تفقد وزير الدفاع العراقي ثابت محمد العباسي السبت القوات المسلحة المنتشرة على الشريط الحدودي مع سوريا أقصى غرب العراق، في تزامن مع دعوات صادرة عن قادة في فصائل تنشط ضمن الحشد الشعبي تدعو إلى النفير والالتحاق بسوريا لهزيمة المعارضة السورية، ما قد يجر العراق لأن يكون هدفا مواليا في الحرب، وأن يصبح قطعة الدومينو التالية في مسلسل انهيارات حلفاء إيران.
وتعرف حكومة محمد شياع السوداني أن الوضع اختلف تماما عمّا كان يحصل قبل أكتوبر 2023. قبل ذلك كان مرور مسلحي الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية من زينبيين وفاطميين باتجاه سوريا، أو العشرات من المستشارين الإيرانيين، أمرا سهلا. كما تغاضت الحكومات العراقية المتتالية عن تهريب الأسلحة بعضها لاستعمالها في الحرب ضد مقاتلي المعارضة والمجموعات الإسلامية المتشددة، والبعض الآخر، وهو الشق الأهم يتم تهريبه لصالح حزب الله.
وفي الأسابيع الأخيرة، كانت بغداد تصدر تحذيرات فضفاضة للميليشيات، ودون تسميتها، بالتوقف عن محاولة جر العراق إلى الحرب، من دون أن تتدخل لمنع إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل. ولم يكن الأمر يثير غضبا واضحا من إسرائيل أو الولايات المتحدة لأن القصف كان محدودا وغير مؤثر، وهو أقرب إلى تسجيل موقف. لكن الآن الأمر مختلف، فالسماح بدخول الآلاف من المقاتلين بأسلحتهم إلى سوريا لن يقابل بصمت إسرائيلي أو أميركي بعد أن قرر الإسرائيليون وقف اتخاذ سوريا واجهة لمعارك إيران ضد بلادهم.
◄ تصريحات العباسي لا تفهم في سياق منع الميليشيات من دخول سوريا ولكن إلى منع تسلل متشددين من سوريا إلى العراق
ولا يمكن لإسرائيل التي ضربت معابر تهريب السلاح إلى حزب الله وفككت الوجود الإيراني في سوريا خلال أشهر أن تسمح له بالعودة باسم “محاربة الإرهابيين” المناوئين للرئيس السوري بشار لأسد.
ويقول مراقبون إنه إذا لم تتحرك حكومة السوداني لوقف دخول مسلحي الميليشيات إلى سوريا، فإن القوات الأميركية ستلجأ إلى توجيه ضربات نوعية للحيلولة دون ذلك. كما أن ذلك يفتح الباب لتدخل إسرائيلي مباشر عبر القصف في الحدود أو استهداف تمركزات للمقاتلين والأسلحة على الأراضي العراقية. وبالنتيجة، فإن ما خافت منه بغداد ستقع فيه بالتشريع للتدخل الإسرائيلي.
ويشير المراقبون إلى أن تدخل إسرائيل المباشر يعني أنها اعتبرت العراق طرفا في الحرب وواجهة من واجهات إيران، وهو أمر سيجعل الضربات الإسرائيلية شبيهة بما يجري في غزة ولبنان، وليس فقط مجرد ضربات محدودة ضد مواقع للميليشيات تنطلق منها صواريخ أو مسيّرات.
وذكرت وزارة الدفاع العراقية، في تغريدة على حسابها بمنصة إكس، أن وزير الدفاع ثابت محمد العباسي يرافقه معاون رئيس أركان الجيش للعمليات والعمليات المشتركة وقائد القوات البرية تفقد القوات في الشريط الحدودي بين العراق وسوريا قاطع عمليات غربي نينوى في سنجار للاطلاع على الأوضاع الأمنية ضمن قاطع المسؤولية.
وكان وزير الدفاع العراقي أعلن قبل يومين أن “جيشنا بصنوفه وتشكيلاته كافة جاهز ويواصل مهامه لحماية حدود العراق وسمائه من أيّ خطر جنبا إلى جنب مع بقية القوات الأمنية الأخرى.“
وقال “ساهرون ليلا ونهارا لأمنكم وأمن العراق، ولن نسمح بتسلل أيّ إرهابي أو مخرب إلى أرض بلدنا.”
ولا تفهم تصريحات العباسي في سياق منع الميليشيات من دخول سوريا والاشتراك في حرب خارجية تجر العراق إلى مربع حرب لا مصلحة له فيها، ولكن في سياق التأهب لمنع تسلل متطرفين إلى العراق، وهو مجال مختلف تماما، ويجعل المواطنين العراقيين يتخوفون من تصعيد إسرائيلي أو أميركي ضد بلادهم.
وتنفذ القوات العراقية بين الحين والآخر عمليات عسكرية لمطاردة الجماعات المسلحة والمتسللين من الأراضي السورية فضلا عن إقامة خندق وسياج أمني مجهز بالكاميرات على طول الشريط الحدودي بين العراق وسوريا.
◄ تدخل إسرائيل المباشر يعني أنها اعتبرت العراق طرفا في الحرب وواجهة من واجهات إيران، وهو أمر سيجعل الضربات الإسرائيلية شبيهة بما يجري في غزة ولبنان
ويقابل السوداني الخطر الداهم بتوجيه الاتهامات إلى إسرائيل متغاضيا عن تحميل الميليشيات مسؤولية جر العراق إلى حرب لا مصلحة له فيها، وغير قادر على مواجهة تداعياتها الاقتصادية والإنسانية خاصة إذا نفّذت إسرائيل هجمات قوية على أهداف مدنية بتدمير أحياء سكنية أو بلدات بأكملها لمجرد تخزين الأسلحة فيها كما يحدث في غزة ولبنان أو ضربت منشآت النفط والكهرباء كما هو الشأن في اليمن.
وتقول أوساط سياسية عراقية إن السوداني فشل في النأي بالعراق عن إيران والميليشيات الحليفة لها، وبان بالكاشف أنه لا يقدر على ذلك بالرغم من تعهداته المعلنة بتحييد العراق عن الحرب، وإن سلبية رئيس الوزراء العراقي تعطي شرعية لأيّ هجوم إسرائيلي خاصة بعد الشكوى أمام مجلس الأمن.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أعلن قبل أيام أنه وجّه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي يحضّه فيها على الضغط على الحكومة العراقية لوضع حدّ لهجمات تشنّها على الدولة العبرية “ميليشيات موالية لإيران“.
وقال ساعر في منشور على منصة إكس “وجّهت رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي دعوت فيها إلى اتخاذ إجراءات فورية في ما يتعلق بنشاط الميليشيات الموالية لإيران في العراق الذي تُستخدم أراضيه لمهاجمة إسرائيل“.
وأضاف أنّ إسرائيل “تدعو الحكومة العراقية إلى الوفاء بالتزاماتها واتخاذ تدابير فورية لوقف هذه الهجمات ومنعها،” مؤكدا في الوقت نفسه أنّ “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، على النحو المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، واتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية نفسها ومواطنيها من الأعمال العدائية (…) للميليشيات المدعومة من إيران في العراق“.