تتعرض خطط الحكومة المصرية المتعلقة بزيادة الصادرات لانتكاسة بفعل قرارها الذي يدفع إلى عدم تحقيق الشركات للجدوى الاقتصادية المرجوة من بيع منتجاتها في الخارج، بالتالي تبحث عن الوسيلة الأنسب لتحقيق الوفورات المالية وأحدها الإقلاع عن التصدير.
وتسود حالة من الاستياء الشديد أوساط المصدرين مع إعلام السلطات المستثمرين بخفض برنامج المساندة التصديرية أو ما يطلق عليه “رد أعباء التصدير.”
ولم تُعلن الحكومة ذلك في بيان رسمي، لكن كشف عدد من المصدرين في تصريحات لـ“العرب” عن أن البرنامج يتضمن تخفيضا غير مسبوق في النسب المقررة للبرنامج وبتراجع قدره 75 في المئة مع العمل بها بأثر رجعي من مارس الماضي وتستمر حتى يونيو المقبل.
ويتعارض هذا القرار تماما مع مساعي الحكومة للمحافظة على استمرارية نمو الصادرات، وينذر بعواقب وخيمة تؤثر سلبا على الاقتصاد المصري بشكل عام، والصناعة والصادرات بشكل خاص، لا سيما الشركات الصغيرة الراغبة في فتح أسواق تصدير جديدة.
كما يتناقض مع التصريحات المتكررة لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي، والتي أكد فيها الحرص على متابعة تنفيذ البرنامج الخاص برد الأعباء التصديرية وأهميته في تعزيز خطط مضاعفة أرقام الصادرات، وتوليد فرص حقيقية للمصدرين بالأسواق الإقليمية والعالمية.
وتستهدف مصر زيادة صادراتها إلى نحو 145 مليار دولار سنويا، لكن هذا الهدف ربما يتبخر مع غياب الدعم الكبير للشركات، وسط منافسة شرسة من دول مثل تركيا والمغرب وبنغلاديش.
ويتزامن ذلك مع إقدام القاهرة على طرق الأبواب لزيادة مواردها الدولارية عبر القروض وغيرها، وقد يقضي قرار هذا الطريق على ذلك على هذه الآمال.
ويقول محللون إن الحكومة تهدف من القرار الجديد إلى إجبار المصدرين على زيادة المكون المحلي في المنتجات لأجل ربط ذلك بنسبة المساندة التي تحصل عليها الشركات سنويا.
وأشاروا إلى أن ذلك يترافق مع رفع نسبة الحد الأدنى للمكون المحلي للصادرات المستفيدة من البرنامج إلى 35 في المئة منذ شهر يوليو الماضي، ومن ثم يمكن فتح النقاش حول زيادة رد أعباء التصدير، لكن ذلك ليس تأكيدا على تراجع الحكومة عن قرارها.
ويضيف هؤلاء المحللون أن القرار الحكومي ستقابله تسهيلات للمستثمرين والمصدرين، وأنه ضرورة لخفض المصروفات بالموازنة العامة للدولة كوسيلة لتقليص العجز مع نهج برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي.
ومن المتوقع أن يترتب عن تنفيذ هذا البرنامج تقليص جلب العملة الصعبة وضعف قدرة المصدرين على الوفاء بالتزاماتهم، مع ما تشهده البلاد من بيئة تضخمية على جميع الأصعدة وتكلفة تمويل مرتفعة وزيادة أسعار الطاقة والمحروقات والشحن.
وأكد نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين أسامة حفيلة أن القرار المزمع تطبيقه جاء مفاجئا، حيث افترض المصدرون ثبات نسب المساندة المعمول بها بالبرنامج السابق، لأن صندوق تنمية الصادرات لم يكشف عن أي برامج في وقت مبكر كي يتم الاعتداد بها.
وأوضح في تصريح لـ“العرب” أنه جرى العرف عند تأخر صدور أي برنامج جديد لرد أعباء التصدير يتم اتباع نفس النسب السابقة، وأن التطبيق بأثر رجعي تترتب عليه خسائر للمصدرين بصورة تصعب معها مواصلة العمليات التشغيلية مستقبلا.
