن من المصريين ويعرفونه بالاسم، وعبر عن سعادته لتحرير سوريا من طغيان بشار الأسد، وأن الشعب كله سعيد بما حدث.
وأضاف عبدالباسط، وكان يملك في حمص محل عطارة كبيرا قبل أن يأتي إلى مصر، أنه سيعود إلى سوريا بمجرد استقرار الأوضاع، وتوقع أن ذلك يحتاج إلى فترة تتراوح بين ثلاثة وأربع أشهر، وأن أفراد عائلته الكبيرة، الأم والأب والأشقاء وأبناء العمومة، مازالوا يعيشون في سوريا ويتواصل معهم، ويطمئنونه على الأوضاع، مثل عودة الكهرباء والمياه، حيث كانتا تنقطعان لساعات وأيام، وهذا مؤشر جيد في نظره.
◄ بعض السوريين المقيمين خارج وطنهم يتخوفون من سيطرة فصائل المعارضة ومعها متطرفون على مقاليد الأمور في سوريا
حيرة وخوف
أكدت سارة عادل، وهي سيدة سورية أسست صالون تجميل منذ سبع سنوات في أحد التجمعات السكنية (كمبوند)، أنها رغم سعادتها بإزاحة بشار الأسد وفتح السجون التي ضمت بين جنباتها شبابا وشيوخا تعرضوا للظلم، ظلت حائرة ومتخوفة؛ فقد كانت تتمنى أن يقوم بذلك الجيش السوري وليس الفصائل المسلحة والمتباينة.
وأشارت لـ”العرب” إلى أنها جاءت مع زوجها (يعمل طبيب أسنان) وطفليها إلى مصر بحثا عن ملاذ آمن، ولم يجد زوجها عملا بسهولة في البداية، لكن شاركه بعد ذلك أحد الأطباء المصريين في عيادة، وأصبح يحقق دخلا كبيرًا، ما جعل أوضاعهم المعيشية أفضل، وحصلت هي على دورات تدريبية عن طريق الإنترنت في التجميل وتصفيف الشعر، وعملت أولا لدى صالون تجميل صاحبته مصرية، ثم استقلت بنفسها وأصبح لها مشروع خاص في أحد الأماكن الراقية.
وأوضحت أن عائلتها وعائلة زوجها جاءوا إلى مصر تباعًا، ويتجمعون في نهاية الأسبوع معا، بينما يتفرق أقاربهم في دول كثيرة مثل لبنان والأردن وتركيا، مؤكدة أنها تشعر بالأمان والاستقرار في مصر وتربطها علاقات صداقة مع مصريات، ولم تدرس وزوجها بعد فكرة العودة إلى سوريا مع استقرار أوضاعهم في مصر.
وذكر الشاب السوري نورالدين أنه جاء مع أسرته، المكونة من أب وأم وثلاثة أبناء، إلى القاهرة عام 2013، وأكمل الأبناء تعليمهم في مدارس وجامعات مصرية.
وقال لـ”العرب” إن والده كان يملك مشروعًا لتجارة قطع غيار السيارات في حلب، ثم قرر اللجوء إلى مصر، وعمل في أكثر من مهنة حتى استقر على إقامة مشروع صغير، حيث اشترى سيارة يبيع عليها الشاي والقهوة وغيرهما من المشروبات.
وأشار إلى أن أقاربهم في حلب يتواصلون معهم منذ اندلاع الأحداث الأخيرة، ويؤكدون أن الأوضاع مستقرة إلى حد ما، لكن أسعار السلع الغذائية مرتفعة للغاية، ويناقش أفراد عائلته قرار العودة إلى سوريا حاليا، لكنهم يرون أن الصورة ضبابية، وسوف ينتظرون حتى تتضح الأمور، وحينئذ سيقررون ما إذا كانوا سيبقون في مصر أم سيعودون إلى سوريا.
هروب من التجنيد
تبين لـ”العرب” أثناء إجراء مقابلات مع الشباب السوريين أن الكثير منهم لجأوا إلى مصر هربًا من التجنيد في الجيش السوري، وخوفا من المشاركة في إيذاء المواطنين.
قال بهاء محمد، وهو شاب يبلغ من العمر تسعة عشر عاما وقدم من مدينة دمشق ويعمل في محل مكسرات يملكه سوري أيضًا، إنه جاء إلى القاهرة منذ ثلاثة أشهر بعد أن تواصل مع رجل أعمال سوري، تاركًا أفراد عائلته الذين لا يعرفون له عنوانا في مصر أو رقم هاتف، لكنه يتواصل معهم من حين إلى آخر بطرق مختلفة ليطمئن عليهم.
