عربي ودولي

لا مجال لخمول سياسي في مصر يتسلل منه الإخوان
لا مجال لخمول سياسي في مصر يتسلل منه الإخوان
 أثارت التحولات الإقليمية المخاوف في مصر، وخاصة نجاح مسلحين إسلاميين في الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، والحذر من استفادة جماعة الإخوان المسلمين منها، ودفعت سياسيين مقربين من الحكومة إلى تقديم أفكار ومقترحات للانفتاح على كيانات سياسية معارضة، وذلك من أجل مغادرة مربع الخمول السياسي الذي تعيشه البلاد.

وتعرف السلطات المصرية أن صعود الإسلاميين إلى الحكم في سوريا سيحيي لدى إخوان مصر، على ضعفهم، الرغبة في العودة إلى الواجهة إما بشكل سياسي معلن أو بالعودة إلى أساليب التحريض وإثارة الفتن، وأن أفضل طريقة لقطع الطريق أمامهم هي تحريك المشهد السياسي بإجراءات جديدة.

وعقدت مجموعة من السياسيين والكتاب والمفكرين، أغلبهم من المحسوبين على السلطة، اجتماعا الاثنين، تطرق إلى أهمية إحداث إصلاح سياسي في البلاد، ودعوا إلى تشكيل ائتلاف واسع يضم من وصفوهم بـ”الكيانات الحزبية الوطنية”، وطالبوا بالاستجابة لمخرجات الحوار الوطني بشأن قوانين انتخابات البرلمان، ووجود تمثيل شعبي واسع يعزز دور الغرفة التشريعية الأولى (مجلس النواب) في البلاد.

يبدو أن هناك دوائر حكومية بدأت تنصت للانتقادات التي وجهت لفكرة إنشاء حزب جديد يكون ظهيرا للحكومة مع وجود حوالي مئة حزب سياسي بلا دور حقيقي

وجاء الاجتماع بعد مرور أيام على انعقاد آخر أثار جدلاً بشأن تشكيل حزب جديد يحمل اسما مبدئيا (اتحاد الوطن المصري)، دعا إليه اتحاد القبائل والعائلات المصرية الذي يرأسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، وشارك فيه عدد من المسؤولين السابقين.

ويبدو أن هناك دوائر حكومية بدأت تنصت للانتقادات التي وجهت لفكرة إنشاء حزب جديد يكون ظهيرا للحكومة مع وجود حوالي مئة حزب سياسي بلا دور حقيقي.

وقال مصدر شارك في الاجتماع لـ”العرب” إن الاجتماع تطرق إلى ضرورة أن يكون تأسيس أي حزب جديد نابعا من الشارع وليس من السلطة، وإن حالة الخمول الحزبي المسيطرة على الساحة بحاجة إلى تأسيس أحزاب بروح مختلفة، ما يسمح بوجود معارضة تعبر عن مصالح المواطنين وتحقق الاستقرار السياسي.

وأكد  المصدر أن بعض المشاركين أشاروا إلى أن الكثير ممن يتواجدون على الساحة الآن غير قادرين على التعبير عن مطالب الشعب، وهناك توافق حول تحويل أسباب عزوف الناس عن المشاركة السياسية إلى حلول يمكن تطبيقها لإتاحة التفاعل بينهم وبين السلطة، وأن الفترة المقبلة ستكون شاهدة على اجتماعات لإحداث إصلاح على مستوى الممارسة السياسية.

وبدا لافتا أن الاجتماع الذي عقد ردد شعارات طالبت بها المعارضة، غير أنها جاءت من سياسيين ومفكرين مؤيدين للسلطة هذه المرة، من بينها التحرر من فكرة “الموالاة” الكاملة للحكومة نحو “اتخاذ مواقف مرنة ومتحركة من الأداء الحكومي، هدفها مصالح المصريين وتحقيق آمالهم المشروعة،” بعد أن جعل التأييد الكامل الأحزابَ والحكومة في مواجهة الإحباط الشعبي، ما قاد إلى خروج الأحزاب من المعادلة السياسية.

ويبدو أن ما جاء في اجتماع السياسيين المؤيدين للحكومة أشبه بإصلاح سياسي، وأن طبيعة التطورات الإقليمية تتطلب أن تتدخل جهات قريبة من السلطة لضبط مشهد بحاجة إلى كتلة صلبة داعمة لها في مواجهة معارضة قوية، والحديث عن أهمية الإصلاح والاعتراف بعدم وجود رضاء شعبي عن الحياة السياسية قد يؤدي إلى تحديث ينطلق من المؤسسات الحكومية بلا ضغوط يفرضها الوضع الداخلي أو تحولات الخارج. وفي مصر تكتل معارض يحمل اسم “الحركة المدنية الديمقراطية” يضم في عضويته 12 حزبا، من بينها اثنان جمدا عضويتهما في الحركة.

