احتفى قادة أقصى اليمين في أوروبا بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكن الولاية الثانية للرئيس الأمريكي قد تأتي بنتائج عكسية.
وأشاد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بفوز ترامب، معتبرا أن نتائج الانتخابات الأمريكية كانت "رائعة"، وقال في قمة للاتحاد الأوروبي في بودابست الأسبوع الماضي "لقد تسارع التاريخ.. سيتغير العالم، وسيتغير بشكل أسرع من ذي قبل.. من الواضح أن هذه فرصة عظيمة للمجر لتكون في شراكة وتحالف وثيق مع الولايات المتحدة".
ولم يكن أوربان الشخصية الوحيدة في أقصى اليمين الأوروبي التي أشادت بفوز ترامب، الذي جاء أكبر من المتوقع وفقا لما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وقالت الصحيفة إن خيرت فيلدرز، زعيم حزب "الحرية" الهولندي والشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم، هنأ ترامب وحثه على "عدم التوقف أبدا، والاستمرار في القتال".
كما أشادت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بـ"الصداقة التاريخية" بين البلدين، التي "ستنمو الآن بشكل أقوى"، في حين أشادت أليس فايدل من حزب البديل من أجل ألمانيا بفوز ترامب الذي قالت إنه "نموذج لنا".
وبصفة عامة فإن الأحزاب اليمينية التي تتقدم بسرعة في القارة العجوز، التي تتولى السلطة في 8 دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي ترى في ترامب حليفا قويا يتقاسم وجهات نظرها الشعبوية، والمحافظة، والمتشككة في الاتحاد الأوروبي، والمعادية للهجرة.
ورغم كلماتهم الحماسية يرى المحللون والدبلوماسيون أن الولاية الثانية لترامب لن تمنح الكثير لقادة أقصى اليمين في أوروبا والذين قد يصبحون في وضع أسوأ.
الأكيد أن هناك تأثيرا إيجابيا لفوز ترامب، حيث رجح خبراء في مركز الإصلاح الأوروبي أن "تشجع رئاسة ترامب الجهات اليمينية وغير الليبرالية في أوروبا".
وقال الخبراء إن ترامب "سيعزز الأحزاب اليمينية ليس فقط من خلال تطبيع وتضخيم أفكارها، لكن أيضاً من خلال تعزيز قدرتها على الانتخاب"، وأضافوا أن "فوزه يضفي الشرعية على مظالم هذه الأحزاب ويصادق على رؤيتها التي يبدو أن التاريخ يتحرك في طريقها".
وإلى جانب أوربان وميلوني وفيلدرز وفايدل فإن قائمة المعجبين الأوروبيين بترامب تشمل مارين لوبان من التجمع الوطني الفرنسي، ورئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو، والمستشار النمساوي كارل نيهامر، والرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش وقد ينضم إلى القائمة بعد انتخابات العام المقبل أندريه بابيش في جمهورية التشيك.
وفي ظل الأزمات السياسية الداخلية التي أدت إلى ضعف فرنسا وألمانيا، اللتين يُنظر إليهما باعتبارهما القوة التقليدية للاتحاد الأوروبي، فإن نفوذ أحزاب أقصى اليمين يتزايد بوضوح.
ويرى بعض الخبراء أن فوز ترامب قد يعزز الوجود الشخصي لبعض قادة أقصى اليمين مثل ميلوني. وقال لورينزو كاستيلاني من جامعة لويس في روما إن وجهات النظر المشتركة حول قضايا مثل الإجهاض إضافة إلى علاقتها القوية مع إيلون ماسك، قد تجعلها تصبح "المحور الرئيسي لترامب في أوروبا".
وأعرب وزير خارجية المجر بيتر سيارتو عن نفس الطموح إلى حد كبير بالنسبة لأوربان، وقال "يمكننا أن نأمل في عودة التعاون السياسي المجري الأمريكي إلى ذروته"، وأضاف أن أوربان وترامب لديهما "أفكار مماثلة".
ومع ذلك فإن الديناميكيات أكثر تعقيدا من ذلك بكثير في ظل وجود اختلافات كبيرة بين ترامب وزعماء أقصى اليمين، فمثلا لن ترحب الأصوات الانعزالية في الإدارة الأمريكية القادمة بالدعم القوي لحلف شمال الأطلسي (ناتو) لاستمرار المساعدات لأوكرانيا.
وتتعارض الشراكة الاستراتيجية للمجر مع الصين مع النهج المتشدد العدواني الذي يتبناه ترامب تجاه بكين، الأمر الذي قد يؤثر على احتمال للتعاون الأعمق بين الولايات المتحدة والمجر.
وتكشف السياسات التجارية الأمريكية التي وعد بها ترامب عن تعقيدات بالنسبة لأحزاب أقصى اليمين في أوروبا، باعتبارها أعضاء في السوق الموحد للاتحاد الأوروبي، وبالتالي لن يكون بإمكانها الاستجابة بشكل فردي للرسوم الجمركية التي ستفرضها الولايات المتحدة وللحرب التجارية المحتملة.
وعلى النقيض من فرحتها في 2016 جاءت استجابة مارين لوبان لفوز ترامب فاترة، وهو ما يعكس قلقاً واسع النطاق بشأن عواقب الولاية الثانية للرئيس الأمريكي المنتخب على الصناعة والوظائف في الاتحاد الأوروبي.
وقالت لوبان "لقد اختار الأمريكيون رئيسهم بحرية.. وينبغي لهذا العصر السياسي الجديد أن يسهم في تعزيز العلاقات الثنائية والحوار والتعاون البناء على الساحة الدولية".
وردد جوردان بارديلا تلميذ لوبان كلمات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقال "بالنسبة لنا الفرنسيين والأوروبيين، يجب أن تكون الانتخابات الأمريكية بمثابة جرس إنذار وفرصة لإعادة التفكير في علاقتنا بالسلطة والاستقلال الاستراتيجي".
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين من أقصى اليمين في أوروبا لديهم انتقادات لسياسة ترامب، على سبيل المثال وجد استطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف" قبل الانتخابات أن الأشخاص الذين دعموا لوبان يفضلون وجود كامالا هاريس في البيت الأبيض بدلاً من ترامب.
وقالت كاثرين فيشي من معهد الجامعة الأوروبية "إن موقف ترامب تجاه أوروبا سيكون ضارا بناخبي أحزاب أقصى اليمين بسبب التضخم، وفقدان الوظائف".
وأضافت أن ترامب سيفكر في قادة أقصى اليمين "على أساس كل حالة على حدة، ويرى ما إذا كان بإمكانه استخراج شيء ما".
وقالت كاثرين دي فريس من جامعة بوكوني في ميلانو إن الشعبويين في أوروبا سيستمرون في "قول أشياء ترامبية، خاصة إذا كانت لديهم انتخابات قادمة لكن عندما تصل الأمور إلى ذروتها حقا فأمن أوروبا غير مضمون في أيدي ترامب، وحلف الناتو وبالتالي قد يقول الكثيرون، ربما نحتاج إلى العمل على هذا في أوروبا".
وقد تؤدي عودة ترامب إلى تعميق الصراعات بين قادة أقصى اليمين وسيكون وضعهم كمشككين في أوروبا أكثر صعوبة، لأنه سيؤدي إلى إيذاء قاعدتهم وفي الوقت نفسه فإن الاصطفاف مع الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى فقدان خصوصيتهم وبالتالي خسارة الناخبين.