"عِماد قادم إليكنَّ" جملة تكرَّرت في سلسلة تنمّر وتحرّش بل وتهديد باتت غير المُحجبات في ليبيا يتعرضن لها في الشارع هذه الأيام، في صورة تعكس تأييداً أو حتى تفعيلاً للتصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي بمؤتمر صحفي في الشهر الجاري.
وأمام صحافيين وفنانين وضباط شرطة أعلن الطرابلسي عن نية “فرض مجموعة قيود للآداب العامة” تشمل مواقع التواصل، وتتضمن فرض الحِجاب، ومنع الاختلاط في المقاهي والمنتزهات (لغير العائلات)، وقيود أخرى على لباس الشباب وشكل الحلاقة.
وسَتُفَعِّل الوزارة لغرض التطبيق فروع “شرطة الآداب” بمديريات الأمن. أما الوزير فقد لَوَّح حتى باقتحام المنازل والاكتفاء بشهادات الشهود كأدلة إدانة. وفي معرض تَوَقُّعه لموجة اعتراض على بعض هذه الإجراءات؛ قال مُسْتَبِقا “نحن مجتمع محافظ ومحتشم، لكن توجد طبقة معينة تُفسد علينا. ومن يريد الحرية الشخصية فليذهب لأوروبا.”
وانفجرت التعليقات في مواقع التواصل، خاصة ما يتعلق منها بالحجاب، وتباينت الآراء بين موافق ومعترض ومتحفظ، ووصل الوَقْع إلى المحيط العربي، بل والدولي الذي انعكس في قلق أبداه بعض سفراء الغرب عند لقائهم الوزير عقب تصريحاته. أما في الشارع فقد تجاوز التأثير حاجز العنف اللفظي الذي تتعرض له غير المحجبات عادةً.
وكانت الإعلامية النشطة، زينب تَرْبَح، إحداهن، ونشرت مقاطع فيديو لاقت رواجا تشرح فيها ما تعرضت له، وتساءلت عمن سيحمي الفتيات؟ وتَعجَّبت من اعتبار شعور النساء مسألة أمن قومي.
وتُبدي زينب أسفها على التعليقات السلبية لحديثها والتي مثلت الأغلبية كما يبدو. وتقول لوكالة الأنباء الألمانية “لم أتوقع أن يصل الأمر لأن يحاول شاب توجيه سيارته نحو سيارتي في طريق سريع وهو يهددني بيديه ويشير إلى شعري كأنه أم الجرائم.. كِدْتُ أن أتعرض لحادث يودي بحياتي، وبعد أن كَشَفْتُ عما حدث معي؛ تَبَيَّن وجود فتيات تعرَّضن لظروف مشابهة خطيرة.”
ومع تحفظها على إجراءات الوزارة، وتجاهلها لأثر تصريحات الوزير في الشارع، تتخوف زينب من تطبيق أي قرارات رسمية تُتَّخذ بخصوص اللباس، فقد صاروا منذ سنين “يطبقون فقط دون اعتراض” كما تقول، مستغربة من واقع الحال وردود الأفعال التي وصلت حد مبادرة شباب للتطبيق الفردي المتسرع لما ظنوا أنها “قرارات رسمية” فيما هي مجرد “تصريحات لم تلق بعد طريقا للتنفيذ.” وفق قولها.
وحول هذه الجزئية، يُعلِّق أستاذ القانون والرئيس السابق لهيئة النزاهة والشفافية، عمر الحَبَّاسي، قائلا “لو فُرِضت أي قوانين متشددة؛ سيتم الطعن فيها بعدم الدستورية؛ وستتصدى لها المحكمة العليا وتلغيها،” مظهرا ثقته في أن الليبيين “لن يرضوا بقوانين مجحفة تتعارض مع القيم الأساسية في ميثاق حقوق الإنسان.”
وضمن حديثه يؤكد الحبَّاسي “عدم قانونية فرض الحجاب،” مستندا إلى نص المادة الثانية من قانون العقوبات الليبي لسنة 1953 (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص).
ويوضح مسترسلاً “رغم قِدَم القانون، إلا أن مواده راعت حقوق الإنسان والحريات العامة، واسْتُلهِمت من الفقه المالكي الوسطي، واتَّسقت مع خصوصية الليبيين والعادات والأخلاق والآداب الرافضة لخدش الحياء العام، أما المسائل محل الخلاف فيُرجع فيها إلى الفتوى إن احتاجت، وتُحْكم بقانون جديد من الجهة التشريعية، وليس عبر كلمات مرتجلة من مسؤول.”
والمشكلة في نظر الحبَّاسي أن الوزير “غير مُؤهل” بحكم أنه “غير عالم بالقوانين، وجاء من خلفية بعيدة عن العمل الشُرَطي والقانوني،” على حد قوله.
