يتسم الواقع الراهن لتنظيمات الإخوان المسلمين، محلياً وإقليمياً ودولياً، بالتراجع بعد الذي لحقهم منذ سقوط حكمهم في مصر، وما تلا ذلك من سنوات أكدت أن الجماعة، وعلى عكس كافة المراحل السابقة التي شهدت فيها صعوداً وهبوطاً، في طريقها إلى بداية النهاية، ولاسيما مع تشرذُم قيادتها المصرية وعدم قدرتها على التعبئة والحشد واستمرار عزل عناصر التنظيم مجتمعياً في مصر.
واستضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوم 12 نوفمبر 2024، الأستاذ ضياء رشوان، رئيس مجلس إدارة “جائزة الإعلام العربي” ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني في جمهورية مصر والرئيس الفخري للاتحاد العام للصحافيين العرب، في حلقة نقاشية تحت عنوان “حالة تنظيم الإخوان المسلمين في الوقت الراهن.” وقد أدار الحلقة الأستاذ حسام إبراهيم، المدير التنفيذي لمركز المستقبل، وشارك فيها خبراء وباحثو المركز. ولخَّص رشوان المشهد المتعلق بتراجع جماعة الإخوان المسلمين في خمسة عوامل أساسية.
1 - الوطنية المصرية لم تكن مرجعية الجماعة منذ التأسيس: يشير تاريخ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي تم تدشينها عَقِبَ اجتماع ضمَّ ستة أشخاص، من بينهم مؤسِّسها ومرشدها الأول حسن البنا، في مارس 1928، في محافظة الإسماعيلية بمصر، إلى أن الجماعة أقل عمراً من قوى سياسية أخرى كانت موجودة في الساحة السياسية المصرية، ومنها على سبيل المثال، حزب الوفد، الذي تأسَّس في بداية عشرينيات القرن العشرين، وترأسَّه الزعيم المصري سعد زغلول. كما أن الحركة اليسارية في مصر ظهرت بالتزامن مع الثورة البلشفية في روسيا في عام 1917، وغيرها من التيارات السياسية المصرية الأخرى.
بداية نهاية التنظيم ترجع إلى تشتت قياداته وافتقادهم للدور الاجتماعي وفشلهم في الحكم بعد أن جرى تجريبهم واختبارهم
ومنذ النشأة وضح الفارق الجوهري بين الإخوان وغيرهم من القوى السابقة عليهم، فبينما انتهجت الجماعة إطاراً عابراً للوطنية من مدخل عالمية الإسلام وأستاذية العالم، كانت الوطنية المصرية فقط هي المرجعية الأساسية لحزب الوفد والأحزاب اليسارية ولم يكن لها أي انتماءات قومية أو عالمية.
2 - تحوُل الجماعة من “الدعوي” إلى “السياسي”: حدث تحوُل كبير في فكر وسلوك جماعة الإخوان المسلمين في المؤتمر الخامس للجماعة في سنة 1938، عندما أعلن مؤسِّسها حسن البنا عن رسالته الشهيرة، والتي تضمنت الانتقال من المسار “الدعوي” إلى مسار “المشاركة في المجال العام” ما يعني المشاركة في الحياة السياسية. وقد حدث ذلك وِفْقَ مراحل التأسيس عند الجماعة، أي أن الجماعة رأت بعد عشر سنوات فقط من تأسيسها أن تخوض العمل السياسي؛ ما يشير إلى حقيقة أهداف الجماعة، فهي تستخدم الدعوي لصالح السياسي طوال الوقت.
3 - سقوط حكم الإخوان: وجدت جماعة الإخوان المسلمين نفسها في ظروف مهيأة وفرصة تاريخية لتحقيق الحلم الرئيسي، بالسيطرة على الحكم بعد ثورة 25 يناير 2011، على الرغم من أن الشواهد أشارت إلى أن الإخوان قد لحقوا متأخرين بالاحتجاجات الشعبية حينذاك، كما أصدر القيادي الإخواني عصام العريان، بياناً تضمن عشرة شروط للمشاركة؛ تعني أن الإخوان قد لا يخرجون أصلاً، ولكن انضم الإخوان للاحتجاجات، مساء يوم 28 يناير 2011، أي بعد تراجع وزارة الداخلية المصرية (الشرطة) عن تأمين الشوارع، ثم سيطر الإخوان بعد الثورة على المجالس المحلية والنيابية والرئاسة نتيجةً لتشرذم المعارضة المدنية المصرية.
واختلفت قيادات الإخوان على الترشح للرئاسة، وتم التصويت في النهاية على الموافقة على تقديم الجماعة مرشحاً للرئاسة، بفارق أصوات قليل داخل مجلس شوى الجماعة، ثم جاءت الاحتجاجات الواسعة في 30 يونيو 2013، والتي استجابت لها القوات المسلحة المصرية لتتم الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين.
تنظيم الإخوان لم ينجح طوال عقد كامل في أية انتخابات سوى في الانتخابات الأردنية التي أجريت في شهر سبتمبر الماضي
4 - تمرُد وانقسام داخلي منذ ثورة 2013: مرَّت جماعة الإخوان المسلمين على مدار تاريخها بحالات تمرُد داخلي وانقسامات، وإن بشكل محدود، فقد شهدت الجماعة أول حركة تمرُد داخلي في عاميْ 1937 و1938، عندما ظهرت جماعة سُميت بـ”شباب سيدنا محمد” وكانت أقرب إلى السلفية الجهادية في وقتنا الحالي؛ وتم إخمادها سريعاً.
