تعتمد الحكومة المصرية على الحشد الإعلامي لتحسين الصورة الذهنية بشأن ملف حقوق الإنسان، ما يشير إلى أن السلطة باتت مدفوعة بشكل أكبر للرد على ما يثار من جانب الإعلام الخارجي حول القضايا الحقوقية، في ظل استمرار ما تعتبره الحكومة تشويها لجهودها، وتعمدا لنشر الشائعات، ولم يعد أمامها سوى الاستعانة بالإعلام لكشف الحقائق في ملف الحريات.
ويطلق المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الثلاثاء مبادرة “دور التنظيم الذاتي للإعلام في مكافحة الشائعات”، بعد أن عقدت جلسة مشتركة مع المجلس القومي لحقوق الإنسان حول الملف الحقوقي، بمشاركة أعضاء المجلس القومي وعدد من رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف والقنوات والمواقع الإخبارية.
وأعلن المجلس عن إطلاق خطة ووضع آلية محددة تستهدف إبراز جهود الحكومة، وتم التوافق على عقد دورات تدريبية للإعلاميين لتوعيتهم بثقافة حقوق الإنسان.
وقال كرم جبر رئيس المجلس الأعلى للإعلام إن أوضاع حقوق الإنسان في مصر شهدت تقدما كبيرا، إلا أن الأمر لم ينعكس بشكل كامل على وسائل الإعلام ومؤسسات حقوق الإنسان، مؤكدا ضرورة مناقشة جميع القضايا المتعلقة بهذا الملف بشجاعة، والرد على أي تقرير دولي بموضوعية وهدوء لتوضيح الحقائق كاملة دون مبالغة.
واستند إلى تزايد عدد التراخيص الممنوحة لوسائل الإعلام الفترة الماضية للتأكيد على حُسن مناخ الحريات الإعلامية في مصر، حيث جرى منح عشرات المواقع والصحف والقنوات الفضائية تراخيص بلا عراقيل، ما يعزز الإيجابيات في ملف الحريات.
ويصعب فصل الحشد الإعلامي لتسليط الضوء على ملف حقوق الإنسان عن حاجة الحكومة إلى تحسين صورتها، بالتزامن مع المراجعة الدورية في مجلس حقوق الإنسان الدولي لسجل القاهرة، مع وجود تقارير حقوقية شككت في ذلك.
واعتادت وسائل إعلام مصرية توصيف الانتقادات الحقوقية لمصر بأنها مؤامرة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ما يجعل الإعلام في حاجة إلى استعادة مصداقيته قبل أن يتصدى لمهمة تحسين صورة الحكومة، لأنه إذا لم يقتنع بمعالجة إشكالية الملف الحقوقي بموضوعية من الصعب أن يقدم خطابا مقنعا للجمهور.
ويرى خبراء أن مشكلة الإعلام المصري تكمن في أنه يبدو كمن يخاطب نفسه ويفتقر إلى القدرة على مجاراة الإعلام الخارجي، لأسباب تتعلق بالمهنية وعدم الاعتماد على الكفاءات وتراجع مستوى الاستقلال، ما يجعل تصديه لتحسين صورة السجل الحقوقي مهمة صعبة، وغالبا ما يعتمد على الشعبوية بدلا من توضيح الحقائق بعمق.
ويعتقد هؤلاء الخبراء أن القاهرة حققت تقدما في الملف الحقوقي عبر مسارات مختلفة، وهناك رغبة في تحسين الصورة في الخارج، لكن تظل المعضلة كامنة في كيفية التسويق، إذ لا تزال مسارات التواصل الفعّال مع الإعلام الأجنبي شبه مغلقة، مع استمرار بعض القيود التي تعترض قدرة الإعلام المحلي والخارجي على الوصول إلى المعلومات.
ما يبرهن على ذلك أن المجلس القومي لحقوق الإنسان أكد في ندوة مجلس تنظيم الإعلام أن الحق في الحصول على المعلومات جزء أصيل من حرية الصحافة والإعلام، وضرورة إصدار القانون الخاص بحرية المعلومات وكفالة حق كل مواطن في المعلومة، ما يعكس أن التسويق بلا معلومات عقيم.
وقال علاء الغطريفي، رئيس تحرير صحيفة “المصري اليوم” الخاصة، في الندوة إن إتاحة المعلومة أولى خطوات الدفاع عن حقوق الإنسان، وهو ما شدد عليه أيضا المذيع والبرلماني القريب من السلطة مصطفى بكري، بأن الإعلاميين بحاجة إلى معلومات للرد على الحملات التي تستهدف الدولة لتكون لديهم أدلة وحجج واضحة.