الطرابلسي أعلن عن نية فرض مجموعة قيود للآداب العامة تشمل مواقع التواصل، وتتضمن فرض الحِجاب
وعن سؤال زينب، يستطرد الحبَّاسي مجيباً “يظل المتنمر أو المتحرش فردا، ويحق للمتضرر التظلم بمراكز الشرطة أو النيابة العامة المختصة.”
فقهياً، اختلفت آراء من حاورتهم وكالة الأنباء الألمانية. فمن ناحية يوافق أحد شيوخ السلفية (ع.ج) على ما ذهب إليه الوزير. ويقول داعيا له “وفَّقه الله وسدده في حربه على الرذيلة والفساد، وجزاه خيرا وبارك فيه وفي كل مسلم غيور على الإسلام والمسلمين.”
ويعقب الشيخ قائلا “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. أما الحجاب فلا يتضايق من فرضه إلا منكوس الفطرة رقيق الديانة أو مارق عنها. فمن هو المسلم الذي يُحب أن ينتشر الزنا في بلاد المسلمين! أو يرى شبابنا بهذه المناظر القذرة التي لا تمت لأخلاق المسلمين وعاداتهم بشيء.”
وعلى النقيض، يقول عضو الهيئة الليبية للبحث العلمي وأحد مشايخ الصوفية (م.ع) “إن كان الإكراه مرفوضا في الدين نفسه، بنص الآية [لا إكراه في الدين]، فما بالك بالتشريعات الأخرى المتعلقة بتنظيم حياة الإنسان كاللباس.”
ويضيف أن أغلب الليبيات محجبات دون قرارات وزارية، ومن المؤكد أن “المرأة بحجابها أفضل، بل وأجمل، لكن التلطُّف مطلوب، ولو كان الرسول فظا غليظ القلب؛ لانفضوا من حوله. ولو طُبِّق الحجاب عنوة؛ فقد يدفع البعض حتى للكفر بالدين.”
ويطالب الشيخ وزارة الداخلية بالابتعاد عن الفتوى والالتزام بتخصصها في بث الأمن، والحكومة بتوفير ما يلزم الناس لحجبهم عن المعاصي.
وعند سؤاله عن نتائج الفكر المتشدد قال “لقد لمسنا الأثر في تسليم هيئة الأوقاف لمجموعات متشددة، والكل يعلم النتائج والأفكار المتشددة التي انتشرت، وهذا مؤشر خطير، فإن كان ظاهر الدين زينة وباطنه أذية سيجفل منه الناس.”
ومن منظور مختلف، تستغرب عضو مركز دراسات المجتمع، زهرة عويد، من صمت وزيرة الشؤون الاجتماعية إزاء قضية كهذه، خاصة بعد توقيعها مؤخراً وبمعية الأمم المتحدة على الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية.
ويَنْصَبُّ اعتراض عويد الأكبر على “توقيت تصريحات الطرابلسي.” فهي تعترف بوجود “خلل أخلاقي” بات يصيب الأسر بالهشاشة وينعكس على الشباب، بل ويظهر في ما طرحته من مفارقة مجتمعية لدى البعض باتت “تمزج بين التمسك بمظاهر التدين والفساد الأخلاقي.” ولهذا هي تختلف مع وزير الداخلية حول الأسباب وطرق العلاج.
وتَعْتَبِر عويد أن “المتغيرات الطارئة على المجتمع كالانتشار المتسارع لوسائل التواصل دون رقابة تمثل بعض الأسباب،” لكنها تأتي “بعد الضغوط الاقتصادية القاسية التي يمر بها الليبيون منذ سنين.”
وترى أن أغلب الانحراف الأخلاقي يأتي إما نتيجة “الهروب من الواقع الاقتصادي السيئ، أو ضمن السعي لترميمه بطرق غير مشروعة،” وأن الحلول “يجب أن تنطلق من هذا الفهم.”
ومن جهة أخرى، تطالب عويد المسؤولين بالالتفات لما يحدث في أماكن تواجد المهاجرين من أمراض سارية منتشرة، وتجارة للمخدرات، وأطفال غير شرعيين.
وتبعا لكل ذلك، تستغرب، زينب تَرْبَح، من وضعها من قبل البعض “ضمن دائرة استهداف شرطة الآداب.”
وتوضح قائلة “عدم ارتدائي للحجاب لا يعني أني شخص مغرٍ، والحجاب ليس المُحدِّد لأخلاق الأنثى.. الكمال لله، وكلنا مٌقَصِّر في دينه من زاوية ما، وقد أُغَطِّي أنا مساحات من العبادة لم يحظ بها من ينتقدني، والعكس صحيح. لكن النتيجة أن البعض أصبح يراني ضد الدين والحجاب!”