أثار اعتزام المفوضية الأوروبية تعيين مندوب لسوريا التساؤل عن خلفيات هذه الخطوة وهل أنها غطاء للتقارب مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد أو تدخل في سياق تدعيم دور الاتحاد في الأزمة السورية من دون تغيير الموقف جذريا؟ وأوحى الغموض الذي رافق المبادرة بأن المندوب المحتمل سيكون بلا مهمة.
وشكّل الاقتراح ردا على مبادرة في يوليو الماضي بقيادة إيطاليا دعت إلى إعادة تقييم إستراتيجية الاتحاد الأوروبي في سوريا، وضرورة مشاركة دبلوماسية أوروبية رفيعة المستوى مع دمشق، وتوسيع نطاق مساعدات الإنعاش المبكر، وتخفيف العقوبات، ما بدا وكأنه تغيير في موقف الاتحاد مما يجري في سوريا ليقترب أكثر من موقف دمشق.
لكن المبادرة، وفق ما جاء في تقرير لموقع “سيريا إن ترانزيشن” (سوريا في طور الانتقال)، لم تشمل تقديم تحليل للمخاطر السياسية أو تفصيلا للظروف الراهنة في سوريا والمنطقة تستدعي تعيين المندوب.
وسرعان ما برز أن المبادرة لن تغير السياسة الخارجية الأوروبية تغييرا جذريا. ويمكن اعتبار التحرك لتعيين مبعوث مدفوعا بالعلاقات العامة داخل الاتحاد في خضم الضغوط المحلية المتزايدة بشأن الهجرة (ويتواصل خلطها بشكل مثير للقلق مع قضية اللاجئين).
وكريستيان برجر هو المرشح الأوفر حظا لهذا المنصب. وهو دبلوماسي نمساوي محنك يتمتع بخبرة كمدير لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دائرة العمل الخارجي الأوروبي، وكان رئيسا لبعثات الاتحاد الأوروبي في تركيا ومصر. كما أنه مدافع ثابت عن موقف الاتحاد الأوروبي المبدئي بشأن سوريا.
وبصفته معينا من المفوضية نفسها، سيتواصل برجر مع مايكل أونماخت، القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت، الذي عينته دائرة العمل الخارجي الأوروبي. وهذا ما قد يوفر فرصة لتحسين التنسيق بين المفوضية ودائرة العمل الخارجي الأوروبي. ويبدو برجر وأونماخت مناسبين لهذه المهمة.
ومن المؤكد أن التنسيق الأفضل لمواقف الاتحاد الأوروبي سيلقى ترحيبا، خاصة بعد الانقسام الذي قادته إيطاليا.
وعلم موقع “سيريا إن ترانزيشن” من مصادر دبلوماسية أن مقر المبعوث لن يكون في دمشق، لذلك لا ينبغي اعتبار تعيينه خطوة نحو التطبيع مع الأسد. وستبرز أهميته الحقيقية من طبيعة أي تعامل مع المسؤولين السوريين. وتقييم الخطوة سيعتمد على ديناميكيات سياسية أوسع، تشمل مدى إغراء الأوروبيين بالخضوع لوعود الأسد بالحد من الهجرة وتمكين اللاجئين من العودة القانونية.
ومن المتوقع أن تضغط إيطاليا وبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، الداعمين للتقارب مع الأسد، من أجل توسيع التفويض الممنوح للمبعوث إلى التنسيق على مستوى الوزراء مع دمشق.
ولم يكن تفاعل الولايات المتحدة مع خبر تعيين مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى سوريا إيجابيا؛ فبعد 48 ساعة فقط من فوز دونالد ترامب في الانتخابات، نشر عضو الكونغرس الجمهوري مايكل مكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، على موقع إكس منشورا تحدث فيه عن “خيبة أمله العميقة”.
وقال مكول إن تعيين المبعوث سيكون جزءا من “التطبيع الزاحف” مع نظام الأسد، وهي خطوة اعتبرها “خطأ إستراتيجيا ووصمة عار أخلاقية.” وحث الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر.
وأصبح بيان مكول أول مؤشر على أن إدارة ترامب لن تتخلى عن مقاربتها بخصوص سوريا كما فعلت الولايات المتحدة في عهد جو بايدن. وقد يمثل ذلك فرصة للاتحاد الأوروبي، الذي تعتمد أهدافه في سوريا على ضغوط سياسية قوية تستدعي دعم الولايات المتحدة.
وقد يفكر الاتحاد الأوروبي في التخلي عن خطة تعيين مبعوث خاص إذا استمرت هذه الانتقادات التي يواجهها، إلا إذا كان المنصب مفوضا سياسيا واضحا لدعم حل سياسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.