وربما ينتج عن القرار ارتباك القوائم المالية للشركات المصدرة، والتأثير السلبي على خطط توسعها، ما يدفع بعضها للخروج من منظومة التصدير، ولن يتمكن من تفادي ذلك سوى الكيانات الكبرى.
وقالت رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة ماري لويس إن “القرار يهدد تنافسية المنتجات المصرية عالميا في الفترة الحالية، التي يتكبد فيها المستثمرون تكاليف مرتفعة مع زيادة تكاليف الشحن وتضاعفها كرد فعل بالتوترات الإقليمية.”
وذكرت في تصريح لـ“العرب” أن رد الأعباء بمعدلات كبيرة ضرورة ملحة لتخفيف الأعباء عن المصدرين، بسبب ارتفاع أسعار الواردات القادمة من الخارج، والتي يستخدمها المصنعون ولا يوجد لها بديل محلي.
وأشارت لويس إلى أن القرار غير مناسب تماما، مع الأعباء الكثيرة التي يتحملها القطاع الخاص، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور الذي ارتفع خلال عام واحد من حوالي 65 دولارا إلى 120 دولارا.
ويقترح بعض المصدرين أن يكون هذا الخفض في صورة تدريجية كي يسمح للمصدرين بتعديل أسعار المنتجات المدرجة بقائمة التصدير، ولا تخرج المنتجات المصرية من سباق المنافسة.
ولم تتخذ مصر قرارا بخفض التكاليف التي يتكبدها المصدرون في السوق المحلية قبل الشروع في التصدير وتتمثل في إنهاء الإجراءات بأروقة الدوائر الحكومية المتبعة، لتتماشى مع تنفيذ المنظومة المطلوبة للتصدير، ثم يتم خفض الأعباء عن المصدرين كمرحلة لاحقة.
ويحذر بعض الخبراء من التداعيات القاتمة لهذا القرار وفي مقدمتها، إغلاق الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على بيع جزء من منتجاتها خارجيا، وتحول عدد من الشركات الكبرى لضخ معظم منتجاتها محليا، وزيادة معدلات البطالة والأعباء الاجتماعية.
وشددوا على أن خطوة كهذه سينتج عنها أيضا تراجع في الصادرات، وتقليص في الإنفاق على البحث العلمي والتطوير وتدهور الابتكار وتباطؤ الإنتاج، وارتفاع كلفة التشغيل وزيادة أسعار المنتجات وضعف القوة الشرائية.
145 مليار دولار هدف القاهرة من بوابة زيادة الصادرات، لكنه يواجه مشكلة بسبب غياب الدعم
وتتصاعد التحذيرات من فقدان الثقة في السياسات الاقتصادية، وربما تفضيل تحويل الاستثمارات إلى دول أخرى جراء هذا القرار، وزيادة التهريب والمنافسة غير المشروعة، وبالتالي تراجع جهود الدولة في التنمية المستدامة، وفي النهاية انكماش النمو وتقلص الناتج الإجمالي.
ومن الأسباب الرئيسية في تلك الأزمة تراجع قيمة المساندة التصديرية في الموازنة العامة للدولة، فبينما تحتاج الصادرات المصرية دعما سنويا لا يقل عن مليار دولار، إلا أن المتاح نقدا بالموازنة يقل عن 410 ملايين دولار.
ويستوجب الحل زيادة قيمة البرنامج المتعلق بدعم الصادرات في موازنة الدولة منذ البداية، لتتم حماية المنتج المصري وزيادة تنافسيته على المستوى الخارجي، وعدم خسارة أسواق تصدير مهمة يصعب تعويضها في مراحل لاحقة.
ومن خلال اتباع هذا المسار ستتجنب الدولة الوقوع في أزمة عملة أجنبية جديدة تؤدي إلى انفلات سعر الصرف ومعدل التضخم في الأسواق.