صادق نواب الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري (المجلس الشعبي الوطني)، الأربعاء على قانون المالية السنوي، خلال الجلسة المخصصة للعملية، والتي دامت ساعات طويلة، بسبب اعتماد طريقة المصادقة على القانون، بندا بندا، وليس بشكل كلي كما جرت عليه العادة.
ودون أي مخاوف للحكومة مررت البنود الواحد بعد الآخر، في ظل حيازة السلطة للأغلبية داخل الغرفة البرلمانية، ورغم انتقادات بعض النواب للمشروع وللحكومة معا، خاصة في ما يتعلق بالعجز التاريخي في المشروع، ونقاط الظل الواردة فيه، كالصناديق المالية والنفقات غير المخصصة.
وأبدت الكتل النيابية المؤيدة للسلطة ارتياحها لمضمون قانون الموازنة العامة المعروض من طرف الحكومة على البرلمان، وتستعد لجلسة التصويت، مما يجعل المسألة مجرد خطوة شكلية لاحترام مقتضيات الدستور في ظل تغول الجهاز التنفيذي مقابل عزلة الأصوات المنتقدة والمعارضة للمشروع الذي وصفته بـ”الاستعراضي” و”الخطير”.
وساد الإجماع لدى الكتل المؤيدة على أن “مشروع القانون يحمل في طياته جملة من التدابير الرامية لتحسين الإطار المعيشي للمواطنين ومواصلة تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية وجلب الاستثمارات الخلاقة للثروة خارج قطاع المحروقات.”
وأشاد النائب عبدالوهاب عمران، عن حزب جبهة التحرير الوطني الحائز على الأغلبية، بـ”تدابير مشروع قانون المالية وبالتحول الكبير والإيجابي الذي تعيشه الجزائر في المجال الاقتصادي، وما نتج عنه من خلق صناعة محلية خارج قطاع المحروقات، ينتظر أن تتعزّز بفضل هذه التدابير الجديدة.”
أما النائب عن التجمع الوطني الديمقراطي منذر بودن، فقال “مشروع القانون جاء من أجل ترقية الحياة الاجتماعية للمواطن وتعزيز التنمية، وحمل جملة من الإجراءات الرامية للإصلاح من خلال تشجيع الاستثمار المحلي وحمايته، وتقليص فاتورة الاستيراد ومحاربة الغش والفساد.”
وأضاف “مشروع قانون المالية يعكس الإرادة السياسية القوية لترقية الاقتصاد الوطني، من خلال تخصيص ميزانية ضخمة لتجسيد مختلف المشاريع، وجاء في سياق المحافظة على الطابع الاجتماعي للدولة.”
ودعا المتحدث إلى تعزيز مساعي الدولة لتحقيق التنمية الاجتماعية، وإلى الاستثمار أكثر في مجالات خلاقة للثروة على غرار المجال السياحي.
لكن الموقف المتفائل لم يدفع الحكومة إلى تقديم التوضيحات اللازمة حول الاستفهامات المطروحة من طرف النواب الآخرين، وحتى المتابعين والرأي العام، والمتعلقة بكيفية تغطية الحكومة للعجز الوارد في المشروع، والمقدر بنحو 50 في المئة من إجمالي النفقات المحددة بـ126 مليار دولار.
الحكومة لم تقدم التوضيحات اللازمة حول الاستفهامات المطروحة من طرف النواب والمتعلقة بكيفية تغطية العجز
ولم تقدم ردود وزير المالية لعزيز فايد الأجوبة المقنعة للتساؤلات المطروحة، على غرار بند النفقات غير المخصصة المقدرة بـ16 مليار دولار، التي أدرجت ضمن حصة وزارته، فضلا عن الصناديق المالية، واكتفى بالقول “ستتم تغطية العجز بعائدات صندوق ضبط الإيرادات (فارق سعر بيع النفط والغاز والسعر المعتمد في قانون المالية) وإطلاق سندات حكومية للبيع، وغلق مجموعة من الصناديق، وتمويل المحافظات الجديدة والهياكل الإدارية التابعة لها في إطار التقسيم الجغرافي المنتظر.”
لكن نزول الحكومة إلى البرلمان لم يكن مفروشا بالسجاد الأحمر، فقد صب العديد من النواب غضبهم على الأداء الحكومي، وكان وزير الصناعة علي عون على رأس الوزراء المغضوب عليهم، نظير ما وصفوه بـ”الفشل الذريع لقطاع الصناعة واستمرار الارتباك في قطاع تركيب واستيراد المركبات والسيارات”.
ويبدو أن الوزير الذي كان مرشحا لشغل منصب رئيس الوزراء في التعديل القادم، قد انهارت أسهمه بشكل كبير، قياسا بموجة الانتقادات التي وجهت له، حيث دعاه النائب براء بن قرينة (ابن رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة )، إلى “الاستقالة” لأنه صار “عبئا على الحكومة وعلى الشعب.”
وفي نفس السياق، ذهب النائب عن الجالية المقيمة في فرنسا عبدالوهاب يعقوبي إلى التنديد بما أسماه بـ”التجاوزات التي شابت دراسة مشروع قانون المالية لعام 2025″.
وأبرز في بيان له “التأكيد على الحاجة الملحة لوضع قواعد واضحة وحازمة لترسيخ روح المسؤولية داخل اللجنة، بهدف تلبية تطلعات المواطنين، وتقديم برلمان يمثلهم بصدق ويدافع عن مصالحهم بنزاهة وإخلاص.”
وقال “إن مشروع قانون المالية لعام 2025، وهو أحد النصوص الأكثر أهمية، والذي له تأثيرات على الحياة اليومية للشعب الجزائري، تم التعامل معه بطريقة غير مقبولة، مما يعكس نقصا في الالتزام بالمبادئ الأساسية للعمل البرلماني، فالتسرع في دراسة هذا المشروع وغياب فرص النقاش الجاد والمستفيض حول مواده يعكسان غياب المسؤولية من بعض أعضاء اللجنة (من ممثلي جهاز حزب جبهة التحرير الوطني)، ويتناقضان مع واجبات النواب في تمثيل الشعب والدفاع عن مصالحه.”
وأضاف “لقد غابت الشفافية وروح المسؤولية، إذ لم يعقد أي لقاء تمهيدي يحدد بدقة جدول أعمال اللجنة أو منهجية عملها، وقد تقدمت باقتراح لوضع قواعد عمل واضحة تضمن النزاهة والجدية، مع طرح أسئلة أساسية تتعلق بمنهجية العمل، بما يكفل شفافية التصويت وتسيير العمل بموضوعية، لكن هذا الاقتراح قوبل بالرفض بأسلوب غير لائق من قبل بعض الحاضرين، الذين تعمدوا اللجوء إلى أسلوب الضرب على الطاولة، في محاولة لعرقلة هذا المسار نحو الشفافية والتنظيم.”
وتابع “إن تمرير هذا القانون بهذه الطريقة يظهر غياب المهنية ويجعل من الحضور والمشاركة في مثل هذه الجلسات أمرا غير ذي جدوى، مما دفعنا لمغادرة القاعة احتجاجا على هذا الأسلوب. إن هذه الممارسات كشفت عن عدم وجود رغبة صادقة لدى البعض في العمل الجاد والمخلص لصالح الشعب، وبدت مساعيهم واضحة لتعطيل أي توجه نحو الشفافية والنزاهة في عمل اللجنة.”