عبدالفتاح عبدالباسط: سأعود إلى سوريا بمجرد استقرار الأوضاع
وأكد لـ”العرب” أنه هرب من سوريا خوفًا من تجنيده في الجيش، حيث تصل فترة التجنيد إلى تسع سنوات، ناهيك عن المعاملة القاسية التي يلقاها المجندون، وعرف عنها الكثير من التفاصيل من خلال أقارب وجيران سبقوه في الالتحاق بالجيش، مشيرا إلى أن الكثير من الشباب السوري ممن هربوا من التجنيد يتورطون في مشكلات قانونية قد تصل إلى السجن في حال تم إلقاء القبض عليهم.
وكشف بهاء ذراعيه ليطلع “العرب” على إصابة كبيرة، لحقت به أثناء ضرب الجيش السوري بعض المواقع في دمشق، حيث كان آنذاك في الشارع، ويعمل على تقنين أوضاع إقامته في مصر حاليا، إذ يريد البقاء وعدم العودة إلى سوريا، مازحًا بقوله “لن أعود إلا إذا رحلتني مصر.”
وجاء عادل خالد (عشرون عامًا) إلى مصر منذ عام لنفس السبب الذي جاء من أجله بهاء، أي هربًا من التجنيد، لكنه أكد رغبته في العودة إلى سوريا بمجرد تحسن الأوضاع هناك وفتح المطارات، وأنه طوال فترة إقامته في مصر لم يشعر بأنه غريب، وله أصدقاء كثيرون من المصريين، إلا أنه يرغب في العودة إلى عائلته في دمشق.
وقال سوريون إن أصحاب الاستثمارات الكبرى في المطاعم والمحال التجارية الكبيرة لن يتركوا مصر، أو على الأقل سوف تتأرجح تجارتهم وإقامتهم بين البلدين.
وكشف الشيف السوري يوسف رمضان أنه جاء إلى مصر منذ أربعة أعوام، ويعمل في مطعم “ميدان الشام” الذي ذاع صيته وانتشرت له فروع كثيرة في مصر، وأنه عمل في دولة الإمارات خمس سنوات، وجمع مبلغًا كبيرًا من المال، وعاد إلى سوريا وبنى برجًا سكنيًا، لكن تم قصفه عن طريق طيران الجيش السوري، فانهار كل شيء.
وأضاف أنه بسبب تهربه من الخدمة العسكرية أصبح مطاردا من القوات السورية، وهرب أولا من ريف دمشق إلى المدينة دمشق، ثم لجأ وأسرته المكونة من زوجته وطفليه إلى مصر، تاركًا خلفه عائلته الكبيرة.
وشدد على أنه مستقر في مصر ويشعر بالأمان فيها، ولا يفكر في العودة إلى سوريا مرة أخرى، ورغم فرحته بزوال طغيان بشار الأسد، إلا أنه يتخوف من سيطرة فصائل المعارضة ومعها متطرفون على مقاليد الأمور في سوريا.
وأوضح السوري محمد يعقوب، الذي يعيش مع أسرته في مصر منذ ثمانية أعوام، أنه سعيد بما حدث في بلاده من تطورات، كان ينتظرها السوريون منذ أحد عشر عامًا، وأن الشعب عانى من الظلم والقهر على يد بشار وزبانيته، وأبيه من قبله، ومرارة السجون والمعتقلات والسراديب التي عذبوا فيها الناس هي خير دليل على طغيانهم.
وذكر محمد، وهو يعمل مشرفا على المخازن والبضاعة في مطعم شهير، أنه جاء إلى مصر هربًا من التجنيد، حيث نفدت مرات تأجيله للخدمة بسبب دراسته الجامعية، وبعدها لم يجد حلًا أمامه سوى ترك سوريا، بعد أن سمع من أقرانه وأقاربه الذين التحقوا بالخدمة العسكرية قبله عن استخدام الجيش السوري لهم كدروع بشرية، وإشراكهم في عمليات مداهمة ضد مدنيين وأبرياء من أهل بلدهم.
وأكد أنه بمجرد تحسن الأوضاع واستقرارها في سوريا سوف يعود، ورغم ارتياحه للإقامة في مصر فإنه يحب أن يعود إلى بلده، مشيرًا إلى أنه يتواصل مع شقيقه في سوريا هاتفيًا، وأن الجميع متفائلون.