تسعى تركيا إلى تعزيز تعاونها الإقليمي وتقييم إمكانيات تصدير الغاز من تركمانستان إلى أوروبا عبر أراضيها، باعتبار أن ذلك يمثل فرصة واعدة ستعود بالفائدة عليها في إطار سعيها لتحقيق هدفها لأن تصبح مركزا للطاقة.
وبعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية وما تبعها من أزمة في إمدادات الغاز إلى السوق الأوروبية، شهدت دبلوماسية الطاقة بين تركيا وأذربيجان وتركمانستان نشاطًا مكثفا، مما أعاد الغاز التركمانستاني إلى دائرة الاهتمام.
وفي مارس الماضي، وقعت تركيا وتركمانستان مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الغاز، ومذكرة تعاون استثماري في مجال الوقود الأحفوري. كما أبرمت مع أذربيجان اتفاقية تعاون لتسهيل نقل الغاز من تركمانستان عبر أذربيجان وجورجيا إلى تركيا.
وسبق أن أوضح وزير الطاقة ألب أرسلان بيرقدار أن أنقرة تدرس ثلاثة خيارات لنقل غاز تركمانستان إما عبر التبادل مع إيران أو عبر إيران وأذربيجان أو عبر خط أنابيب بحر قزوين كخيار طويل الأمد وأكثر استدامة.
وأشار إلى أن المرحلة الأولى من المشروع تتضمن نقل ملياري متر مكعب من غاز تركمانستان إلى تركيا، مشيرا إلى أن المشروع يتطلع إلى نقل 300 مليار متر مكعب من الغاز على مدار عقدين بمعدل 15 مليار متر مكعب سنويا.
ورغم التحديات يرى محللون نقل ملياري متر مكعب من الغاز التركماني عبر التبادل الجزئي يعدّ مشروعا قابلا للتنفيذ.
وقال جوليان بودين الباحث الزائر بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة لوكالة الأناضول إن "المشكلة الرئيسية في تصدير الغاز التركماني إلى أوروبا تكمن في النقل والاتفاقيات التجارية اللازمة لذلك".
ومع ذلك لفت إلى أهمية بناء خط أنابيب عبر بحر قزوين لنقل 15 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، مشيرا إلى أن الاتفاقية الموقعة بين تركيا وتركمانستان من شأنها توفير مزايا إستراتيجية مهمة وحيوية للطرفين.
وأكد على أهمية أن تمتلك تركيا خيارات متعددة للإمدادات لتحقيق هدفها في أن تصبح مركزا للطاقة. وأضاف “كلما زادت الخيارات المتاحة، كلما كان ذلك أفضل.. السوق العالمية في حاجة إلى تنويع مصادر الطاقة حتى وإن كان ذلك بكميات صغيرة.”
وأردف بالقول إن “إمداد الغاز من تركمانستان سيسهم في تحقيق فكرة إنشاء مركز للطاقة يكون بديلاً للغاز الإيراني والروسي.”
وتعتمد تركمانستان بشكل كبير على الصين كسوق تصدير وحيدة للغاز، وأن مشروع خط أنابيب الغاز عبر أفغانستان وباكستان والهند لم يتحقق بعد، مما يجعل الحاجة إلى إيجاد أسواق جديدة لغاز تركمانستان أكثر إلحاحا.
ويعتقد بودين أن نقل الغاز من تركمانستان عبر تركيا إلى أسواق أوروبا سيغير مشهد الغاز في منطقة بحر قزوين والقوقاز والجنوب الأوروبي.
ومن المحتمل أن تبدأ المرحلة الأولى بنقل كميات صغيرة، قبل بدء ضخ الغاز عبر خط أنابيب بحر قزوين، ما يتطلب توسيع مشروع الممر الجنوبي للغاز ليصل من أذربيجان إلى تركيا، ثم إلى أوروبا.
ويشير جون روبرتس، الباحث الأول بمجلس الأطلسي، إلى ضرورة استغلال البنية التحتية الحالية إلى أقصى حد ممكن لنقل الغاز من تركمانستان إلى تركيا.
واستبعد روبرتس إمكانية تدشين بنية تحتية جديدة، واصفا مثل هذا المشروع بأنه “ليس أمرا عمليا في الظروف الحالية.” وأكد أن تركمانستان عليها فتح منافذ بديلة لتصدير الغاز، إذ أن الصين هي المخرج الوحيد حاليا، لكن استهلاكها أكبر مما يتم إنتاجه.
وتحاول تركمانستان بناء خط أنابيب إلى باكستان والهند منذ عقدين دون أن تحقق تقدما يذكر بهذا الخصوص، وفق روبرتس. وقال “إذا كان هناك من يستطيع تنفيذ مشروع تصدير الغاز عبر بحر قزوين، فهم الأتراك. تركيا ستكون اللاعب الرئيس في نقل الغاز التركماني إلى الغرب.”
وبذل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جهودا كبيرة لتحقيق التعاون بهذا المجال، بما في ذلك توقيع اتفاقية مع تركمانستان، ونقل الدور الرئيسي إلى أذربيجان كدولة عبور.
ويشير خبير الطاقة دانيلا بوتشكاريف إلى أن كل مصدر غاز جديد بأسعار معقولة سيعود بالفائدة على الاقتصاد التركي، وأن الغاز التركماني من شأنه أن يعزز موقع تركيا كمركز إقليمي للطاقة.
لكنه حذر من أن خط الأنابيب المقترح عبر بحر قزوين لن يكون قابلاً للإتمام في المدى القصير، بسبب العقبات الجيوسياسية والمالية والبيئية.
وأكد أيضا أن الغاز التركماني يمكن أن يصل إلى تركيا عبر إيران، رغم التحديات المتمثلة في العقوبات المحتملة على إيران والمنافسة مع العراق. ولفت إلى أن الاتفاقية بين تركيا وتركمانستان سوف تسهل بالتأكيد وصول الغاز التركماني إلى الاتحاد الأوروبي.
وأوضح بوتشكاريف أن الغاز التركماني يمكن بيعه في أوروبا بأسعار تنافسية، ولكن إذا تمت مقارنته بالكميات المُصدَّرة إلى الصين أو وجهات أخرى، فلن يحقق الكثير من الأرباح بالنسبة إلى شركة تركمانغاز المملوكة للدولة.