عربي ودولي

تونس وليبيا تسارعان إلى طي صفحة الخلاف حول الحدود وقطع الطريق على المتربصين بالعلاقات الثنائية
تونس وليبيا تسارعان إلى طي صفحة الخلاف حول الحدود وقطع الطريق على المتربصين بالعلاقات الثنائية
أكد الجانبان التونسي والليبي وأد الخلاف الطارئ حول ملف ترسيم الحدود بين البلدين، حيث قال سفير تونس في طرابلس أسعد العجيلي إن بعض وسائل الإعلام لم تنقل بدقة تصريح وزير الدفاع في حكومة بلاده، موضحا أن ما ورد على لسان الوزير هو أن ترسيم الحدود يكون عن طريق اللجنة المشتركة، أسوة بدول الجوار الأخرى، وأن ترسيم الحدود الليبية – التونسية موثق وفق معاهدة مايو في عام 1910 وهي مثال في الاستقرار والتفاهم بين البلدين.

وخلال اتصال هاتفي برئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب يوسف العقوري، بحث السفير سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وقال إن “ما حدث مؤخرا كان في سياق جلسة استماع لمجلس النواب التونسي لوزير الدفاع بالحكومة التونسية وكان يتحدث عن الأمن في داخل الأراضي التونسية.”

وجدد العجيلي التزام بلاده بدعم استقرار ليبيا وحرصها على تعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين وأعلن عن قرب إعادة فتح القنصلية التونسية في مدينة بنغازي.

من جانبه أكد العقوري حرصه على العمل مع الجانب التونسي لتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين في جميع المجالات بما يعود على الشعبين الليبي والتونسي بالرخاء والازدهار.

وشدد على ضرورة الانتباه لأي أجندات مشبوهة أو أخبار مغلوطة تسعى لتعكير صفو العلاقة الأخوية بين البلدين الشقيقين، مجددا تقديره لمواقف تونس الداعمة لاستقرار ووحدة ليبيا، ودعا السفير التونسي إلى زيارة مجلس النواب ولقاء رئيس المجلس عقيلة صالح.

وزارة الخارجية الليبية بحكومة الوحدة الوطنية اعتبرت ملف ترسيم الحدود الليبية – التونسية مغلقا بشكل كامل منذ عقد

وكان قد جرى يوم الجمعة الماضي اتصال هاتفي بين محمد علي النفطي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، والطاهر سالم محمد الباعور، المكلّف بتسيير وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس، وبحسب الجانب التونسي مثّل هذا الاتصال فرصةً لتجديد التّأكيد على متانة علاقات الأُخوّة والتّعاون القائمة بين تونس وليبيا والحرص المشترك على دعمها وتعزيزها في كافّة المجالات، والتّنويه بأهمية الإعداد الجيّد لمختلف الاستحقاقات الثنائية القادمة، على قاعدة المصلحة المشتركة بين البلدين والشعبين الشقيقين.

ويرى مراقبون أن سلطات البلدين سارعت إلى طي صفحة الخلاف الطارئ بعد أن شهد الأسبوع الماضي احتدام السجال حول إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات بخصوص ملف ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين، لاسيما بعد حديث مصدر برلماني ليبي عن اتجاه مجلس النواب خلال الأيام القادمة لعقد جلسة عامة في مقره بمدينة بنغازي لمناقشة الملف، وذلك على إثر تصريحات لوزير الدفاع التونسي خالد السهيلي، أكد فيها أن بلاده “لن تسمح بالتفريط في أي شبر من التراب الوطني،” مشيرا إلى أن “ترسيم الحدود مع ليبيا ومتابعته يجريان على مستوى لجنة مشتركة تونسية – ليبية.”

وأوضح السهيلي خلال مناقشة ميزانية الدفاع بمجلس نواب الشعب، الثلاثاء الماضي، أن دور اللجنة الليبية – التونسية يتمثل في “تحديد وضبط الحدود، وتتكون من ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية في كل من البلدين على غرار اللجنة المشتركة التونسية – الجزائرية.”

وفي أول رد فعل رسمي من طرابلس اعتبرت وزارة الخارجية الليبية بحكومة الوحدة الوطنية أن ملف ترسيم الحدود الليبية – التونسية قد أغلق بشكل كامل منذ أكثر من عقد من الزمن، من خلال لجنة مشتركة بين البلدين، وأصبح منذ ذلك الحين ملفا مستقرا وثابتا وغير مطروح للنقاش أو إعادة النظر.

سلطات البلدين سارعت إلى طي صفحة الخلاف الطارئ بعد احتدام السجال حول إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات بخصوص ملف ترسيم الحدود

وقالت الوزارة في بيان إنها “تودّ أن تشيد بمستوى التعاون والتنسيق القائم بين الحكومتين الليبية والتونسية، خاصة في المجالات التي تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار، وتعزيز فرص التجارة والاستثمار المشتركة، فضلا عن تحسين ظروف السفر والتنقل للمواطنين بين البلدين الشقيقين.”

