لا يزال السقوط السريع والمفاجئ لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد يثير ردود أفعال مختلفة على أصعدة عدة، منها المواقف السياسية للفنانين من المؤيدين والمعارضين الذين اعتادوا الإعلان عنها عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال تصريحاتهم لوسائل الإعلام. وكان طبيعيا أن تتجه الأنظار بترقب إلى ردود أفعال أسماء بعينها، أبرزها الفنانة السورية سلاف فواخرجي التي عُرفت دائما بانحيازها الواضح والشديد لنظام الأسد.
قامت فواخرجي بعد ساعات على إعلان هروب الرئيس السابق بحذف صورة تجمعها به، كانت قد ثبتتها في صدارة حسابها على موقع إنستغرام، مع تعليق “شكرا سيدي الرئيس لشرف اللقاء، حماكم الله لما فيه خير هذا البلد وأهله”، ثم عادت لتكتب على موقع فيسبوك في المساء منشورا تعلن فيه موقفها من التطور الجديد في سوريا.
جاءت كلمة الممثلة السورية جريئة وقوية، محملة برسائل واضحة وأخرى غامضة، يمكن وضعها جميعا تحت عنوان “التصالح”، سواء مع الذات أو الماضي أو الحاضر، مع توجيه مطالب بشأن المسار السياسي المأمول للبلاد في المستقبل، إذ كتبت “تعلمت أن أتصالح مع كل مرحلة، مهما كانت، عمرية، فكرية، إنتاجية، صحيحة كانت أم خاطئة، لأنها كلها أنا، وأنا لم تتنكر لأناي يوما”.
وقد أثار الموقف الأخير لسولاف فواخرجي الجدل المتجدد حول علاقة الفنان بالسياسي، وإلى أي حد يمكن أن تؤثر تقلبات السياسة على صورة الفنان الذي يجاهر بآرائه السياسية بوضوح.
والمؤكد أن الكل حر في التعبير عن رأيه لكن الأزمة ربما تكمن في درجة الحدة في الانحياز إلى طريق سياسي بعينه والهجوم على خصومه، دون سعي إلى محاولة إدراك التوازن في المواقف، ما يفتح الباب إلى النيل سياسيا من الفنان وتشويهه صدقا أو كذبا، ضمن ألعاب السياسة المتغيرة، المتقلبة، برغم أن الفنان يستطيع أن يكون أقرب إلى الناس من موقعه، لا من موقع السياسي، وهو ما تعرفه سلاف نفسها.
وأكدت فواخرجي أنها لم تدع يوما أنها على الحق في المطلق، وأنها كانت تقول دوما “ربما أكون على صواب وربما أكون على خطأ لكنه رأيي، وأن دم السوري على السوري حرام”، لكن البعض أراد ألا يُسمع هذا الكلام كي لا تقل فرص توجيه الشتائم لها، ما بدا تلميحا ضد بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية التي تقوم باقتطاع تصريحاتها.
من فكرة التصالح، انطلقت الممثلة السورية لتوجه عدة رسائل، في أكثر من مسار، تراوحت بين التمسك بمواقف سابقة في مرحلة وصفتها بأنها “مرحلة من تاريخ سوريا شئنا أم أبينا، بإيجابياتها وسلبياتها، وتاريخنا معها”، بالتالي فهي لن تتنكر لما كانت عليه سابقا، قائلة “لم أكن خائفة ولن أكون”، وبين إظهار اللين في المقابل في التعاطي مع “المرحلة الجديدة” التي تمنت أن تكون سوريا فيها أحسن البلاد، معبرة عن اعتقادها بأن الحكم الجديد بما يُظهره لن يكون ظالما أو مستبدا، على عكس ما يروجه البعض من تهديد ووعيد وترهيب.
انتقلت فواخرجي إلى إظهار بعض الخشونة في ما يتعلق بملف هضبة الجولان المحتلة والتعامل مع إسرائيل، بالغمز ضد النظامين القديم والجديد معا، قائلة “أرجو ألا نحتفظ بحق الرد”، وهو التعبير الذي كان يستخدمه بشار الأسد دوما في مواجهة الغارات المتكررة على مواقع داخل سوريا.
كلمة الممثلة السورية جاءت جريئة وقوية، محملة برسائل واضحة وأخرى غامضة، يمكن وضعها جميعا تحت عنوان "التصالح"
وفي الوقت نفسه طالبت باستعادة الجولان المحتل بعد كل هذه السنين، غامزة بإشارة انتقاد خشن واضحة ضد المرحلة الجديدة، بقولها “خصوصا أن إسرائيل المزعومة زامنت الوصول إلى دمشق (تقصد دخول الفصائل المسلحة) مع احتلالها عشرات الكيلومترات من أراضينا”، مع وضع علامة تعجب.
