انتقد الوزير المكلف بالميزانية في المغرب فوزي لقجع تعاطي الفرق النيابية المعارضة بالمقاربة التجزيئية في مناقشة مضامين مشروع قانون مالية 2025 الذي تمت المصادقة عليه الجمعة بعد مناقشات ساخنة بين الحكومة ونواب المعارضة، لكونه يكرس الاستمرارية من خلال أولوياته التي تجسد الإصلاحات التي انخرطت فيها الحكومة بشكل إرادي بعيداً عن الإملاءات التي تحدث عنها البعض.
وأبرز لقجع أن الحكومة تحدد خياراتها بشكل إرادي وفعال تجسيدا للتوجيهات الملكية، وشدد وزير الميزانية على أننا “ندرك في الحكومة أن التحديات الكبيرة التي تواجهها بلادنا كبيرة ولم تعرف لها نظيراً، لكننا نعتقد أنه بالتحلي بالعزيمة والإصرار مع مؤسسة البرلمان يمكننا أن نترجم المسار التنموي خلال سنة 2025، ليس كما قيل بمنطق الشعارات والوعود المؤقتة بل بمنطلق التزامٍ طويل الأمد يستجيب للتطلعات الحقيقية للمواطنين.”
وفي إطار البرامج الاجتماعية، أكد مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة، من داخل البرلمان، أن “الحكومة قامت في إطار الدولة الاجتماعية بأكبر حوار اجتماعي في تاريخ المغرب، حيث خصصت له 45 مليار درهم في أفق 2026 منها 20 مليارا هذه السنة، و340 مليار درهم للاستثمار العمومي، موجها تحذيرا مباشرا للمعارضة من تبخيس الإنجازات الكبرى للمغرب.”
وكان المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي قد توقف عند إشكالية تمويل واستدامة برامج الحماية الاجتماعية، داعيا إلى اعتماد آليات التمويل الكفيلة بضمان استدامة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وإحداث الآليات المناسبة لتمويل باقي مشاريع برامج الحماية الاجتماعية.
مشروع قانون المالية تطرق إلى قيمة الدعم المباشر الموجه إلى الأسر الفقيرة في المغرب مقارنة بظروف المعيشة
ومن أبرز الخطوط العريضة في مشروع الميزانية لعام 2025، حسب الحكومة، زيادة ميزانيتيْ القطاعات الاجتماعية الحيوية، على غرار الصحة والتعليم، خصوصا بالنسبة إلى الأثر المالي المرتقب للزيادة في أجور موظفي التربية الوطنية والأساتذة، وأكدت أنها عاقدةٌ العزمَ على مواصلة الحوار الاجتماعي وإدراج كل النقاط المرتبطة بجدول الأعمال الذي تم إقراره في أول جولة ترأسها رئيس الحكومة لترجمتها ومناقشتها مهْما صعُبَت الملفات وتعقّدت مكوناتها.
وفي الشق الاجتماعي أورد فوزي لقجع ما وصلت إليه الحكومة في مشروع تعميم برنامج الحماية الاجتماعية، مقراً بأنه “مازال يحتاج إلى تجويد وتأهيل دائمين،” غير أنه شدد على ضرورة توخي الدقة والمصداقية في تقييمه. وأكمل المسؤول الحكومي متسائلا “هل يعني ذلك أن إنجاح ورش الحماية الاجتماعية قد تم وانتهى؟” ليجيب “لا، لأن النجاح الفعلي على أرض الواقع يتطلب انخراط الجميع باعتباره ورشاً مجتمعيا يحتاج للتتبع والتجويد والتصويب الدائم.”