وقال رئيس حزب الجيل الديمقراطي (مؤيد للحكومة) ناجي الشهابي إن الاجتماع يعد الثاني بعد اللقاء الأول الذي عقد الأسبوع الماضي وهدف إلى تشكيل حزب جديد، لكن جرى التراجع عن الفكرة لصالح إنشاء تحالف وطني واسع من الأحزاب المؤيدة للحكومة لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وإن الاجتماع الأخير هو خطوة متقدمة لنداءات الإصلاح السياسي التي بدأت مع انطلاق جلسات الحوار الوطني.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مخرجات الاجتماع جرى التشاور بشأنها داخل جلسات الحوار الوطني وهناك توافق كبير حولها بين من يؤيدون الحكومة ومن يعارضونها، والفترة المقبلة سوف تشهد الانتقال من الحدود الدنيا للممارسة السياسية إلى الانطلاق نحو ممارسة موسعة يتم فيها منح كافة الأحزاب حرية الحركة.

وأشار إلى أن تكرار مصطلحات مثل “إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط” و”التوسع الإسرائيلي” يتطلب حنكة تتعامل مع الوضع السياسي الراهن، بما لا يترك فرصة لإحداث قلاقل داخلية يتم توظيفها في مشروعات معادية للدولة، وأن لعب مصر دور “الدولة المركزية” يتطلب وضعا سياسيا داخليا مستقرا، يصاحبه استقرار اقتصادي وتكثيف جهود الحكومة لتخفيف الأزمات عن المواطنين.

تكرار مصطلحات مثل "إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط" و"التوسع الإسرائيلي" يتطلب حنكة تتعامل مع الوضع السياسي الراهن، بما لا يترك فرصة لإحداث قلاقل داخلية

وأعاد الاجتماع، الذي عقد في أحد الفنادق المصرية، الحديث عن إعادة لملمة أوراق تحالف ثورة 30 يونيو وضمِّ طيف من الأحزاب التي ظهرت على الساحة عام 2013 وبعضها يتموضع في صف المعارضة الآن، بجانب بعض الأحزاب التي لديها مواقف قريبة من الحكومة، ما يشي بأن دوائر رسمية تحتاج إلى تماسك داخلي وتوافق على أرضية يؤمن بها الجميع، مع احتمال حدوث خلافات حول تفاصيل أداء الحكومة وسياساتها.

وشارك في الاجتماع المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان، والأمين العام لاتحاد القبائل والعائلات المصرية عاصم الجزار، ووزير الزراعة السابق السيد القصير وهو أيضا الأمين العام المساعد لاتحاد القبائل، وعلي عبدالعال رئيس البرلمان المصري السابق، وعدد من الإعلاميين والسياسيين.

وشدد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع على أن انعقاد اجتماع حضرته مجموعة من السياسيين المؤيدين للسلطة ينبع من رغبتها في إنشاء حزب أو تكتل أو ائتلاف جديد يهيمن على الساحة، ويوضع في الواجهة، بجانب مجموعة أخرى من الأحزاب المعارضة، بشكل يساهم في إضفاء قدر من الديمقراطية على العمل السياسي.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الأحزاب والكيانات التي تعبر عن السلطة حملت مسميات مختلفة منذ بدء إقرار التعددية الحزبية بمصر في نوفمبر 1976، بعد تحويل المنابر السياسية إلى أحزاب، بدءا من الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي والحزب الوطني ودعم مصر ومستقبل وطن وغيرها، وليس من المتوقع حدوث تغيير الآن.

وأشار إلى أن الإصلاح المنشود يتم الحديث عنه بشكل متكرر عبر اجتماعات ومؤتمرات وحوارات منذ عقود، وتبقى الدولة المصرية حاليا بحاجة إلى التنفيذ دون إعادة ترديد شعارات، ويتطلب ذلك مناخا عاما منفتحا يسمح بالممارسة السياسية الحقيقية، وأن إقامة أحزاب جديدة لا بد أن تبتعد عن الاعتماد على القبيلة والعائلات الكبيرة، وتكون على أسس حديثة ترتبط باحتياجات المواطنين في الشارع ومطالبهم.

11 ديسمبر 2024

هاشتاغ

التعليقات