لم يمض أكثر من شهر على عملية البحر الميت التي قام بها عنصران ينتميان إلى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن واستهدفت الجانب الإسرائيلي، لتشهد العاصمة عمان، فجر الأحد، حادث إطلاق نار قرب السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية، أدى إلى مقتل مسلح وإصابة ثلاثة عناصر من قوى الأمن الأردني.
ويطرح تواتر الحوادث الأمنية في المملكة تساؤلات حول ما إذا كانت هذه العمليات فردية، تأثرا بما يجري في قطاع غزة والمنطقة، أم أنها منظمة وتقف خلفها جماعات لديها ارتباطات إقليمية؟ ويقول محللون إن تواتر العمليات يثير شكوكا بالفعل لدى السلطات الأردنية من وجود عمل منظم، في سياق مخطط لزعزعة الاستقرار، وجر الأردن إلى بؤرة الصراع الذي تشهده المنطقة.
ووصف وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني حادث إطلاق النار في الرابية بـ”الاعتداء الإرهابي”. وأوضح أن “التحقيقات مستمرة بشأن الحادث الإرهابي الآثم لمعرفة التفاصيل والارتباطات كافة وإجراء المقتضيات الأمنية والقانونية بموجبها.”
وقال المومني “المطلوب إعلاء حالة الوعي الوطني من كافة المواطنين والقوى السياسية والقوى الحزبية المختلفة، علينا أن ندرك اللحظة الأمنية التي يعيشها الإقليم ونحن في الأردن نحاول أن نحصن بلدنا من هذه الأخطار وعلينا أن نلتف حول القيادة والوطن والعلم والجيش.”
وكانت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) نقلت عن مديرية الأمن العام أن الشرطة أطلقت النار في وقت مبكر الأحد على مسلح “أطلق النار على دورية عاملة في المنطقة” في حي الرابية في عمان.
وذكر مصدر أمني أن السلطات طاردت المسلح الذي كان يحمل سلاحا رشاشا لمدة ساعة على الأقل قبل أن تحاصره وتقتله قبيل الفجر، فيما كشف مصدر أمني ثان أن المسلح مطلوب ولديه سجل إجرامي سابق على خلفية قضايا جنائية عدة من أبرزها قضايا المخدرات.
ولفت إلى أن منفذ العمل الإرهابي كان قد بادر وبشكل مباشر إلى إطلاق العيارات النارية تجاه طاقم دورية أمنية (نجدة) كانت تتواجد في المكان قاصداً قتل أفرادها بواسطة سلاح أتوماتيكي كان مخبئاً بحوزته، إضافةً إلى عدد من الزجاجات والمواد الحارقة.
وأضاف أن رجال الأمن اتخذوا الإجراءات المناسبة للدفاع عن أنفسهم وطبقوا قواعد الاشتباك بحرفية عالية، للتعامل مع هذا الاعتداء الجبان على حياتهم وعلى حياة المواطنين من سكان الموقع. وأوضح المصدر أن رجال الأمن المصابين قد نُقلوا لتلقي العلاج، وهم في حالة مستقرة الآن بعد إصابتهم بإصابات متوسطة، وأن التحقيقات متواصلة حول الحادثة.
وقال شهود في وقت سابق إن الشرطة الأردنية فرضت طوقا أمنيا في محيط السفارة الإسرائيلية التي تحظى بحراسة أمنية مشددة في العاصمة عمان بعد سماع طلقات نارية. وذكر شاهدان أن سيارات الشرطة والإسعاف هرعت إلى حي الرابية حيث توجد السفارة.
وتشهد المنطقة القريبة من السفارة احتجاجات متكررة ضد إسرائيل. وشهد الأردن بعض أكبر الاحتجاجات السلمية في المنطقة التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين مع تصاعد المشاعر المعادية لإسرائيل بسبب الحرب في قطاع غزة. وفي الثامن عشر من أكتوبر الماضي، قام عضوان ينتميان إلى جماعة الإخوان، بإطلاق النار، على جنود إسرائيليين على بعد نحو ثلاث كيلومترات من مستوطنة إيلوت جنوبي البحر الميت، ما أسفر عن إصابة جنديين إسرائيليين.
وفي موقف غير معهود سارعت جماعة الإخوان وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي إلى مباركة العملية التي نفذها حسام أبوغزالة وعامر قواس، قبل أن تتراجع عن ذلك وتصفها بالعملية الفردية، وذلك بعد ردود الفعل الشعبية والرسمية والسياسية التي خلقتها.
ولم يسبق أن شهد الأردن تنفيذ عملية من أراضيه باتجاه إسرائيل بشكل معد مسبقا وصل إلى حد ترك “وصايا” في تسجيلين منفصلين، حملا دعوات إلى الشعب الأردني للنفير والانتفاض ضد إسرائيل، معلنين “كسر وفتح باب الجهاد بالإعلان عن أولى عمليات طوفان الأردن، واجتياز الحدود والإغارة على اليهود.”
وأقر الناطق باسم حماس بأن عملية البحر الميت هي جزء من طوفان الأقصى الذي تحول إلى طوفان الأردن، ما يعزز الفرضية القائلة بأن العنصرين تلقيا دعما وتمويلا وتخطيطا من جهات معينة. وقال المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة في تعليق آنذاك على عملية البحر الميت، إنه من الصعب عزل العملية عن سياق ما يجري في المنطقة، مضيفا “نحن لا نتحدث عن عمل فردي غير منظم، ويبدو أن العدد المرتبط بالتنفيذ كان يتجاوز الشخصين.”
وسبق وأن حذر المسؤولون الأردنيون من مخططات لإثارة الفتنة والعنف داخل المملكة، وسط تلميحات إلى تورط إيران. وتتزامن تلك العمليات، مع تصاعد وتيرة محاولات تسلل عناصر يعتقد أنها تنتمي إلى شبكات محسوبة على إيران تنشط في مجال تهريب المخدرات والأسلحة، على الحدود بين الأردن وسوريا، حيث أعلن الجيش الأردني، الأحد، عن مقتل شخص والقبض على سبعة آخرين في ثلاث محاولات تسلل منفصلة من سوريا إلى أراضي المملكة.
وخلال السنوات الماضية، شهد الأردن المئات من محاولات التسلل والتهريب من جارته الشمالية سوريا، نتيجة تردي الأوضاع الأمنية فيها. واختلفت العمليات في أساليب التنفيذ والمواد المهربة، حيث استخدمت المسيّرات في عدد منها، وتنوعت الأحمال بين المخدرات والأسلحة والمواد المتفجرة.
ويرى مراقبون أن تسجيل ثلاث محاولات تسلل داخل الأراضي الأردنية من جنوب سوريا في ظرف لا يتجاوز الأربع والعشرين ساعة، حصلت خلاله حادثة الرابية، أمر لا يمكن التغافل عنه، والتعاطي معه من باب الصدفة.
ويلفت المراقبون إلى أن ما يجري يوحي بوجود تنسيق بين قوى في الداخل ومحور المقاومة الذي تقوده طهران، وهذا الأمر إن تأكد فإنه يضع الأردن في موقف صعب. والكثير من سكان الأردن البالغ عددهم 12 مليون نسمة من أصل فلسطيني. ولا تحظى معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل بقبول بين العديد من المواطنين.