وكانت الفنانة كشفت في حوار مع الإعلامي المصري خيري رمضان على قناة المحور الفضائية قبل أسبوع على سقوط نظام حكم بشار الأسد أنها ولدت في منطقة الجولان وأن والدها من مؤسسي حزب البعث ومناضل حقيقي كما وصفته، أما هي فليس لها انتماء سياسي محدد إلا أنها ترفض أن تكون مجرد صورة جميلة لأن لها فكرا وموقفا ورأيا، وتحب التعبير عن نفسها بشجاعة.
وعبّرت الممثلة السورية عن أمانيها للمستقبل التي تمثلت في “سوريا علمانية مدنية، سوريا الحضارة والديانات والنور”، وأن يعيش السوريون مسالمين آمنين، موحدين غير مقسَّمين، في إشارة إلى التحليلات التي تذهب إلى أن شبح التقسيم صار يلوح في سوريا بعد التطورات الجديدة.
فواخرجي برغم قيامها بحذف صورتها مع بشار الأسد من حسابها على إنستغرام، إلا أنها أبقت على صورتها المثبتة في صدارة حسابها على فيسبوك مع زوجته أسماء الأسد، وترجع إلى تاريخ السابع من أغسطس 2023، مع تعليق في صورة قصيدة شعرية وصفتها فيها بأنها “أميرة القصر في هذه الحكاية خُلقتْ بجينات الإمارة..”.
لم تحذف الفنانة السورية صورتها أو تعدل كلماتها، وفسرت في منشورها الجديد قائلة “طلب مني البعض أن أمسح صورا لي.. ولكن إن مسحتها هل ستُنسى وكأنها لم تكن؟ وهل سأتنكر أنا لها؟”، وأوضحت أنها ستمسح بعض الصور فقط بناء على طلب الأصدقاء من الطرفين (لم تحددهما)، واستدركت بأن الصور رغم ذلك منتشرة وموجودة “لأن تاريخ أي منا لا نستطيع محوه متى شئنا أو طُلب إلينا.”
وتعرضت الفنانة السورية منذ عام 2011 لهجوم المناصرين لقوى المعارضة بشكل دائم بسبب انحيازها الشديد لنظام الأسد، وجاءت ردود الفعل على موقفها الجديد متباينة بين الإشادة بشجاعتها وعدم إنكارها مواقفها السابقة ورفضها “النفاق”، والتشكيك في صدقها على لسان بعض المعلقين مثل “برأيي تتعلمي التمثيل أكثر لتقدري (حتى تستطيعي) تمثلي باحترافية”، ورفض ازدواج موقفها في تعليق آخر: “مع أني بحبك كفنانة، لكن منشورك للأسف ذو وجهين، وما حبيت الوش التاني”.
تشارك سلاف فواخرجي في الموسم الدرامي بمصر في شهر رمضان المقبل بمسلسل “ليالي روكسي”، إخراج محمد عبدالعزيز، حول قصة أول ممثلة في تاريخ سوريا في أول فيلم سينمائي سوري تم تقديمه عام 1928، وشاركت مؤخرا في مهرجان القاهرة السينمائي بفيلم “سلمى” للمخرج جود سعيد، وعلى هامش مشاركتها في المهرجان قالت في تصريحات صحفية إنها “لا تحب السياسة والمناصب وليس لديها طموح سياسي على الإطلاق”، معتبرة أنها تستطيع أن تكون أقرب إلى الناس من مكانها كفنانة.
ولعبت فواخرجي في مسلسل “مال القبان”، الذي عرض في رمضان الماضي وهو من بطولة بسام كوسا ويامن الحجلي وخالد القيش وإخراج سيف الدين سبيعي، دور طبيبة معارضة سياسية تواجه مشاكل عدة بعد الإفراج عنها من المعتقل، وبرغم أدائها الشخصية بإتقان وبراعة، لكن الجدل ثار حولها من جديد، إذ نسبت المواقع الصحفية السورية المعارضة لفواخرجي تصريحات بأنها “تعبت نفسيا” بسبب أدائها دور امرأة معارضة.
وحقيقة ما قالته الممثلة السورية آنذاك في لقائها مع الإعلامية سارة الدندراوي في برنامج “تفاعلكم” على قناة “العربية” أنها أعجبت بشدة بشخصية الطبيبة “رغد” التي لعبتها، ووصفتها بأنها شخصية حقيقية وصادقة، من لحم ودم، وموجودة في المجتمع، ما استلزم قيامها كممثلة “بجهد جسدي ونفسي كبير” كي تنجح في التعبير عنها بصدق. ولعل ذلك هو ما ألمحت إليه في منشورها الأخير حول اقتطاع تصريحاتها دوما أو اجتزائها لضمان استمرار توجيه الشتائم إليها.