ودأبت الحكومة المصرية على عقد لقاءات ومؤتمرات مع مراسلي وكالات الأنباء الأجنبية الأكثر تركيزا على الملف الحقوقي، للرد على ما يكتب من تقارير، لكن الخطوة جاءت متأخرة ولم يتم تسهيل المهمة أمام الصحافيين الأجانب للوصول إلى المعلومات المطلوبة، بالتوازي مع عدم تدريب الكوادر المتعاملة مع الإعلام الأجنبي على كيفية تقديم رسائل مقنعة.
وذكر الخبير الإعلامي حسن علي أن توافر المعلومات أول خطوة لتوضيح الصورة كاملة للإعلام المحلي والأجنبي، وما تشكو منه بعض الجهات من شبهة استهداف يسهل دحضه إذا كانت هناك رؤية وإرادة لإعادة الإعلام إلى قوته ومكانته ليكون صاحب رسالة.
وأضاف لـ”العرب” أن “تراجع تأثير بعض وسائل الإعلام المصرية دوليا ترك الساحة لمنابر معادية، وهذا درس يجب استيعابه بأن توضيح الصورة لا يجب أن يكون وفق خطة عامة بل بمبادرات من الإعلام الوطني عندما يكون واعيا وله مصداقية، ولا تصبح الرسالة موجهة، مع توفير الدعم الكامل لهيئة الاستعلامات للقيام بهذا الدور.”
مشكلة الإعلام المصري تكمن في أنه يبدو كمن يخاطب نفسه ويفتقر إلى القدرة على مجاراة الإعلام الخارجي، لأسباب تتعلق بالمهنية وعدم الاعتماد على الكفاءات وتراجع مستوى الاستقلال
ورغم التحركات الجادة من جانب الهيئة العامة للاستعلامات المعنية بالتواصل مع الإعلام الأجنبي، إلا أن النظام يشعر بوجود أزمة تسببت في ضعف الخطاب الإعلامي المحلي الموجه إلى الخارج، ما استدعى بحث مجلس الإعلام عن إيجاد موقف استباقي موحد بدلا من سياسة الدفاع عن النفس طوال الوقت.
وهناك معضلة أكثر تعقيدا، ترتبط بمسألة أن نقابة الصحافيين تنتقد سياسة حجب المواقع الإخبارية في مصر بما يتعارض مع الحالة الإيجابية التي يريد مجلس تنظيم الإعلام التسويق لها، وقد انتقدت المجلس مؤخرا لأنه لا يفتح الباب أمام التنوع ويصر على المصادرة والحجب والتدخل في مضمون المحتوى.
وجلب تعامل بعض الهيئات الإعلامية مع عدد من المواقع المستقلة والخاصة بخشونة انتقادات حقوقية للحكومة، لا ذنب لها فيها، وأثر بشكل سلبي على صورتها في ملف الحريات عموما، حيث لا تتعامل تلك الهيئات مع بعض وسائل الإعلام بأسلوب مرن، ما أحدث منغصات سياسية للسلطة عبر استسهال العقوبات.
وتغيرت وجهة نظر الحكومة كثيرا عما كانت عليه في الماضي تجاه حق الإعلام في النقد المنضبط، وأصبحت مقتنعة بأنها لن تضار من وجود أصوات معارضة وسط هذا الكم من وسائل الإعلام التي تدعمها، لذلك لم تعد تستهدف صحيفة أو موقعا معينا، لكن المعضلة لا تزال مرتبطة بآلية تسويق ذلك للرأي العام الداخلي والمنظمات الخارجية أمام تراجع مصداقية الإعلام المصري.
ومن شأن اتفاق مجلس تنظيم الإعلام ومجلس حقوق الإنسان على تدريب الصحافيين والمذيعين وتعريفهم بالملف الحقوقي، أن يُغير الخطاب الإعلامي جزئيا ويساعد الحكومة في مهمة تحسين الصورة، لكن تظل العبرة في غياب استقلال غالبية وسائل الإعلام وتنامي الشعور بالتدخل في خطابها ما يجعل دفاعها عن السلطة بلا جدوى.
وإذا استمر الإعلام المصري ضعيفا، ولو توحد جميعه خلف الحكومة، فإن نظيره الدولي سيواصل الانصراف عن متابعته كما يفعل الجمهور نفسه، طالما أن محتويات تلك المنابر شبه منعدمة التأثير والقيمة، ما يفرض على الحكومة أن تعترف بالمشكلة وتضع الحلول العاجلة لتحسين صورة إعلامها قبل لوم الإعلام الأجنبي.