يقرّب استبدال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بخلفه يسرائيل كاتس، وفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، تل أبيب من فرض إدارة عسكرية بقطاع غزة، لكن ذلك قد يتضمن عواقب قانونية خطيرة في حال غياب قرار سياسي.
وقال إليشع بن كيمون في تحليل بصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية “يبدو أن إسرائيل في طريقها لتحقيق فكرة الإدارة العسكرية في قطاع غزة، وفي ضوء الإجراءات على الأرض، يبدو أنها زادت من نشاطها نحو تنفيذ هذه الخطوة.”
وأضاف بن كيمون “أعرب كبار أعضاء ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، عن رأيهم في الأمر مرات لا تحصى، لكن يبدو الآن أن ذلك يحصل على دفعة عملية على الأرض.”
وفي إطار الدلالات لاستخلاص هذه الحقيقة، أشار بن كيمون إلى أن “المؤسسة الأمنية بدأت خلال الأيام الأخيرة العمل بشكل نشط مع شركات خارجية ستتولى التعامل مع كافة قضايا المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، تحت إشراف إسرائيلي.”
والأربعاء، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن نتنياهو وكاتس، بحثا الثلاثاء لمدة 4 ساعات قضية غزة مع مختصين، وتناولا خطة لجلب شركة أمن أميركية خاصة، ما سيتطلب بقاء القوات في القطاع 3 أشهر إضافية على الأقل.
رغم أنه لم يتم اتخاذ أي قرار سياسي بشأن إنشاء إدارة عسكرية، فإن الحكومة تتعامل مع هذا الأمر وتعمل على تحقيقه
ويتشكل قطاع غزة من خمس محافظات، هي من الجنوب إلى الشمال، رفح، وخان يونس، والوسطى، وغزة، وشمال غزة.
وضمن ما يعرف بـ”خطة الجنرالات”، بدأ الجيش الإسرائيلي في 5 أكتوبر الماضي، عملية برية واسعة بمحافظة شمال غزة، تهدف وفق ما هو معلن لمنع حركة حماس من استعادة قوتها، وكشفت وسائل إعلام عبرية لاحقا أنه يسعى لفصل الشمال عن محافظة غزة، ولعدم السماح بعودة النازحين.
لكن مع إصرار الفلسطينيين على البقاء بأرضهم، عملت إسرائيل على مخطط جديد يقسم القطاع إلى عدة مناطق منفصلة عن بعضها يمكن العيش فيها وتسهل السيطرة عليها، ويربطه مراقبون بما يُعرف باسم “خطة الفقاعات”.
ومن وجهة نظر بن كيمون، فإن مخطط إنشاء شركة أميركية بدعوى إيصال المساعدات للفلسطينيين هو “تحقيق على أرض الواقع لخطط كانت في السابق على الورق فقط.”
وذكر أن “الجيش الإسرائيلي عزز سيطرته على الأرض بقطاع غزة، ووسّع المحاور التي يسيطر عليها وأقام مواقع عسكرية على ما يبدو من أجل الاستيلاء على مساحة واسعة وتطبيق الإدارة العسكرية عمليًا في قطاع غزة.”
ولفت المحلل إلى أنه “في الأيام الأخيرة، جرت مناقشات حية حول هذه القضية بين الأطراف المختلفة، بما في ذلك وزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس، وكبار أعضاء المؤسسة الدفاعية ووزراء كبار آخرين، من أجل تعزيز السياسة.”
المصادر القانونية تشير إلى افتقار خطير إلى الوضوح بشأن مسألة ما ستفعله إسرائيل بغزة بعد 13 شهرا من الحرب
واستفحلت المجاعة في قطاع غزة جراء الحصار الإسرائيلي، بينما تعيش مناطق القطاع كافة كارثة إنسانية غير مسبوقة، تزامنا مع حلول الشتاء الثاني على نحو 2 مليون نازح، أغلبهم يفترشون الخيام.