وقد أدى اغتيال حسن البنا، في ديسمبر 1949 إلى فشل جماعة الإخوان في اختيار خليفة له طيلة ثلاث سنوات نظراً للخلافات الموجودة بين قادة الجماعة داخل مكتب الإرشاد، رغم كونهم الجيل المؤسِّس للجماعة، إلى أن تم اختيار شخصية من خارج مكتب الإرشاد، وهو القاضي حسن الهضيبي، الذي أصبح المرشد الثاني للجماعة. أيضاً حدثت انشقاقات فردية عديدة في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر بعد القضية المعروفة بانقلاب سيد قطب في عام 1965.
ويلفت النظر في الحالة الأخيرة أن الجماعة تحمل في أفكارها بذور العنف والتطرف، فحينما دخل بعض شباب وقيادات الجماعة السجن في محاكمات 1965، ومنهم شكري أحمد مصطفى، الطالب في كلية الزراعة بجامعة أسيوط بمصر، أسفرت الحوارات داخل السجن بين الطلاب وقيادات الإخوان إلى ما يُسمَّى بـ”منهج التكفير والهجرة” والذي جسدته بعد ذلك ما سُمِّيت “جماعة المسلمين” التي تزعمها شكري مصطفى.
ورغم هذه الانقسامات والانشقاقات المحدودة داخل الجماعة على مدى ثمانين سنة؛ فإن ما ميَّز الجماعة في كل أزماتها السابقة هو ثبات هيكلها التنظيمي، فتأثيرات هذه الانقسامات ظلت محدودة بالنظر إلى أن الجماعة بقيت متماسكة ككيان وتنظيم له قيادة مُوحَّدة، وعناصر منتمية فكرياً وتنظيمياً له.
هذه المرحلة تشبه بداية النهاية بالنسبة لتنظيم الإخوان كما عرفناه لقرابة 90 سنة
ولكن هذا الأمر قد اختلف في السنوات الأخيرة، فللمرة الأولى تؤثر الانشقاقات الداخلية بالجماعة في هيكلها وبنيتها وتنظيمها، منذ لجوئها إلى العنف والإرهاب بعد ثورة 2013، حيث انتقلت القيادات إلى بلدان أخرى وخرج من صفوف الإخوان مجموعات شبابية لم تَعُد تؤمن بأفكار الجماعة، وخرج منها كذلك مؤيدون ومنتسبون جُدُد إليها.
5 - فقدان القدرة على التعبئة والحشد: لعل الملمح الأبرز بعد الأحداث التي تلت 30 يونيو 2013 في مصر، ودخول أغلب قيادات الإخوان إلى السجون، وسفر البعض الآخر إلى خارج مصر، أن الإخوان كتنظيم فقد أهم ميزة له، وهي القدرة على التعبئة والحشد، إذ لم ينضم للجماعة أي عنصر جديد في هذه الفترة، بل إن الأعضاء التنظيميين الذين كانوا ينتمون للجماعة قد أصبحوا خاملين، وليس لهم أي نشاط يتعلق بالمجال العام. ويعزى ذلك إلى أن التجنيد في جماعة الإخوان يتم من خلال التواصل المباشر، وليس عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من الوسائل غير المباشرة، والتي تستخدمها التنظيمات الأخرى مثل: داعش والقاعدة.
خسارة التنظيم في أنحاء الدول العربية: أدى سقوط الإخوان في مصر إلى تراجع مشروعهم وشعبيتهم في كافة الدول الأخرى، فقد تم عزلهم من حُكم السودان، وتراجعوا في ليبيا وتونس والمغرب وغيرها من الدول التي كانوا قد حققوا فيها نتائج انتخابية جيدة.
وطوال عقد كامل لم ينجح تنظيم الإخوان في أية انتخابات سوى في الانتخابات الأردنية التي أجريت في شهر سبتمبر الماضي، وهي حالة استثنائية ترتبط بالحرب الإسرائيلية في قطاع غزة خاصةً مع الارتباطات الديمغرافية بين الفلسطينيين والأردنيين.
ووفقاً لما سبق، يمكن القول إن هذه المرحلة تشبه بداية النهاية بالنسبة لتنظيم الإخوان كما عرفناه لقرابة 90 سنة، ولكن هذا لا ينفي احتمالية أن تكون الجماعة موجودة مستقبلاً، ولكن ربما مع اختلاف اسمها وبعض أفكارها؛ أي أننا نشهد مرحلة بداية النهاية للإخوان، ويرجع ذلك إلى تشتتهم قيادياً وتنظيمياً من جانب أول، وعزلهم مجتمعياً من جانب ثانٍ، وفقدانهم القدرة على الحشد والتجنيد من جانب ثالث، وافتقادهم الدور الاجتماعي الذي كانوا يقومون به في فترات سابقة من جانب رابع، والجانب الخامس والأهم أنه قد جرى تجريبهم واختبارهم في الحكم لكنهم أثبتوا فشلهم.