هربت عزيزة إبراهيم طوال أشهر من قرية إلى أخرى في السودان، في الوقت الذي يتعرض فيه المواطنون للذبح. ومع ذلك، فإن قتل الأقارب واختفاء زوجها ليسا ما دفعا الشابة (23 عاما) إلى الفرار من بلادها إلى الأبد، ولكن السبب كان الجوع، حسبما قالت عزيزة.
وقالت عزيزة وهي تحتضن ابنتها (عام واحد) في مكان إيواء تقيم فيه الآن، بعد أيام من العبور إلى تشاد “لا يوجد لدينا ما نأكله بسبب الحرب.”
وتسببت الحرب في السودان في حدوث أزمة جوع واسعة النطاق، تشمل المجاعة. وقد دفعت المواطنين إلى ترك مزارعهم. والطعام في الأسواق أصبح محدودا، وارتفعت الأسعار، وتقول جماعات الإغاثة إنها تواجه صعوبة في الوصول إلى الفئات الأكثر تضررا في ظل تقييد الأطراف المتنازعة لكيفية الوصول إلى هؤلاء الأشخاص.
ولقي نحو 24 ألف شخص حتفهم ونزح الملايين خلال الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 ونجمت عن التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأكد الخبراء العالميون وجود مجاعة في مخيم زمزم في يوليو الماضي، محذرين من أن نحو 25 مليون شخص أي أكثر من نصف تعداد سكان السودان، من المتوقع أن يواجهوا أزمة جوع حادة هذا العام.
ألف شخص حتفهم ونزح الملايين خلال الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 ونجمت عن التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع
وقال يان إيجيلاند، رئيس مجلس اللاجئين النرويجي لوكالة أسوشيتد برس “المواطنون يتضورون جوعا حاليا… إنها أزمة من صنع الإنسان. هؤلاء الرجال المدججون بالأسلحة والسلطة هم من يحرمون النساء والأطفال من الطعام.” وأضاف أن الأطراف المتناحرة على الجانبين تمنع المساعدات وترجئ منح التصاريح لجماعات الإغاثة.
ويشار إلى أن خلال الفترة ما بين مايو وسبتمبر الماضيين، وقعت سبع حالات وفاة ذات صلة بسوء التغذية بين الأطفال في مستشفى واحد في موقع نزوح في تشاد، تديره منظمة أطباء بلا حدود.
وخلال سبتمبر الماضي، اضطرت المنظمة إلى وقف رعاية 5000 من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في شمال دارفور لعدة أسابيع، وأرجعت ذلك إلى العواقب والحصار المتعمد والمتكرر. ودعا الرئيس الأميركي جو بايدن الجانبين إلى السماح بالوصول إلى الفئات الأكثر تضررا ووقف قتل المدنيين.
ولكن لا يبدو أن القتال يظهر دلالات على الانحسار. فقد قتل أكثر من 2600 شخص في أنحاء البلاد في أكتوبر الماضي، وفقا لمنظمة مشروع موقع الصراع المسلح والبيانات، الذي وصف الشهر بالأكثر دموية.
وتصاعدت وتيرة العنف حول الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وشهدت دارفور البعض من أسوأ الأعمال الوحشية، وقال ممثل الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية إن هناك أدلة تشير إلى أن الجانبين ربما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأعمال إبادة جماعية.
وقد هربت عزيزة من قريتها في غرب دارفور، وسعت للجوء لأكثر من عام في بلدات قريبة مع أصدقائها وأقاربها. وغادر زوجها المنزل للبحث عن عمل قبل الحرب، ولم تسمع أي خبر عنه منذ ذلك الحين.
وعانت عزيزة من أجل الحصول على الطعام وإطعام ابنتها. ولعدم قدرتها على الزراعة، قامت بقطع الخشب وبيعه في تشاد، حيث كانت تتوجه إلى هناك وهي تركب حمارا لمدة ثماني ساعات وتعود كل بضعة أيام، بعدما كسبت ما يكفي لشراء الحبوب. ولكن بعد أشهر نفد الخشب مما اضطرها إلى ترك البلاد نهائيا.
وتحدث آخرون فروا إلى تشاد عن ارتفاع الأسعار بثلاثة أضعاف وتراجع المخزون في السوق. فلا توجد خضراوات، فقط هناك حبوب ومكسرات.
وجاءت عواطف آدم إلى تشاد في أكتوبر الماضي. وكان زوجها لا يستطيع كسب ما يكفي من خلال نقل الأشخاص فوق ظهر حمار، كما كانت هناك خطورة كبيرة في أن يمارس الزراعة، حسبما قالت. وفقدت ابنتيها التؤم (6 أعوام) وابنها (3 أعوام)، وكانوا دائما ما يشعرون بالجوع. وأضافت “أطفالي كانوا يقولون أعطينا طعاما”. وأوضحت أن بكاءهم هو ما دفعها إلى الرحيل.
ومع تدفق المزيد من الأشخاص على تشاد، أعربت جماعات الإغاثة عن مساندتها لهم. وقد دخل نحو 700 ألف سوداني تشاد منذ بدء الحرب، ويعيش الكثيرون في مخيمات لاجئين غير نظيفة أو أماكن إيواء على الحدود في مواقع نزوح مؤقتة. وارتفع عدد الأشخاص الذين يصلون معبر أدري ما بين أغسطس وأكتوبر الماضيين من 6100 إلى 14800 شخص، بحسب بيانات الحكومة والأمم المتحدة، على الرغم من أنه لم يتضح ما إذا كان بعض الأشخاص دخلوا عدة مرات.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن مطلع هذا العام خفض حصص المؤن بواقع النصف في تشاد، مرجعا قراره إلى نقص التمويل. وقال رامازاني كاراباي، مدير عمليات البرنامج في أدري، إن على الرغم من وجود مال كاف الآن للعودة لتقديم الحصص الكاملة حتى مطلع العام المقبل، فإن زيادة عدد الوافدين سوف تمثل ضغطا على النظام وسيتفاقم الجوع في حال لم يواكب التمويل الزيادة.
واستقبلت عيادة تديرها منظمة أطباء بلا حدود في مخيم أبوتنج أكثر من 340 حالة سوء تغذية حادة خلال أغسطس وسبتمبر الماضيين. ويقول العاملون إن الأعداد مرجحة للزيادة.
وقال الطبيب أولا دراماني أواتارا، مدير الأنشطة الطبية بالمنظمة في المخيم، إن الأشخاص يفرون من السودان في ظروف صعبة. وأضاف “في حال استمرت الأمور هكذا، أخشى أن الوضع سيخرج عن السيطرة.”