ونقل بن كيمون عن مصادر إسرائيلية مطلعة على التفاصيل، لم يسمّها، أن “بعض المسؤولين في القيادة الجنوبية للجيش يدفعون من داخل النظام لتطبيق الإدارة العسكرية للقطاع، ويخلقون حوارًا مع المستوى السياسي حول هذا الأمر.”
وقال “تأتي هذه الخطوة على خلفية تغييرين مهمين دفعا أعضاء المجلس الوزاري المصغر – الكابينت (للاصطفاف) إلى يمين نتنياهو، وهما؛ في إسرائيل، استبدال وزير الدفاع يوآف غالانت، وفي الولايات المتحدة، فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.”
وفي هذا المجال، ذكر بن كيمون أن غالانت عارض أفكار سموتريتش بشأن الاستيلاء على الأراضي بما يتوافق مع خطط المستوطنين للاستيطان شمال غزة.
وقال “يزعم مسؤولون في حركة الاستيطان أن هذه فترة تاريخية لتغيير الواقع على الأرض في مواجهة الفلسطينيين، وفرصة لن تعود.”
وأضاف “تزعم المصادر نفسها أنه تم اتخاذ قرار بعدم انتظار دخول إدارة ترامب الجديدة إلى البيت الأبيض، ولكن تنفيذ العمليات على الأرض وبناء الخطط التي ستشكل الأساس لأنشطة الإدارة الجديدة.”
إسرائيل عملت على مخطط جديد يقسم القطاع إلى عدة مناطق منفصلة عن بعضها يمكن العيش فيها وتسهل السيطرة عليها
وبحسب بن كيمون، “رغم أنه لم يتم اتخاذ أي قرار سياسي بشأن اليوم التالي للحرب بقطاع غزة، والذي يتمثل جوهره في إنشاء إدارة عسكرية، فإن الحكومة تتعامل مع هذا الأمر وتعمل على تحقيقه.”
وذكر بن كيمون أنه “إلى جانب العواقب الاقتصادية واللوجستية والبنية التحتية والأمنية المترتبة على إنشاء إدارة عسكرية (بغزة)، هناك أيضا عواقب قانونية بعيدة المدى فيما يتصل بالسيطرة على ملايين الفلسطينيين والحاجة إلى معاملتهم إنسانيا.”
وأضاف “تشير المصادر القانونية إلى افتقار خطير إلى الوضوح بشأن مسألة ما ستفعله إسرائيل بغزة بعد 13 شهرا من الحرب”.
وأوضح أن “السيطرة المدنية في غزة تعني أن إسرائيل ستكون ملزمة بتوفير احتياجات السكان ــ مثل المساعدات الإنسانية والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي ــ وليس مجرد السماح للمنظمات الدولية بتسليم الغذاء واللقاحات”.
وأردف “في غياب قرار من المستوى السياسي، اضطرت إسرائيل في الأشهر الأخيرة إلى التعامل مع التماسات إلى المحكمة العليا بشأن احتلال قطاع غزة.”
وبيّن بن كيمون أن ذلك “ينطوي على عواقب قانونية عديدة وخطيرة في ما يتصل بمعاملة السكان، فضلاً عن الإجراءات الدولية مثل تلك التي تجري في محكمة العدل الدولية في لاهاي.”
ولفت إلى أن “هناك حلا آخر مطروحا على الطاولة ولا يُروّج له على الإطلاق، وهو منح السيطرة على القطاع لكيان آخر في المنطقة، مثل السلطة الفلسطينية،” مشيرا إلى أنه “الحل الذي يعارضه نتنياهو وأعضاء حكومته بشدة.”
كما رأى أنه “بدلاً من ذلك، من الممكن أن تتولى دولة أخرى إدارة القطاع، ولكن معظم الناس يعارضون الفكرة طالما أن القتال الذي تشنه إسرائيل في غزة مستمر.”