عكس تكريس مجلس النواب المصري حرية اللاجئين في الاعتقاد الديني، تمسك الحكومة بالتعامل مع الحريات الدينية كأولوية ترمي إلى ضرب قواعد السلفيين والإخوان، باعتبار أن الفصيلين يتعاملان مع العقيدة كهدف سياسي لمحاصرة السلطة بأزمات طائفية.
وصادق البرلمان مؤخرا على قانون لجوء الأجانب الذي ينظم شؤون وحياة اللاجئين، وتضمن مادة تؤكد على أنه لِلَّاجِئِ الحرية الكاملة في الاعتقاد الديني، ليصبح لأصحاب الديانات المختلفة الحق في ممارسة الشعائر الدينية بدور العبادة المخصصة لذلك، من دون أي تدخل في شؤونهم أو معتقداتهم.
وحمل النص الخاص بالحريات الدينية ضربة قاصمة للسلفيين خصوصا، وهم من ينظرون بريبة وتشكك إلى حرية الاعتقاد الديني في المجتمع ويرون أنها تمثل خطورة على الإسلام وتهدد عقيدة الأغلبية السكانية، وبينهم من يبرر الترهيب ضد أيّ من أصحاب الديانات الأخرى بأن مصر دولة إسلامية فقط.
ويشير تمسك الحكومة بوضع نص تشريعي خاص بعقيدة اللاجئين إلى أنها ستتعامل مع كل استهداف طائفي بقوة القانون، بعيدا عن الترضيات والجلسات العرفية التي اعتادت بعض المؤسسات الدينية اللجوء إليها في حل الخلافات التي تقع بين مسلمين وأقباط على أساس ديني، لأن اللاجئين لن تصلح معهم مثل تلك الجلسات.
وتدرك دوائر سياسية في مصر أن الاحتقان الطائفي الذي يكون بعض اللاجئين غير المسلمين طرفا فيه مع تيارات متشددة، قد يجلب على الحكومة منغصات تختلف عن تلك التي يكون طرفاها من المسلمين والأقباط، لذلك فضّلت غلق الثغرة مبكرا بتكريس الحريات الدينية لجميع اللاجئين.
وهناك قناعة لدى الحكومة المصرية بأن ثأر الإخوان والسلفيين بإقصائهم من المشهد لن يتوقف، ولن يتورعوا عن افتعال أزمات عقائدية مع بعض طالبي اللجوء في توقيتات حساسة، خاصة عندما تصبح إقامتهم في مصر شرعية ومقننة بقوة القانون ولهم نفس حقوق المواطنين، ومن ثم كان من الضروري حسم مسألة الانتماء العقائدي.
وأظهرت ردود فعل السلفيين على قانون اللاجئين إلى أي درجة لديهم عداء مطلق ضد مسمى المواطنة والحريات الدينية، حيث تعرضوا للحكومة والبرلمان على الفضاء الإلكتروني بانتقادات لاذعة، وبينهم من ادعى وجود خطر على الديانة الأم للدولة وطالبوا بتدخل الأزهر، لكن البرلمان مرر القانون.
ويرى مراقبون أن وضع نص خاص بحرية الانتماء العقائدي في القانون المنظم لشؤون اللاجئين، محاولة من القاهرة للتأكيد على أنها ماضية في تحسين سجل الحريات الدينية في البلاد، لنفي أية ادعاءات خارجية بحدوث انتهاكات، لذلك تتعامل مع الملف كأحد أوجه تحسين ملفها الحقوقي بوجه عام، بالانفتاح على الأديان المختلفة.
وأدركت الحكومة أن الحريات الدينية، وإن أثارت استنكار المتشددين لا تشكل تهديدا على الأمن القومي بقدر ما تساهم في إعلاء المواطنة التي تخدم الاستقرار الداخلي وتقرب المسافات بين أصحاب العقائد المختلفة، في ظل النفور المجتمعي من أي استهداف يضرب علاقة المسلمين والأقباط من الإخوان والسلفيين.
واعتاد متشددون الضغط على الحكومة باستمرار تكدير حياة الأقباط لدفعهم إلى إخفاء انتمائهم العقائدي، عبر فتاوى تحريم التهنئة بأعيادهم والتحريض ضد ملف تقنين وبناء الكنائس، لإجبار الدولة على إعادة النظر في حساباتها والتعامل مع الأقباط بخشونة، لكن السلطة لم ترضخ وتوسعت في تقنين الكنائس.
ردود فعل السلفيين على قانون اللاجئين أظهرت إلى أي درجة لديهم عداء مطلق ضد مسمى المواطنة والحريات الدينية
وتجاوزت الغالبية الوصاية الدينية في مصر منذ سقوط حكم جماعة الإخوان عقب ثورة 30 يونيو 2013، وهي الحصانة التي تحتمي فيها الحكومة لمواجهة أية مناكفة أو ضغوط بورقة الاحتقان الطائفي سعيا وراء ضرب السلم المجتمعي وإظهار السلطة في صورة عاجزة عن حماية الأقليات.
