تراجعت الحكومة المصرية عن وعدها للمواطنين بعدم إضافة أعباء جديدة عليهم خلال الفترة المقبلة، ومنحت الضوء الأخضر لشركات الاتصالات برفع أسعار المكالمات والإنترنت، ما أثار غضبا شعبيا، ظهرت ملامحه على الفضاء الإلكتروني.
وعادت الحكومة إلى سياستها القديمة بالعمل على تحريك أسعار السلع والخدمات تدريجيا، لتجنب اتساع دائرة الغضب منها، لكن ذلك لم ينجح في تليين ردة فعل الشارع لأن نسبة الزيادة بدت كبيرة.
وبدأ مصريون يتعايشون على مضض مع الزيادة الجديدة في أسعار الاتصالات والإنترنت، مع تأكيد رئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات محمد شمروخ (جهة حكومية)، أن الزيادة واجبة نتيجة ارتفاع تكاليف التشغيل على الشركات مقدمة الخدمة، ويجب تعويضها بعد أن تحملت الكثير من الأعباء، بما انعكس على أرباحها.
وتعهد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي مؤخرا بعدم قيام الحكومة بأيّ خطوة تضيف أعباء جديدة على عاتق المواطنين الفترة المقبلة، لكن المواطنين تلقوا صدمة مرتبطة بالإعلان عن زيادة الأسعار في قطاع الاتصالات والإنترنت.
وبتطبيق هذه الزيادة، ستكون المرة الثانية خلال العام الحالي التي ترتفع فيها أسعار الاتصالات والإنترنت، حيث وافقت الحكومة للشركات على تحريك أسعار خدمات الهاتف والتليفون المنزلي بما يتراوح بين 10 و17 في المئة في فبراير الماضي، بحجة ارتفاع تكاليف التشغيل وزيادة معدل التضخم.
وما يثير غضب بعض المصريين أن الحكومة تتمسك بتصنيف خدمات الاتصالات والإنترنت على أنها من الرفاهيات، وليست سلعة أساسية مثل الطعام والشراب والكهرباء ومشتقات البترول، وترى أن تذمر الناس من أيّ زيادة غير مبرر، لأن المواطن في يده التنازل عن تلك الرفاهية أو ترشيد استخدامها إذا ارتفع سعرها.
وأصبحت خدمات الاتصالات والإنترنت بالنسبة إلى شريحة كبيرة من المصريين تشكل سلعة أساسية، ولم يعد اقتناء الهاتف المحمول يرتبط بالمستوى المعيشي للفرد أو الأسرة، لأنه جزء مهم من احتياجات الناس لتسيير حياتهم اليومية.
وتكمن المعضلة في أن الحكومة ترغب في تعميم التعامل الرقمي بين الجهات الرسمية والمواطنين ضمن خطة تستهدف تعميم الرقمنة في كل القطاعات للقضاء على البيروقراطية ومحاربة الفساد الإداري المرتبط بالعنصر البشري، وتفرض أعباء جديدة على الناس قد تجعل بعضهم يحجم عن تعامله مع الإنترنت.
ووصل عدد بطاقات الهاتف المحمول في مصر إلى 110 ملايين بطاقة، وفق تقرير رسمي لوزارة الاتصالات صدر مؤخرا، ما يعني أن هناك نسبة ليست قليلة من المواطنين تستخدم هاتفين وليس واحدا فقط، وبلغ إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت نحو 85.8 مليون شخص في مراحل عمرية مختلفة، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 107 ملايين نسمة.
ويعني ذلك أن الحكومة مهما تمسكت بأن خدمة الاتصالات والإنترنت من الرفاهيات ويحق لها تحريك أسعارها، قد تواجه غضبا من شريحة كبيرة من المواطنين، بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم الاجتماعية، بما يعكس انفصالها عن الواقع وعدم اكتراثها بأن بعض الرفاهيات صارت أساسيات.
وقال الباحث والخبير في شؤون الاقتصاد السياسي كريم العمدة لـ”العرب” إن الاتصالات رفاهية يحتاجها الشعب، والحكومة ليست مطالبة بدعم سلعة يمكن الاستغناء عنها من قبل البعض، وما يهم المواطن عدم تأثير غلاء الاتصالات على التضخم والسلع الأساسية، وأن يجد خدمة اتصالات وإنترنت لائقة وهذا دور الرقابة.
ويثير توقيت رفع أسعار خدمات الاتصالات بعض الريبة عند قطاع من المصريين، لأن المبررات التي جرى تقديمها للناس غير منطقية، والحقيقة تبدو مرتبطة بمحاولة تحسين الخدمة على حساب جيوب المشتركين دون أن تتحمل الشركات مبالغ مالية مقابل استسهال فرض تسعيرة جديدة.
توقيت رفع أسعار خدمات الاتصالات يثير بعض الريبة عند المصريين، لأن المبررات التي جرى تقديمها غير منطقية
ويبرهن بعض خبراء الاتصالات على ذلك بأن الشركات الأربع التي تقدم خدمة الهاتف المحمول في مصر، حصلت على موافقة رسمية بتقديم خدمات الجيل الخامس، وبلغ إجمالي الرسوم التي دفعتها الشركات للحكومة نحو 675 مليون دولار، ومن الطبيعي أن تسترد تلك المبالغ من المتلقين للخدمة.
وهناك أصوات تبرر لشركات الاتصالات رفع أسعار خدماتها، لأنها تعتمد في تشغيل أبراج الهاتف المحمول على السولار والمازوت، بينما قررت الحكومة رفع أسعار الوقود أكثر من مرة هذا العام، آخرها في أكتوبر الماضي، حيث تمت زيادة أسعار جميع أنواع مشتقات البترول بنسب وصلت إلى 17 في المئة.
وجزء من السخط الشعبي ضد الحكومة مردّه أنها واقفة طوال الوقت في صف شركات الاتصالات وتوافق لها على مكاسب مالية مضاعفة بمبررات وأسباب واهية، وإن اتُهمت من المواطنين بتقديم خدمة سيئة، على مستوى المكالمات والإنترنت، ورغم ذلك تمنحها الموافقة على رفع الأسعار دون أن يقابل ذلك بجودة عالية.
وأضاف كريم العمدة لـ”العرب” أن التحفظ ضد تحريك أسعار خدمات الهاتف له علاقة بتراكمات سلبية في قطاعات أخرى على مستوى الغلاء، لكن في المقابل لا يجب أن يتم ترك الشركات تتكبد خسائر وهي جزء أساسي من صميم الاقتصاد المصري، حتى لو كانت خاصة، فهي في النهاية تستهدف الربح ومن المنطقي تعويضها بتحريك السعر وتعويضها من المستخدمين.
وباتت هناك قناعة لدى غالبية متلقي خدمة الإنترنت والاتصالات بأن الأسعار مهما ارتفعت بحجة الحصول على جودة أعلى، فذلك لن يتحقق بحكم الشواهد السابقة، عندما قررت الحكومة أكثر من مرة تحريك الأسعار لذات السبب، ولم تتحسن الخدمة، سواء قبل تغير سعر الصرف وثبات أسعار المحروقات، أو بعدهما.
ويمكن اكتشاف حجم تراجع الثقة لدى بعض المصريين في الحكومة بقراءة تفسيراتهم للزيادة المرتقبة على الاتصالات والإنترنت، وتسويقهم إلى أن هناك شبهة تعمد لتخفيف التعامل على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية التي تثير منغصات للحكومة، وبعد أن أخفقت في تحجيمها قررت توظيفها في الغلاء.