واعتبر عبدالرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي للمعارضة الاتحادية، أن “مشروع قانون المالية تعبير خالص عن استمرار نفس النهج الليبرالي لقوانين المالية السابقة، والتي خضعت كلها لمنطق الموازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية، وخاب أمل المغاربة فيها للاستفادة من تدابير ملموسة تستجيب لمطالبهم الآنية وتحسن وضعهم الاجتماعي، وأنه لم تستطع الحكومة الوفاء بالتزامات البرنامج الحكومي والوعود الانتخابية الحالمة، وتجاهلت كليا توصيات النموذج التنموي الجديد، باعتباره خارطة طريق نحو النهضة التنموية لبلادنا.”
الحكومة تؤكد أن زيادة ميزانية الصحة إلى 32.57 مليار درهم تم تخصيصها وصرفها ولكنها لم تحلّ كل المشاكل بعد
وقالت المعارضة في معرض مناقشاتها لقانون المالية، إن “الحكومة تتجاهل النموذج التنموي لأنها عاجزة عن تحقيق نسبة النمو التي أقرها، والمتمثلة في زيادة مستوى النمو بأربع نقاط إضافية على الأقل، أي الوصول إلى نسب نمو تقارب 7 في المئة والحفاظ عليها على المدى المتوسط، كما أنها ترفع شعار الدولة الاجتماعية، وهي عاجزة للسنة الرابعة على التوالي على حماية القدرة الشرائية للمواطن.”
وردّ لقجع على فرق المعارضة بالقول إن “الحكومة لا تؤسّس للفقر، بل نعمل لتوفير الاستثمار المنتج المُدرّ لموارد ضرورية لتمويل الدولة الاجتماعية،” مشددا على أن “برنامج الحماية الاجتماعية يتحقق لأول مرة كثمرة لتطور طبيعي طوال 25 سنة الأخيرة في كل المجالات، خاصة بعد التشتت والطابع الترقيعي في الغالب الأعمّ الذي طبع البرامج الاجتماعية السابقة.”
وتطرق مشروع قانون مالية 2025 إلى قيمة الدعم الاجتماعي المباشر الموجه إلى الأسر الفقيرة بالمغرب مقارنة بظروف المعيشة والتضخم، حيث تعتزم الحكومة مواصلة هذا البرنامج؛ ليصل بالنسبة إلى كل طفل من الأطفال الثلاثة الأوائل المتمدرسين إلى 250 درهما، وبالنسبة إلى الأطفال دون سن الست سنوات أو في وضعية إعاقة من هذه الفئة إلى 350 درهما، أما عن استفادة النساء الأرامل فأكد بلوغ الرقم 85 ألفا يستفدن حالياً من دعم الدولة، تضاف إليهن 330 ألف أرملة دون أطفال.
وأكد إدريس الفينة، رئيس المركز المستقل للدراسات الإستراتيجية، لـ”العرب” أن “النقاش المرتبط بقانون المالية صارت تغلبُ عليه النزعة التقنية عوض العمق الاقتصادي كما كان سابقاً، وبالنسبة إلى البرامج التي تدخل في إطار مشروع الحماية الاجتماعية فهي غير ملزمة للدولة، لأنه في حال عدم وجود إمكانيات سيتم خفض أعداد المستفيدين حتى تبقى كلفة البرنامج متحكما فيها،” موضحا أن هذه المساعدات “ليست كأجرة تقدم مقابل عمل، بل هي مساعدة يتم تقديمها في حال وجود إمكانات مالية، وبالتالي فالحكومة غير ملزمة بمنحها بشكل مستمر.”
وبخصوص حوكمة منظومة الصحة، تؤكد الحكومة أن زيادة ميزانية الصحة إلى 32.57 مليار درهم تم تخصيصها وصرفها ولكنها لم تحلّ كل المشاكل بعد، مع جهود إخراج كل النصوص اللازمة لتحقيق هذه الغاية، إذ أن أكثر من 600 ألف منهم يؤدون اشتراكاتهم ويستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وقد بلغْنا أكثر من 30 في المئة من المسجلين في هذا النظام، وهو مجهود كبير ستعمل الحكومة على مواصلته.