وقال الباحث في شؤون العقائد محمد أبوحامد إن تكريس الحريات الدينية للاجئين خطوة إيجابية لمنع الاستقطاب على أساس عقائدي، وهناك شواهد تبرهن أن الدولة تتمسك بتكريس ثقافة التسامح والاختلاف، لكنها تحتاج إلى خطاب ديني عصري يدعمها.
وأضاف لـ”العرب” أن الخطاب الرامي لتعزيز المواطنة يحتاج إلى مقومات كثيرة كي ينجح في المهمة، ووجود تشريعات ضامنة لحرية العقيدة أمر لا غنى عنه، المهم أن تدعمها المؤسسات الدينية بشكل واقعي، ومعاقبة التمييز الديني وكبح جماح الفتاوى المتشددة ومواجهة الخطاب التحريضي بحسم.
ويتجاوز عدد اللاجئين في مصر تسعة ملايين شخص، بينهم مسلمون وأقباط وبعضهم لا ينتمي إلى أي عقيدة معترف بها عند المجتمع، لكن الأغلبية السكانية تعايشت منذ سنوات مع حرية الانتماء إلى أي ديانة، أو عدم الانتماء من الأساس، بحكم التغيرات التي طرأت على المجتمع وميل الكثير من الأجيال الصاعدة إلى التحرر.
ويمكن بسهولة اكتشاف تعاطي الحكومة مع الحريات الدينية للاجئين كأولوية، مهما تعرضت لابتزاز من متشددين، بمطالعة وسائل الإعلام الرسمية التي ركزت بشكل واضح مع النص القانوني الخاص بحرية العقيدة، كمحاولة للتأكيد على أن القاهرة تجاوزت التحريض الطائفي ولن تتراجع عن دعم المواطنة وحرية الاختلاف.
عدد اللاجئين في مصر يتجاوز تسعة ملايين شخص، بينهم مسلمون وأقباط وبعضهم لا ينتمي إلى أي عقيدة معترف بها
ويتيح نص القانون أن تقوم المنظمات العاملة في مجال الحريات الدينية بالتحرك بأريحية وبلا معوقات بحيث تقيم أنشطة وفعاليات خاصة بأصحاب كل عقيدة، في إشارة واضحة بأن الحكومة لن تستهدف الحقوق الدينية لغير المصريين بل ستحميها، بقطع النظر عن وجود ممانعات من بعض الأطراف للقانون أم لا.
ويصعب فصل ذلك التوجه عن سعى الحكومة المصرية لتعزيز الصورة الإيجابية المأخوذة عنها في ملف الحريات الدينية لتعظيم مكاسبها السياسية، بما يُمكنها من الترويج للأمان المجتمعي وتطبيق المواطنة والمساواة بين أصحاب العقائد، وأن ما يثار بين الحين والآخر من حوادث طائفية لن يوقفها عن حماية حقوق الأقليات.
وتعرضت القاهرة لضغوط خارجية بسبب حقوق الأقباط واستهدافهم من إسلاميين، وكانت مصر قد اقتربت من إدراج اسمها بالقائمة السوداء لأكثر الدول انتهاكا للحريات الدينية، لكن الحكومة تمسكت بتصعيد المواجهة مع الإخوان والسلفيين لحماية الأقباط، ولا ترغب في تكرار نفس الأزمة من بوابة اللاجئين.
ويرى متابعون لملف الحريات الدينية أن مصداقية الحكومة في ترسيخ التعايش والتسامح بين أصحاب العقائد تحتاج لمزيد من الإجراءات بعيدا عن إدراج ذلك في نص قانوني، وعليها التدخل الصارم في عدم خروج فتاوى متشددة ضد أي طائفة دينية لقناعة بعض أصحاب الأفكار الرجعية أن هناك حماية ذاتية لهم طالما يتحركون بأريحية دون حساب.
ووضع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خطوطا حمراء ضد المساس بأصحاب أي عقيدة وتمسك بتكريس ثقافة قبول الآخر وتوفير كافة حقوقه الدينية والحياتية، لكن تظل العبرة في نجاح الحكومة في توفير بيئة عصرية تقبل بحرية العقيدة لكل أصحاب الديانات، لأن ذلك يندرج ضمن أساسيات حقوق الإنسان، دون التفات للجنسية.
وتظل الإشكالية التي تعيق تطبيق الحريات الدينية بمفهومها الشامل في مصر أن المتطرفين يجيدون استغلال قوانين تجريم ازدراء الأديان لترويع البعض واستهدافهم، وتمثل هذه التشريعات أداة لبعض المتشددين لإرهاب خصومهم من دون عقاب، ما فرض على الحكومة النظر في تشريعات تحمي العقائد من هوس المختلفين معها.