وفي بنغازي أصدر طلال الميهوب، رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس النواب، تحذيرا شديد اللهجة ضد أي مساس بالحدود بين ليبيا وتونس، وعبر عن استغرابه من تصريحات الوزير التونسي، معتبرا إياها “غير مسؤولة وجاءت في توقيت حساس،” وأكد على ضرورة احترام الحدود المرسمة دوليا، مشددا على أن “الأشقاء في تونس على دراية بالظروف التي تمر بها ليبيا.”

وتابع الميهوب أنه من المقرر أن يعقد مجلس النواب جلسة خاصة في الأيام القادمة لمناقشة تصريحات وزير الدفاع التونسي و”اتخاذ خطوات حاسمة لضمان السيادة الوطنية،” مشيرا إلى أن البرلمان الليبي سيخاطب نظيره التونسي مباشرة حول هذا الموضوع، لضمان احترام الحدود المشتركة وتجنب أي تصعيد قد يؤثر على العلاقة بين البلدين الشقيقين.

ويرى مراقبون أن الإعلان المفاجئ عن طرح ملف ترسيم الحدود بين البلدين من جديد لم يأت من فراغ، وإنما هناك توجه تونسي لإعادة النظر في جملة من الإجراءات السابقة التي تمت في ظروف سياسية واجتماعية مختلفة وفي سياقات جيوسياسية غير التي تعرفها المنطقة حاليا.

حقل البوري يقع في البحر المتوسط على بعد 120 كيلومترا شمال الساحل الليبي، وينتج نحو 23 ألف برميل نفط يوميًا

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد أعرب في مارس 2023 عن أسفه لأن بلاده لم تتلق سوى الفتات من حقل البوري النفطي البحري، في حين أن المشاركة العادلة في عائداته يمكن أن “تلبي كل احتياجات تونس وأكثر” من الطاقة. وقال إنه بعد 12 يناير عام 1974، وهو تاريخ إعلان مشروع الوحدة الاندماجية بين تونس وليبيا، الذي لم يدم طويلا، رفض الجانب التونسي مقترح التقاسم وساءت العلاقات بين البلدين، وفي مايو 1977 أتت ليبيا بشركة أميركية كانت على وشك الإفلاس ووضعت منصة لاستخراج البترول وتوترت العلاقات الليبية – التونسية مرة أخرى. وتابع قيس سعيد أن سلطات بلاده رفضت آنذاك مقترح تقسيم الحقل إلى نصفين، مشيرا إلى توسط الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية محمود رياض بين البلدين، واتفاقهما على عرض الأمر على محكمة العدل الدولية، التي لم تلتفت إلى مسألة الجرف القاري.

وأوضح الرئيس سعيد أن تونس في عام 1977 لم تجد حلا إلا توجيه قارب إلى المكان المتنازع عليه وتنبيه الشركة الأميركية بأنها تستولي على المِلك العمومي البحري الخاص بتونس، ثم صدر قرار محكمة العدل بشأن الأمر و”لم تحصل تونس إلا على الفتات،” معتبرا أن “هناك بوادر لاستغلال العديد من الحقول الأخرى ويمكن أن نكتفي من الغاز الطبيعي بالإضافة إلى وجود إمكانية لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة.”

في المقابل وصف محمد عون، وزير النفط في حكومة الوحدة الوطنية، التصريحات التونسية بأنها تحمل مغالطات، وأوضح أن قرار محكمة العدل الدولية الصادر في فبراير 1982، حدد بوضوح الخط البحري الفاصل بين تونس وليبيا، وبالتالي “لا يمكن الحديث عن حقل البوري، لأنه يقع بعيدا عن خط التقسيم.”

وتابع الوزير أن البلدين قاما بإنشاء شركة ليبية – تونسية عام 1988، و”قد أعطيت قطعا بحرية مشتركة، يقع جزء منها داخل حدود المياه الاقتصادية لليبيا والآخر داخل حدود المياه الاقتصادية لتونس، وهذه الشركة تعمل إلى الآن ومقرها يقع في تونس، وبالتالي ربما يقصد الرئيس التونسي هذه الشركة، لكن حقل البوري بالتأكيد لا يمكن أن يكون مشتركا ولا علاقة له بالأمر.”

ويقع حقل البوري في البحر المتوسط على بعد 120 كيلومترا شمال الساحل الليبي، وينتج نحو 23 ألف برميل نفط يوميًا، وتديره شركة مليتة للنفط والغاز بمشاركة شركة إيني الإيطالية، واكتُشف عام 1976، وبدأ إنتاجه عام 1988.

ويشير مراقبون إقليميون إلى أن الجهات المسؤولة في تونس وليبيا سعت لوأد الخلاف قبل أن تتسع دائرته، لاسيما أن هناك قوى داخلية وخارجية تتربص بالعلاقات الأخوية والمصالح المشتركة بين البلدين، وتسعى إلى ضربها من الداخل، وهو ما أدركته القيادة التونسية وعملت على تبليغه لسلطات شرق ليبيا من خلال اتصال السفير العجيلي الأحد برئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، كما تم تبليغه إلى حكومة طرابلس، انطلاقا من إدراك التونسيين لحقيقة مهمة وهي وجود أطراف تحاول على أكثر من صعيد تهديد المسار الطبيعي للعلاقات التونسية – الليبية.

19 نوفمبر 2024

هاشتاغ

التعليقات

الأكثر زيارة