عانى المنتخب الألماني من فترات مخيبة بين عامي 2016 و2022 تحت قيادة يواكيم لوف وهانز فليك، حيث تراجعت نتائج الفريق بشكل مخيف.
وودع المانشافت، كأس العالم من دور المجموعات في نسختين متتاليتين 2018 و2022، إضافة إلى الخروج مبكرا من يورو 2020 من ثمن النهائي، والفشل في اجتياز مرحلة المجموعات في دوري الأمم الأوروبية في أي مناسبة.
وبالتالي كانت ألمانيا في حاجة إلى ثورة كبيرة للعودة إلى الطريق الصحيح، ولم تجد أفضل من الشاب جوليان ناغلسمان ليعيد الروح إلى المنتخب من جديد.
وأصبح ناغلسمان، عند توليه المهمة، ثاني أصغر مدرب للمنتخب الألماني بعمر 36 عاما، خلف أوتو نيرز الذي درب ألمانيا بعمر 34 عاما في 1926.
بدء الثورة
عانت ألمانيا من نتائج باهتة في التوقف الدولي لنوفمبر 2023 حيث انهزمت أمام النمسا (0 – 2) وتركيا (2 – 3)، وفي تلك الفترة، اعتمد ناغلسمان على العناصر المتاحة، ولم يكن لديه الوقت الكافي للعمل مع الفريق.
وقال ناغلسمان عن تلك الفترة “كانت مباريات نوفمبر مؤلمة، خضنا مباراتين سيئتين، حاولنا التكيف والتجربة، وبالطبع لم يكن لدينا الكثير من الوقت، وإذا قمنا بتغيير كل شيء على الفور، فهذه ليست الطريقة الصحيحة.”
أما بعد فترة نوفمبر، فعلق عليها ناغلسمان بقوله “كنا في حاجة ملحة إلى التغيير دون أن يقول الجميع إننا نغير كل شيء.” وتابع “كان من الواضح أن المهمة الأكبر كانت إعادة تشكيل الفريق بطريقة لا تكتفي فقط باستدعاء أفضل اللاعبين، بل استدعاء الذين يتناسبون مع بعضهم البعض، والذين يظهرون أنفسهم من خلال أدوارهم ويمكنهم التعامل مع تلك الأدوار بشكل جيد.”
من أهم مراحل ثورة ناغلسمان، إعادة توني كروس من الاعتزال الدولي لإعادة بناء الفريق من حوله. وقال ناغلسمان عن ذلك “توني كروس لاعب محوري بالنسبة إلينا، حيث يمكن إعطاء الكرة له في أيّ وقت، وهو عنصر مهم للجميع وخاصة للصغار.” وأظهرت عودة كروس إلى المنتخب الألماني من جديد، اقتناعه التام بمشروع ناغلسمان، وبالفعل أعاد كروس، الكثير من التوازن إلى الفريق.
عودة كروس إلى المنتخب الألماني أظهرت اقتناعه التام بمشروع ناغلسمان، وبالفعل أعاد كروس الكثير من التوازن إلى الفريق
لم يتخوف ناغلسمان، عند الإعلان عن قائمة ألمانيا ليورو 2024، من استبعاد بعض الأسماء الكبيرة، التي لم تكن تضيف إلى الماكينات أي شيء في الفترة الأخيرة، على غرار نيكلاس سولي وماتس هوميلز وليون جوريتسكا وجوليان براندت، إضافة إلى سيرجي جنابري.
وبدأ الاعتماد على الوجوه الجديدة المتألقة في البوندسليغا، أمثال فاليمار أنتون وماكسيمليان ميتلشتيت وكريس فوهريتش ودينيز أونداف، إضافة إلى نجوم باير ليفركوزن الذين توجوا باللقب، على غرار جوناثان تاه وفلوريان فيرتز وروبرت أندريش.
يملك ناغلسمان، مجموعة أفكار أحدث من خلالها ثورة في المنتخب الألماني، ويكفي النظر إلى مباراة البوسنة الأخيرة في دوري الأمم، كأبرز مثال على ذلك، ففي ذلك اللقاء وصل استحواذ ألمانيا على الكرة إلى 73 في المئة ونسبة الأهداف المتوقع تسجيلها 4.03، كما مرر لاعبو ألمانيا الكرة 694 مرة، من بينها 60 لمسة داخل منطقة جزاء الخصم.
وفي الكثير من الأحيان تواجد 8 لاعبين من ألمانيا في الأمام وفي مناطق قريبة للغاية من منطقة الجزاء، حيث واجه ناغلسمان “حافلة البوسنة” المتواجدة في الخلف بحافلة ألمانيا في الأمام في لحظات من الجنون.
ويرغب ناغلسمان في تقديم أسلوب لعب يماثل كرة القدم التي تقدمها الأندية، على الرغم من صعوبة ذلك، في ظل عدم تدرب لاعبي المنتخب الألماني لوقت طويل مع بعضهم البعض، للوصول إلى ذلك التناغم.
وعقب الإعلان عن قائمة يورو 2024، أكد ناغلسمان على نهجه بقوله “لا نلعب كرة قدم خجولة، بل نلعب بشجاعة وثقة في النفس، ولذلك اخترنا النهج الهجومي.”
تغير ملحوظ
من أبرز نقاط قوة ناغلسمان، حرصه على بناء جيل جديد للمنتخب الألماني
حقق ناغلسمان نتائج إيجابية في 2024، حتى أن الخروج من ربع نهائي اليورو، الذي استضافته ألمانيا على أرضها، وعلى الرغم من مرارته، اعتبره البعض نجاحا، بفضل المستوى المميز للماكينات في البطولة، وقدرتهم على جذب الجماهير للالتفاف حول الفريق من جديد.
ووقع ناغلسمان في 2024 على 10 انتصارات و3 تعادلات، ولم يتلق سوى هزيمة واحدة، ليبدأ مرحلة جديدة بفرض الهيمنة التامة على المباريات، كما حدث أمام البوسنة والهرسك مؤخرا في دوري الأمم، بالفوز بسباعية.
وعن ذلك الانتصار، قال لوثار ماتيوس أسطورة الكرة الألمانية السابق “هذه واحدة من أفضل المباريات التي شاهدتها للماكينات على الإطلاق، وباتت ألمانيا رفقة ناغلسمان قريبة من العودة إلى قمة العالم مرة أخرى.” وتابع “لم تكن البوسنة مقياسا حقيقيا للمنتخب الألماني، ولكن في الماضي القريب كنا نواجه أوقاتا صعبة في الكثير من الأحيان ضد نفس الخصوم، فقبل عام واحد ربما انتهت تلك المباراة بنتيجة (2 – 1) بدلا من (7 – 0).”
وتابع “قدّم الألمان كل ما هو صحيح في ما يتعلق بكرة القدم الحديثة، سواء في المستوى الدفاعي، حيث لم تكن هناك تحديات كبيرة، أو على المستوى الهجومي بتسجيل 7 أهداف بطريقة رائعة.”
ومن أبرز نقاط قوة ناغلسمان، حرصه على بناء جيل جديد للمنتخب الألماني، فبعد استفادته من خبرة توماس مولر وكروس في اليورو، أعلن العديد من النجوم اعتزالهم اللعب دوليا، أمثال نوير ومولر وغوندوغان.
وبدأ ناغلسمان، مرحلة البناء، ولكن في وقت ليس بالصعب كما كان في 2023، بل استفاد من زخم اليورو والحالة المميزة للمنتخب الألماني، من أجل منح الثقة للجميع.